في الحلقة الماضية ذكرت الإنجليزية فيوليت زوجة المفوض السياسي البريطاني في الخليج الكولونيل ديكسون حين عودتها إلى الكويت أوائل ستينيات القرن الماضي والتقائها بأحد معارفها البدو واسمه سعد والذي كان قد خرج للتو من السجن بعد القبض عليه بمغامرة تهريب بعض المواد الخاضعة للجمارك بين السعودية والكويت، فكانت قد سألته عن وضعه مع فتاة كان قد وقع في حبها حين قص عليها قصتها وبأنها قد هربت ليلة زواجها تحت جنح الظلام حين علمت بأنها ستزف تلك الليلة إلى ابن عمها الذي لا تطيقه ولجوؤها إلى أحد المرتفعات البعيدة عن مضارب البدو وحين هروبها كما حكى ذلك عشيقها سعد كانت الفتاة تدرك أن البحث عنها سيبدأ فور افتقادهم لها ولكنها ظللت مطارديها وبعد أن اختبأت هناك ثلاثة أيام أجبرها الجوع والعطش على النزول بعد حلول الظلام فشقت طريقها إلى خيمه رأتها من على البعد، وهناك أعطيت طعاما وماء وسمح لها بالاستراحة ولكن لخوفهم من حدوث مشكلات ومصادمات لو أخفوها مدة طويلة أقنعها البدو الذين كانوا يسكنون تلك الخيمة بالعودة معهم إلى والدها. انتشر خبر عودتها بسرعة ولم يمضِ وقت طويل حتى جاء ابن عمها ومعه والدته ليطلبها ويأخذها معه وقد رفضت بشده أن تذهب معه، ولكنهم شدوا وثاقها ووضعوها على ظهر جمل وقد سقطت عدة مرات وحاولت الفرار دون جدوى وحتى يجعلوا فرارها مستحيلا ربطوا حول وسطها حبلا وجروها وراء الجمل وعلى مسافة من الطريق تلك الليلة سألوها ما إذا كانت ترغب في إكمال الطريق على هذا المنوال أو تركب مرة أخرى طائعة، وكانت في ذلك الوقت قد استبد بها الإعياء والخوف والبؤس فقالت إنها ستركب عند ذلك حل وثاقها ووضعوها فوق الجمل مرة أخرى وأكملوا طريقهم ببطء. خلال الليل ومرة أخرى سنحت لها فرصة الهروب فانزلقت إلى الأرض من على ظهر الجمل وفرت في الظلام فسارت مترنحة لا تقوى على السير إلا بالكاد وغير قادرة على تحديد وجهتها في الظلام ولكنها كانت مصممة على الفرار، وعند مطلع الفجر كانت أقدامها الحافية قد تسلخت فسقطت منهارة في مجرى ماء جاف (شعيب) تحت بعض الشجيرات وقد استلقت هناك حتى حلول المساء التالي، ثم انطلقت من جديد تتحرك حسب اعتقادها في الاتجاه المعاكس لمكان ذويها، وأخيرا عثرت في طريقها على خيمة سوداء لا تكاد تراها العين في ضوء القمر الباهت، وكان كل شيء يبدو هادئا والجمال تبرك في الخارج أمام الخيمة تجتر في راحة وهدوء فزحفت عمشة في سكون بين الإبل ورأت بداخل الخيمة وتحت لحاف قطني أحمر رجلا وامرأة نائمين فلمست الرجل بخفه والذي هب ممسكا ببندقيته خشية أن يكون قد هاجمه اللصوص أو أي عدو آخر بعد ذلك استيقظ الكلب واندفع إليه نابحا بعنف ولكي تنقذ نفسها جذبت اللحاف عن المرأة وقد توسلت إليهما الفتاه المرهقة أن يحموها وبعد أن أعطيت بعض اللبن لتشربه، غطت في نوم عميق من شدة الإرهاق، وقد أقامت مع هذه العائلة أياما عديدة قبل أن يعيدوها إلى والدها وإخوتها والذين استقبلوها برقة لأنهم أدركوا ألا جدوى من إجبارها على القبول بزواج لا ترضاه. وبعد عده أشهر غادرت الفتاة مع مجموعة من أقاربها إلى الرياض، حيث لجأت إلى منزل الأمير عبدالله بن سعود العرافة وزوجته صيتة قد يكون لجوؤها إليه لحمايتها من سطوة ابن عمها، تقول فيوليت سألت سعدا ما إذا كان لا يزال يعشق عمشة فأجاب إنها في الرياض منذ عشر سنوات وكان يعني أنهما بعد هذا الوقت الطويل قد كبرا وأضاف: ولكنني عندما كنت في زيارة للرياض ذهبت إلى قصر الأمير الذي تقيم فيه معززة ومكرمة وزعمت أنني أبوها أو أخوها، واستطعت بذلك أن أتدبر رؤيتها لوقت قصير، وكان سعد حزينا جدا في ذلك الوقت للطريقة التي عوملت بها عمشة حين أجبرها على الزواج من ابن عمها وما حصل لها من معاناة، وهنا تختم فيوليت هذه القصة بالقول: لقد رأيت أن مجرد سرده لتلك القصة جدد أوجاعه وأدخله موجة من الأحزان. فيوليت بالزي البدوي مخاطر تتربص بعابر الصحراء