"سدايا" تسهم في دعم مبادرة طريق مكة بالخدمات التقنية    قطر ترفض تصريحات نتانياهو "التحريضية" بشأن غزة    آل خليفة يُهنئ الأهلي ويشيد بنجاح المملكة في استضافة الحدث القاري    عبدالعزيز بن سعود يزور المسجد النبوي ويؤدي الصلاة في الروضة الشريفة    الحلم يسبق موعده    العطية يتوّج بلقب رالي السعودية والراشد يحصد المركز الثالث    فيرمينيو يُتوّج بجائزة أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا للنخبة    «أوساط الرأي».. جوهرة إذاعية لامعة    الإعلام السعودي من نقل الحدث إلى صناعة المستقبل    عصر الترند والتفاهة: سقراط يبحث عن مشاهدات!    انتبهوا    "سالم الدوسري" يحصل على جائزة هداف نخبة آسيا    رئيس «الشورى» يرأس وفد المملكة في «البرلماني العربي»    «الجوازات» تصدر قرارات إدارية لمخالفي الإقامة والعمل    نائب أمير الشرقية يرعى حفل التخرج بجامعة الملك فيصل    بيانات اقتصادية مختلطة تعقد موقف الدولار مع تقلب الأسواق وانخفاض النفط    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات الأمنية في القصيم    الأمم المتحدة تدعو إسرائيل على "الوقف الفوري" لهجماتها على سوريا    سيطرة سعودية.. تعرف على جوائز الأفضل في دوري أبطال أسيا    سمو وزير الرياضة يُهنئ القيادة بفوز فريق النادي الأهلي بكأس دوري أبطال آسيا للنخبة 2025    انطلاق مؤتمر السلامة والصحة المهنية غدا    مبادرة طريق مكة تجمع (رفيقي الدرب) بمطار حضرة شاه الدولي بدكا    زئبق سام وعصابات بمشاريع تنقيب ذهب الأمازون    المناعة مرتبطة باضطرابات العقل    فوائد غير متوقعة للرياضة على مرضى السرطان    حرس الحدود يطلق وطن بلا مخالف في جازان    النقل تباشر أعمالها استعدادا للحج في أكثر من 20 موقعا    ارتفاع شهداء غزة إلى 52495    مكة المكرمة الأعلى هطولا للأمطار ب17.6 ملم    أبو سراح يكرم داعمي أجاويد 3 بظهران الجنوب    "الغذاء والدواء" تُسخّر التقنيات الحديثة لرفع كفاءة أعمال التفتيش والرقابة في الحج    الهلال يبدأ حقبة ما بعد جيسوس    إحباط تهريب (176) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في عسير    أوبك+: زيادة الإنتاج ب411 ألف برميل يوميا في يونيو    شجر الأراك في جازان.. فوائد طبية ومنافع اقتصادية جمة    مجتمع تيك توك: بين الإبداع السريع والتمزق العميق    نجاح عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم ضخم في كلية مسن ببريدة    الملحقيات الثقافية بين الواقع والمأمول    «اليدان المُصَلّيتان».. يا أبي !    اللغة تبكي قتلاها    مركز التحكيم الرياضي السعودي يستقبل طلاب القانون بجامعة الأمير سلطان    سجن بفرنسا يطلق عن طريق الخطأ سراح نزيل مدان بسبب تشابه الأسماء    جمعية خويد تختتم برنامج "محترف" بحفل نوعي يحتفي بالفنون الأدائية ويعزز الانتماء الثقافي    أمين الطائف يطلق برنامج الأمانة لموسم الحج الموسمية    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    ذخيرة الإنسان الأخيرة" يخطف الأضواء في الطائف    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السحر المشروع!
نشر في الرياض يوم 04 - 04 - 2025

الوظيفة الأولية للفنون السحرية كافة هي إذكاء عواطف معينة في المرء أو في الأشخاص والتي تعد ضرورية ونافعة في سياق العمل المعيشي، فالنشاط السحري نوع من المحرك الذي يزود ميكانيكية الحياة العملية بتيار عاطفي ليسيّرها، لذلك فالسحر الفني ضرورة في أي مجتمع صحي..
