الإشكالية العظمى تكمن في الأثر الذي يحدثه التعامل الاستهلاكي والاقتصادي عبر التحيز المعرفي والإقناعي المؤطر الذي يتخذ فيه الدماغ قرارات بشأن المعلومات التي يتم عرضها اعتمادًا على كيفية تقديمها.. وغالبًا هو ما يُستخدم في التسويق للتأثير على صانعي القرار والمستفيدين والمستهلكين والأفراد البسطاء.. عندما تخيّر ابنك وتسأله: تريد بيتزا أو هامبرغر فلن يأتي على باله خيار آخر كالشاورما لأنك وضعته بين خيارين، أو تقول أم لطفلها: ما رأيك.. هل تذهب للفراش الساعة الثامنة أم التاسعة؟ سوف يختار الطفل الساعة التاسعة.. وهو ما تريده الأم مسبقاً دون أن يشعر أنه مجبر لفعل ذلك بل يشعر أنه هو من قام بالاختيار.. وكذلك حينما تزور قريبا لك في بيته ويسألك: أتشرب شاياً أو قهوة؟ فإنه يستحيل أن يخطر ببالك أن تطلب عصيرا مثلا، هذا ما يمكن تسميته بالتأطير الذي يجعل عقلك ينحصر في اختيارات محددة تفرض عليك لا إرادياً لتمنع عقلك، وتعطّل وعيك عن التفكير في خيارات أخرى متاحة. ممارسة هذا الأمر وتطبيقه في الواقع قد يأتي بدون إدراك، وقد يفعله البعض بقصد وتدبير ودهاء، وهنا تكمن قوة التأثير على الغير أجعلك تختار ما أريد بدون أن تشعر أنت. وتلعب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي نفس اللعبة في أي مجتمع ومع أي فرد قد ينهكه عدم الانتباه، وانعدام الوعي حيث يستخدم هذا الأسلوب في قيادة الآخرين، وتوجيه الرأي العام، وتكريس التأثيرات المحتملة وغير المحتملة من خلال وضع خيارات وهمية تقيد تفكير الفرد وتلزمه بالاستجابة الضمنية المباشرة لما يخطط له، وهكذا الإعلام الذي يحاول أن يؤثر سياسيا، أو ثقافيا، أو اجتماعيا حين يصنع من محتواه مواد مقصودة حَسَب ما هو مُعد من معلومات مسبقة تصل المستقبل لتقوده إلى اتّخاذ أحكام؛ وفق ما يستهدفه المرسل فتضع المتلقي في الحدث عبر توجيه الغاية في إطار يدعم به القضية التي تريدها له الجهة المؤطرة. في الحياة العامة قد يجذبك الآخر بتأطيره لغاياته وأهدافه دونما تشعر وتنقاد معه بسهولة ويسلبك قدرتك على الوعي بواقع الحال وحقيقته وماهيته.. سؤال يقال لك.. أو خبر.. أو معلومة يتم تداولها أو يقصدونك بها، أو محتوى مشوش يجعلونك تدور حول ذلك بتقييد ذهني، وإفقار لإرادتك، وإذابة لطاقتك الناقدة. لذا فعملية التأطير، وسطوة الأطر هي لعبة الإعلام والسياسة والمتكلمين والكتاب لقيادة عاطفتك وفكرك إلى ما يشتهون. الإشكالية العظمى تكمن في الأثر الذي يحدثه التعامل الاستهلاكي والاقتصادي عبر التحيز المعرفي والإقناعي المؤطر الذي يتخذ فيه الدماغ قرارات بشأن المعلومات التي يتم عرضها اعتمادًا على كيفية تقديمها. وغالبًا هو ما يُستخدم في التسويق للتأثير على صانعي القرار والمستفيدين والمستهلكين والأفراد البسطاء حيث يميل الناس إلى تجنب المخاطر عند تقديمهم بإطارات مكاسب ويبحثون عن الفرص عندما يواجهون إطار خسارة. في التسويق، يتم اختيار الأرقام الكبيرة خصوصًا وقت العروض والتخفيضات، على سبيل المثال "إذا كان على بطاقة أحد المنتجات سعر المنتج قبل الخصم 25 ريالا وبعد الخصم 15 ريالا، فأي إعلان أو لوحة من التالي سيكون له تأثير أكبر؟ اللوحة الأولى خصم 40% أم اللوحة الثانية خصم 10 ريالات؟ بالتأكيد اللوحة الأولى التي تحتوي على نسبة 40%، لأن المستهلك سيشعر بأنه وفر الكثير من المال. رغم أنهما نفس المعلومة. ومثال آخر، إذا كان المنتج سعره 2500 ريال وبعد الخصم 2250 ريالا، وعلى اللوحة الأولى خصم 10% واللوحة الثانية خصم 250 ريالا. ففي هذه الحالة أي لوحة لها تأثير أكبر على المستهلك؟ أكيد اللوحة الثانية التي تحتوي على 250 ريالا، وذلك لأن العدد كبير فالمستهلك سيشعر بأنه وفر المال مقارنة ب10% رغم أنهما نفس الشيء، وهكذا يتم التأثير على المستهلكين باستخدام الأرقام الكبيرة بطريقة عرضها لهم". ويبقى القول: كلما زاد وعي الإنسان ومعرفته كصاحب قرار أو مستفيد أو فرد متلقٍ عادي، استطاع أن يخرج من هذه الأطر والقيود، وتمكن من قيادة أفكاره، والسيطرة على ميوله، وترشيد استهلاكه وحثه بالتعقل في تفاعلاته التسويقية، وضبط الآثار الاجتماعية والثقافية، وصنع حالة من الاتزان في فهمه لما يحدث، وقناعاته وانطباعاته تجاه ما يتلقاه.