في هذه الزاوية نلتقي في حوار مع د. أحمد هروبي النعمان، حاصل على الدكتوراه في الأدب والنقد، وكاتب صحفي صدر له كتاب "البنية السردية في القصة القصيرة". وكتاب "شعرية القصة القصيرة"، له عدد من الإصدارات في طريقها للنشر، وتطرق في هذا الحوار موضوعات نقدية وفكرية وثقافية. * ما تقييمك للواقع النقدي؟ * ادعاء القدرة على التقييم الدقيق أمر فيه نظر، لكن يمكن أن نحاول إبداء الرأي لمقاربة الواقع النقدي، وهي مقاربة قد تعكس شيئاً من واقعه. النقد الأدبي أمام تحدٍ قوي، فهو يمر بمنعطفات، فرضها الواقع الجديد، وهو واقع يتطلب ممارسة جديدة، وفعلاً نقدياً ينهض في أفق الوفاء بالتحولات النصية من جهة، وواقع الإبداع التقني من جهة أخرى، وما طرأ على مزاج المتلقي مع ما تمر به الذات الإنسانية من تشكلات. بعض الممارسات النقدية مازالت تسير وفق متطلبات نصية سابقة، بصرف النظر عن الواقع الجديد، والبعض مازال يقف عند حدود الحداثة، وبعض الحراك النقدي يتحرك وفق فكر ما بعد الحداثة. نحن بحاجة لمراجعات عدة، ولاسيما حين ندرك أن الكثير من المفاهيم والمصطلحات والمناهج النقدية جلبت ووظفت دون وعي، أو بوعي؛ لكنه وعي مصحوب بقطيعة مع التراث!!! كما أننا بحاجة أيضاً لتجاوز مرحلة الحساسية المفرطة من توظيف النظرية النقدية الغربية. النقد العربي بحاجة لممارسة نقدية تنبع من إرثه الكبير، بعيدة عن الانصهار في النظريات الغربية، وهذا لا يقتضي الانغلاق والتقوقع على التراث، أو الوقوف عند المنجر والقار دون مراجعته، بل هو بحاجة للنظرة المنفتحة، وهو أمر يتطلب تضافر جهود النقاد، وتآزرهم، للخروج بنظرية نقدية عربية تأخذ بعين الاعتبار تلك المعايير. * قراءتك للعلاقة بين الناقد والمبدع؟ * العلاقة بين الناقد والمبدع يجب أن تكون في الأصل قائمة على منطلقات فنية. المبدع يخلق نصوصه الإبداعية، وقد يكون مسكوناً بالناقد الضمني لحظة الإنتاج، وهو أمر طبيعي؛ فعملية الإبداع مرهونة بقواعد لغوية وبلاغية، ومعايير فنية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الناقد ينطلق في محاكمته للنصوص وفقاً لتلك المعايير، يتغيا الموضوعية ويتجرد من العواطف، وينأى بنفسه عن السقوط والاستجابة غير الواعية. طبعاً لا أدعي أن كل الممارسات تنطلق وفقاً لتلك المعايير، فهناك تباينات قائمة في العلاقة بين المبدع والناقد. هناك الناقد الموضوعي، الذي ينظر للنص بصرف النظر عن قائله، وينطلق في مقارباته من أسس منهجية، ومنطلقات لغوية وبلاغية. وهناك الناقد المحابي، يوظف موهبته النقدية في ممارسة نقدية غير موضوعية، وهناك من النقاد من يتجاهل نصوصاً لاعتبارات شخصية، أو يحتفي بها للاعتبارات ذاتها، وهذا للأسف خروج عن قيمة النقد الأدبي الفني. * نظرتكم للمناخ الأدبي والثقافي بالمملكة خلال الفترة الحالية؟ * المناخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية يعيش حالة من الازدهار والتطور، وهي حالة استجابة طبيعية لتقدم المجتمع السعودي، ونهوضه الثقافي الكبير، الذي شجعته القيادة الحكيمة. من أهم ما يميز ذلك المناخ هو التنوع، والتعددية، وهي سمات بدأت بالازدهار، ومثلت حالة من التقدم الفكري، ولا شك أن ذلك أسهم ويسهم في تقبل الآخر، كما أسهم في العمل الإبداعي. الجدير بالذكر أن مظاهر التنوع في المجتمع السعودي ظلت مرتبطة بالتراث الإسلامي، والتقاليد العربية الضاربة في جذور التاريخ، لذلك ستجد الفكر والثقافة اليوم بعيدة عن التطرف والخطاب الإقصائي. * معارض الكتاب وأهميتها للمثقف وللحركة الثقافية؟ * أشرنا أعلاه للتنوع الثقافي وللتعددية، والواقع أن معارض الكتاب، مع ما تنهض عليه من أهداف اقتصادية، فهي كذلك تأتي تجسيداً واقعياً لتلك التعددية، فهي تمثل تجمعاً ثقافياً دولياً تلتقي فيه الثقافات المختلفة، وتعمل على تقوية جوانب التواصل الحضاري، وتعزز الوعي الأمني، وتنشر الفكر والسلام، مع ما تقوم به معارض الكتاب من مد جسور التواصل المعرفي والثقافي. إن معارض الكتاب قد تجاوزت فكرة بيع الكتاب، فغدت تظاهرة ثقافية، وجسراً يجمع الشعوب تحت سقف واحد، حدث ذلك حين طرأت الكثير من المناشط المصاحبة كالندوات والقراءات النقدية، وغيرها من الفعاليات، التي تحقق أهدافها المعرفية والثقافية المختلفة، مع ما تحققه من إبراز واقع المملكة، ومكانتها، وتعكس واقعها الحضاري، في ظل رؤيتها الواعدة 2030. o كيف ترى مستقبل الأندية الأدبية؟ * لا تهمنا المسميات والمرجعيات، ولا طريقة عملها، الأهم من ذلك هو طبيعة اشتغالها، ونهوضها بمهامها الأساسية في دعم الأدب وحركة الإبداع، ودعم المبدعين. الأندية الأدبية في طريقها للتحول إلى جمعيات أدبية تتبع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وهذا التحول -في الأصل- لا يمثل للأديب والمثقف والمبدع شيئاً، فما يهمهم جميعاً، أن يجدوا المؤسسة الداعمة، والمحتفية بنتاجهم الفكري والأدبي. لا شك أن تلك الأندية كان لها دور كبير في الحراك الأدبي، ونهضت بأدوار مهمة جداً، ولا أظن من الجيد التفريط فيها، قد تتباين الآراء في تغيير مرجعيتها، أو هيكلتها، لكننا لابد أن نتفق على بقاء طبيعة أدوارها، وأن تغير المسميات يجب أن يتم وفق مبدأ الاستمرارية وتجدد الأدوار، والحفاظ على المكتسبات. * كيف تنظر للتحولات النقدية ولاسيما مع تسلل نظرية التلقي؟ * مروراً بالمناهج السياقية، ووصولاً للمنهج اللساني الذي نظر للنص الأدبي نظرة منعزلة عن السياقات المنتجة له، كان على النقد أن يعيد للقارئ سلطته، وأن يمنحه المكانة المناسبة في خلق النص، وهذا الأمر في غاية الأهمية في نظرية جماليات التلقي التي بدأت مع مدرسة "كونستانس"، وهي بطبيعة الحال نظرية تقف ضد النظر للعمل الأدبي في حدود النص، بل تمنح أفعال الاستجابة مع النص الأدبي سلطة مماثلة، ومن هنا بدأت سلطة القارئ. لقد أدرك المبدع ذلك التحول، وبدأ ينشط القارئ الخامل، وذلك عبر خلق فجوات فراغية، يشغل بها المتلقي، ويجعله شريكاً فاعلاً في نصه. النصوص الأدبية في ظل نظرية التلقي لا تبوح بكل أسرارها، لأنها تنطلق من وعي عميق يستند إلى وجود وتآزر عناصر أساسية هي النص والقارئ والتفاعل. * مدى تأثر المثقف بوسائل التواصل وهل ترى أنها أضافت للمثقف؟ * لقد بات على المثقف والمبدع أن يدرك أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، فقد هيأت له فضاء واسعاً، وجعلته في مواجهة مع جمهور عريض، ونوعي، لم يكن يحلم به في عصر الكتاب الورقي، وبأقل تكلفة، وبأسرع وقت، مع ما يحظى به من التفاعل المباشر في الآن نفسه. ومع ما قدمته مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنها فرضت شروطها على المبدع، لأنها محكومة بطول نفس المتلقي، فالمتلقي فيها -غالباً- لا يتسم بطول النفس، كما أن بعض تلك المواقع تفرض حداً للنشر، فبات المبدع محكوماً بشروطها، الأمر الذي كان من شأنه أن يلجأ المبدع لمبدأ التكثيف اللغوي (الإيجاز) كي يخطب ود المتلقي، ويعلن التزامه بشروط بعض تلك المواقع. * هل أنت مع مقولة النقد الأدبي أم النقد الثقافي؟ * ما يميز الأدب أنه خطاب مرن، ليس خطاباً أصولياً يمتاز بالحدة، وهذه السمات هي أهم صفات الخطاب الأدبي. لا أرى أن مقولة موت النقد الأدبي تتوافق مع طبيعة الخطاب الأدبي، وأرى أن العلوم والمعارف هي حالة تراكمية، قد يصيبها الضعف أحياناً، لكنها سرعان ما تعود إلى نشاطها السابق. لا شك أن النقد الثقافي كسر المركزيات، وذهب لمقاربة مناطق لم يصل إليها النقد الأدبي، كالأدب الشعبي والنسوي، وقراءة اللوحة، والفيلم، وغيرها، لكن القول بموت النقد الأدبي حكم فيه شطط.