إن الإبداع منذ شقته الأولى منبته الطبيعة؛ لأن الإنسان خلق منها ومن عناصرها الأولية، ولذلك نجد نظرية الذات الموضوع والتي في مجملها أنه -أي الإنسان– يسعى دوماً لاستعادة ذاته من خلال المحاكاة. والمحاكاة هي محاولة نقل الصورة من الواقع للاقتراب منها أو الالتصاق بها وعند أرسطو أن "الملحمة والمأساة، بل والملهاة والدثرامبوس وجلّ صناعة العزف بالنادي والقيثارة، هي كلّها أنواع من المحاكاة" ولذلك فقد ولد الإنسان مقلداً، وهو يقلّد من وجهة نظر أرسطو أيضاً؛ لأنّه يجد لذة في المحاكاة، واللذة هي في مجملها نوع من أنواع المتعة، لأنه يعد نوعاً من أنواع استعادة الذات حين مغادرته لفردوسه المفقود بالتحامه بالطبيعة، وهذا هو منبت الفنون نظراً لوظيفتها التي تتركها في النفس، ولما تستدره من العقائد أياً كانت هذه العقائد، وهذا هو البعد السحري للعقيدة، فهل ترتبط العقيدة بالفنون؟
إن هذه الطبيعة من حولنا هي ما يحرك الإنسان لاستدرار اللذة في محاولة محاكاة سائر الأوضاع من حوله فنشأ داخله اعتقاد سحري بقدرته على التغلب والانتصار. وغريزة الانتصار هي أيضاً محرك أعمق وأوسع لصراعه مع الطبيعة تجاه هذا الفقد الذي يحاول استعادته.
وما نراه من صور الحيوان في العصر الجليدي على الجدران وعلى أسقف الكهوف ولا سيما قدامى السكان في إسبانيا وجنوبي فرنسا، فقد صوروا في كهوفهم صوراً للوعل والجاموس البري والخيول وأغلب الظن أنهم لم يفعلوا ذلك للمتعة والجمال فلقد كانت الكهوف من الظلمة بحيث لا تتيح الرؤيا وبالتالي لا تصلح أن تتخذ سكناً ولكن أغلب الظن أنهم رسموا هذه الصور اعتقاداً منهم بأنها ستقع بين أيديهم إذا رسموها وهذا هو البعد السحري للفن.
"لا تزال بعض القبائل البدائية في أفريقيا إلى اليوم تربط بين الصورة والحقيقة، فنراهم يحزنون إذا ما مر بهم سائح والتقط صوراً لهم ولماشيتهم، فهم يعتقدون أن ذهابه بصور الماشية سيجعلهم يفتقدونها فسترحل عنهم مثلما رحلت الصورة".
ومازالت هذه المعتقدات الموجودة في بعض القبائل التي تسمي أبناءها بأسماء الحيوان، بل وفي رقصاتها ترتدي جلود الحيوانات، فرغم أن الإنسان الأول توصل إلى آلية الفكر إلا أنه لم يستطع أن ينسحب من الحقائق المحسوسة ليحولها إلى أشياء ملموسة تستطيع تجسيدها، فلقد أدرك في الفكر البدائي العلاقة بين السبب والنتيجة ولكنه لا يدرك ما يراه من سببية تعمل كالقانون آلياً وبدون أي هوىً شخصي.
