تُعرف الأنثروبولوجيا الثقافية - بوجه عام - بأنّها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع له ثقافة معيّنة. وعلى هذا الإنسان أن يمارس سلوكاً يتوافق مع سلوك الأفراد في المجتمع «الجماعة» المحيط به، يتحلّى بقيمه وعاداته ويدين بنظامه ويتحدّث بلغة قومه. يقول رالف لنتون: «الإنسان له شكله الفيزيقي وتراثه الاجتماعي وسماته الثقافية». ولذلك، فإنّ الأنثروبولوجيا الثقافية: هي ذلك العلم الذي يهتمّ بدراسة الثقافة الإنسانية، ويعنى بدراسة أساليب حياة الإنسان وسلوكاته النابعة من ثقافته، وهي تدرس الشعوب القديمة، كما تدرس الشعوب المعاصرة. فالأنثروبولوجيا الثقافية إذن، تهدف إلى فهم الظاهرة الثقافية وتحديد عناصرها، كما تهدف إلى دراسة عمليات التغيير الثقافي والتمازج الثقافي، وتحديد الخصائص المتشابهة بين الثقافات، وتفسّر بالتالي المراحل التطوّرية لثقافة معيّنة في مجتمع معيّن. ولهذا استطاع علماء الأنثروبولوجيا الثقافية أن ينجحوا في دراساتهم التي أجروها على حياة الإنسان، سواء ما اعتمد منها على التراث المكتوب للإنسان القديم وتحليل آثارها، أو ما كان منها يتعلّق بالإنسان المعاصر ضمن إطاره الاجتماعي المعاش. الإنتاج الفكري إنّ الحديث عن أنماط الإنتاج الفكري، يعني أنّ التجانس الثقافي بالمعنيين : الفلسفي والأنثروبولوجي، هو غير عمليات علم الاجتماع، لأنّ هذا التجانس يغطّي وجوداً حقيقياً لأنماط مختلفة من الثقافة، قد تتناقض مضموناً ووظيفة في المجتمع الواحد. فعلى الرغم من وجود بعض العوامل (الأنثروبولوجية) المشتركة، فلا توجد موضوعيّاً في المجتمعات ذات التركيب الطبقي «ثقافة للجميع»، حتى وإن ادّعت أو أرادت هذه الثقافة لنفسها، أن تكون كذلك. فهناك من وجهة نظر اجتماعية نمطية ثقافية (ربّما في ذلك أنماط الثقافة الجماهيرية) يفضي تصنيفها وتحليلها، إلى إبراز التمايز الاجتماعي الذي تعبّر عنه بالضرورة، وهذا يعني أن اجتماعية الثقافة في نهاية الأمر، هي اجتماعية التباين في الثقافة وعدم مساواة في المجال الثقافي. المجتمعات الطبقية إنّ الحديث عن المجتمعات المنضّدة (الطبقية) ليس حصراً بقدر ما هو تأكيد على أنّ الإنتاج الفكري هو تعبير عن مرحلة معيّنة من التمايز بين الأصناف الاجتماعية الاقتصادية، وأن استعمال مفهوم التركيب التنضيدي Stratification، على الرغم من غموضه، يقحم في حقل التحليل الاجتماعي مجتمعات تاريخية قبل رأسمالية، قد يكون مضمونها الطبقي محلّ نقاش، وعلى هذا الأساس، تكون المجتمعات الوحيدة التي تخرج من الحقل الاجتماعي، هي تلك التي تسمّى عادة بالمجتمعات (البدائية)، والتي لم تصل فيها أنماط الإنتاج الفكري إلى درجة كافية من التمايز تسمح لها بتصنيف معيّن. ليس المهمّ من وجهة النظر التحليلية إثبات العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي، بقدر ما هو تحليل أشكال هذه العلاقة في مرحلة معيّنة لمجتمع معيّن، ويعدّ هذا التحليل مصدراً أساسيّاً في المناقشات المتعلّقة بالروابط