"إن الإنسان المبكر ينظر إلى الوقائع كحوادث فردية، ولم يدرك هذه الحوادث أو يفسرها إلا كحركة، فلا يضعها بالضرورة إلا في قالب قصة وبعبارة أخرى كان الأقدمون يقصون الأساطير عوضاً عن القيام بالتحليل والاستنتاج". فكانت هذه الأساطير هي محاولة من هذا الإنسان البدائي لتفسير بعض الظواهر التي بدت غامضة على فهمه، وفي الوقت نفسه تشعره بنوع من الأمان من الغموض المحيط به، فالإحساس بالقصور إزاء المعنويات التي بدت غامضة هو الذي حرك العقل لاستجلابها، فإذا هو بذلك يضع الأساس الأول لنشأة الفنون والعلوم، وحملت أساطيره بعضاً من الصفات الخارقة للقوى الغيبية لديه التي تطور الفكر اتجاهها ووضعها في مصاف الآلهة، فنشأ ما يسمى بتعدد الآلهة في الفكر اليوناني القديم، وأيضاً في الشرق الأدنى والأوسط، وارتبطت هذه الأنشطة اليومية بالفن، ففنون الغناء والرقص قد تطورت من الأعمال الجماعية ومن الطقوس الدينية، فيقول أحمد أبو زيد في دراسة بعنوان ما قبل المسرح: "يخضع الفن البدائي بوجه عام لمؤثرات دينية قوية... وتؤلف الفنون من حيث هي أساليب ووسائل عند الإنسان متصلاً واحداً تتداخل عناصره ومفرداته".
هذا الإحساس الديني هو ما جعلهم يعيشون في جماعات وفق منطق نفعي، الغرض منه الإحساس بالدفء والأمان، فالإنسان البدائي حين يحاول تفسير الظواهر الطبيعية يغدق على الجماد صفات إنسانية!
"إن الإنسان البدائي لا يعرف عالماً جامداً أبداً، لهذا السبب عينه لا (يشخص) ظواهر الجماد ولا يملأ عالماً فارغاً بأشباح الموتى كما تريننا الروحية". فالعالم لا يبدو للإنسان البدائي جماداً أو فارغاً بل زاخراً بالحياة حتى وإن كان جماداً أو تمثالاً فهو يحمل بداخله حياة محسوسة أو ما يسمى بقوة التأثير أو بالبعد السحري للفنون، "فالأشياء يصبح لها لا بذاتها ولكن بوصفها قوياً، إمكانات خفية تستطيع أن تؤثر على الإنسان، لذلك لا تكتسب الأشياء تحديداتها الخاصة وتتحول إلى فتشات، أي تصبح الأشياء حوامل لقوى سرية"،
والفتش هو الجزء الذي يحمل ويجسد قوة الحياة والموت عموماً، أي أنه كيان متميز يتكون من جسم مادي واحد ومن مغزى كلي يختفى وراءه هو المضمون الروحي والاجتماعي، ولذلك فهو ليس مادة جامدة بل فعل سحري، إنه يعيش بفضل عملية تقديسه والخضوع له. وهو شيء جاهز في الطبيعة أصبغ عليه الفكر الإنساني قوة سحرية وحينما تنفصل هذه القوى السحرية عن هذا الشيء تصبح كالغيلان الخرافية المرعبة التي لا تخضع لقياس أو معيار سواء في ضخامتها أو ضآلتها على السواء!
الوظيفة الأولية للفنون السحرية كافة هي إذكاء عواطف معينة في المرء أو في الأشخاص والتي تعد ضرورية ونافعة في سياق العمل المعيشي، فالنشاط السحري نوع من المحرك الذي يزود ميكانيكية الحياة العملية بتيار عاطفي ليسيّرها، لذلك فالسحر الفني ضرورة في أي مجتمع صحي.
كان الإنسان البدائي حين يملك أن ينظر إلى المظاهر جميعهاً متصلة يدرك أن ثمة تياراً خفياً يسيطر عليها جميعاً ويضفي عليها جمالاً متميزاً، ويجعل الإنسان يخشى من هذه القوى الخفية ويحاول استرضاءها آنذاك.
وبهذا ارتبط الفن بالعقيدة، فهي المحرك الأول للوجدان والحصول على اللذة التي تنتج المتعة، وبهذا أصبح للفنون جميعها بعداً سحرياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.