الموجودة بين البنية التحتية والبنية الفوقية، والتي أفضت إلى تأكيد فكرة التبادل الدياليكتيكي القائم بينهما، وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ اجتماعية الأدب والفن، ساهمت مساهمة متطوّرة في تحليل أشكال العلاقة بين الإنتاج الفكري، ومعطيات البنية الاجتماعية. إن تحديد الكيفية التي يحوّل بها إنتاج فكري، كالقصّ أو المسرح مثلاً، معطيات الواقع، لا يكفي، بل لا بدّ من إبراز الوظيفة الاجتماعية / السياسية لهذا الإنتاج، ولا سيّما أنّ المنتجين ينتمون إلى فئات من المثقّفين يؤدّون أدواراً قد يعونها أو لا يعونها لصالح أصناف أو طبقات اجتماعية معيّنة، وهذه الوظيفة ليست مظهراً ثانوياً أو تكميلياً، بل هي بعدٌ من أبعاد العلاقة بين الثقافة والمجتمع، ولا يمكن تفسير أي حدث فكري من دونها، وهي في الوقت ذاته، توجد حلاًّ لما يسمّى «استقلالية» القيم الفكرية والجمالية، وذلك من خلال اكتشاف وظيفة استمرارية هذه القيم، أو بعثها في ظروف تاريخية محدّدة. التراث والحياة تهتمّ الأنثروبولوجيا الثقافية بالتراث والحياة داخل نطاق المجتمع، ويمكن بوساطتها الخوض في جوهر الثقافات المختلفة، ومعرفة كيف تحيا الأمم، من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية: ما سبل العيش المتّبع لديهم؟ ما الطرائق التي يتبعونها في تربية أبنائهم؟ كيف يعبّرون عن أنفسهم؟ ما طريقتهم في أداء عباداتهم؟ وغير ذلك من العادات والقيم وأساليب التعامل فيما بينهم. ولهذا فإن الأنثروبولوجيا هي أكثر العلوم التي تدرس الإنسان وأعماله شمولاً على الإطلاق. وهناك دلائل وشواهد عديدة على هذا الشمول؛ فالأنثروبولوجيا تجمع في علم واحد بين نظرتي كل من العلوم البيولوجية والعلوم الاجتماعية، فتركز مشكلاتها، من ناحية، على الإنسان العضو في المملكة الحيوانية، وعلى سلوك الإنسان العضو في المجتمع، من ناحية أخرى. ثم إن الأنثروبولوجيا لا تقتصر على دراسة أي مجموعة من الناس أو أي حقبة تاريخية. بل تهتم بالأشكال الأولى للإنسان وسلوكه بدرجة اهتمامها نفسها بالأشكال المعاصرة؛ إذ يدرس الأنثروبولوجي كلاً من التطورات البنائية للبشرية ونمو الحضارات منذ أقدم الأشكال التي وصلتنا عنها أي سجلات أو بقايا، فضلاً عن الاهتمام بالدراسات المقارنة في سياق اهتمامه بالجماعات والحضارات الإنسانية المعاصرة. ووفقاً لذلك فإن الأنثروبولوجيا تهتم بالبحث عن المبادئ، التي تحكم تطور الإنسان فيزيقياً وثقافياً، ولماذا تغير التركيب الفيزيقي للإنسان؟ ولماذا توجد أنماط بشرية متميزة بمثل هذه الكثرة، على الرغم من أصلها المشترك جميعاً؟ وما طبيعة الثقافة؟ وكيف تتغير الثقافات؟ وما العلاقة المنهجية المنظمة بين مختلف جوانب السلوك الاجتماعي والثقافي للإنسان؟ وكيف يستجيب الأفراد للمثل العليا والأهداف التي تحددها لهم الثقافات؟ وما العلاقة بين الثقافة والشخصية؟، فالعالم اليوم بما يضمه من بقايا نادرة متفرقة للماضي البعيد، هو العمل المتاح للبحث الأنثروبولوجي.