ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    الاتحاد يتعثر أمام أبها بثلاثية    أبها يهزم الاتحاد بثلاثية قاسية في رحلة الهروب من الهبوط    الهلال يتغلب على التعاون بثلاثية ويقترب من اللقب    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    بايرن يُجري عدة تغييرات أمام شتوتجارت    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    بعد نحو شهر من حادثة سير.. وفاة نجل البرهان في تركيا    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    مفاوضات بين ناد سعودي وغاتوزو    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    الإنترنت في السعودية.. 99% نسبة الانتشار.. والهواتف المتنقلة الأكثر استخدامًا ب98.9%    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    المعرض السعودي للإضاءة والصوت SLS Expo 2024 يقود التحول في مستقبل الضوء الاحترافي والصوت    القبض على أشخاص لترويجهم المخدرات في عدد من مناطق المملكة    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    "ريف السعودية": انخفاض تكاليف حصاد المحاصيل البعلية بنسبة 90%    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني    الأهلي يقسو على ضمك برباعية في دوري روشن    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    قصة القضاء والقدر    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زوجة الإمام المؤسس المحسنة الأميرة موضي بنت سلطان أبي وهطان.. النموذج الأمثل للمرأة السعودية

الأميرة موضي بنت سلطان أبي وهطان من آل كثير ولدت في أوائل القرن الثاني عشر الهجري تقديريا، وتزوجت من الإمام محمد بن سعود، وأنجبت له الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود.
وصفتها المصادر التاريخية برجاحة العقل وحسن التصرف وذات الأثر الحميد لزوجها في قبول دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في أول لقاء جمع بين الشخصيتين عام 1157ه/1744م.
استعرض عدد من المؤرخين بعض أخبارها ومقتطفات من سيرتها التي يمكن ذكرها بصورة عامة ويبين ذلك الاستعراض إيضاح الدور البارز للمرأة السعودية إجمالًا وفي الوقت نفسه يقدم أهميته في توثيق دور المرأة السعودية عبر الأطوار التاريخية وإسهامها في بناء وطنها منذ قيام الدولة السعودية الأولى المباركة، ولعل أبرز هؤلاء المؤرخين المؤرخ عثمان بن بشر (ت 1290ه / 1871م) قال في حوادث عام 1157ه، مشيراً إلى موقف الأميرة موضي بعد وصول الشيخ محمد بن عبدالوهاب: "فلما وصل الشيخ إلى بلد الدرعية نزل عند عبدالله بن عبدالرحمن بن سويلم وابن عمه حمد بن سويلم فلما دخل على ابن سويلم ضاقت عليه داره خوفاً على نفسه من محمد بن سعود، فوعظه الشيخ وسكن جأشه وقال: سيجعل الله لنا ولكم فرجاً ومخرجاً فلما علم به خصائص من أهل الدرعية زاروه خفية فقرر لهم التوحيد، فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود ويشيروا عليه بنزوله عنده ونصرته فهابوه فأتوا إلى زوجته، وأخيه ثنيان الضرير، وكانت المرأة ذات عقل ودين ومعرفه فأخبروهما بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلوبهما معرفة التوحيد، وقذف الله في قلوبهم محبة الشيخ، فلما دخل محمد بن سعود على زوجته أخبرته بمكان الشيخ وقالت له: إن هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به، فقبل قولها ثم دخل عليه أخوه ثنيان وأخوه مشاري وأشاروا عليه بمساعدته ونصرته، فقذف الله في قلب محمد محبة الشيخ ومحبة ما دعا إليه....".
وأوضح إبراهيم الحيدري (ت 1299ه/1882م) قصة قدوم الشيخ إلى الدرعية وإلى اسم تلك المرأة بقوله : « فالتجأ إلى أخويه مشاري وثنيان ولدي سعود وزوجته موضي بنت أبي وهطان من آل كثير وكانت ذات عقل وفهم ..» (3)
وسرد الشيخ محمود الألوسي (ت1342ه / 1924م). قصة اللقاء بين الشخصيتين ولا سيما عند اتجاه الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية : «فالتجأ إلى أخويه مشاري، وثنيان ولدي سعود، وزوجته موضي بنت أبي وهطان من آل كثير، وكانت ذات عقل وفهم فأخبروها بحال الشيخ وصفته من الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقذف الله تعالى محبة دعوة الشيخ في قلبها فأخبرت زوجها محمد بن سعود بحاله وقالت له: إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله تعالى إليك، فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته: فقبل قولها وألقى الله تعالى محبته في قلبه..» (1)
ودون محب الدين الخطيب في مقال له عام 1345ه اسم زوجة الإمام محمد بن سعود بأنها: «موضي بنت أبي وطبان من آل كثير». ويصفها بأنها: «ذات عقل ودين»(2)
قال أمين الريحاني (ت 1359ه/ 1940م) عن تأثير هذه المرأة ودورها:
وهو « ...رحل المصلح إلى الدرعية فكانت الهجرة الثالثة وهو في الثانية والأربعين من سنه. وقد نزل هناك ضيفا على أحد تلاميذه وأحمد بن سويلم، فتهافت عليه الأنصار وبالغوا في إكرامه إلا أن محمد بن سعود أمير الدرعية تردد في مقابلته؛ فألح عليه بذلك أخواه ثنيان ومشاري، فظل مترددا ثم لجأ إلى زوجته موضي بنت أبي وهطان من آل كثير..».
ثم قال في وصفها: «.. وكانت من النساء العاقلات النبيهات، فأخبراها بما يدعو الشيخ إليه، وبما ينهى عنه، فارتاحت إلى ذلك ووعدتهما خيرا وهذا ما يدل على ما للمرأة حتى داخل الحريم ووراء الحجاب من التأثير الطيب؛ اللهم إذا كانت عاقلة وعالمة بشؤون الأمة...» . (3)
قال عبدالرحمن بن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ (1406ه /1986م) عن زوجه الإمام محمد بن سعود بأنها: « موضي بنت أبي وهطان من آل كثير من بني لام» .(4)
قال الجاسر (ت 1420ه /2000م) عن قبيلة زوجة الإمام محمد بن سعود: بأنهم من : « آل كثير: فرع كبير من فروع قبيلة طيئ من بني لام منها وكانوا -قديماً- معدودين من الفضول -آل فضل- فانفصلوا عنهم، وبرز ذكرهم في نجد على مسرح المعارك القبلية منذ منتصف القرن التاسع، (5) ولا تزال أسر كثيرة منهم متحضرة متفرقة في مدن المملكة، بعد أن انتقلت باديتهم إلى الشام والعراق وكان آل كثير في بادية العارض من أول القرن الحادي عشر -على ما يفهم من كلام بعض المؤرخين (انظر: سوابق ابن بشر لسنوات: 1046 و1081 و1097 و1105 و1133 و1137 و1142ه)- حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري -وجرى بينهم وبين آل معمر أمراء العيينة مناوشات، من أشهرها محاولتهم نهب بلدة العيينة حتى غزوها سنة 1137ه- فاحتال أميرها محمد بن حمد بن معمر حتى قتل رئيس الغزو زيد بن مرخان صاحب الدرعية، ثم في سنة اثنتين وأربعين ومئة وألف قتلوا ذلك الأمير، قتله آل نبهان منهم، ثم انحدرت قبيلة آل كثير إلى الشرق عند ظهور الدعوة وكانوا يتعرضون لبعض القوافل -كما ذكر ابن بشر في حوادث سنة ثلاث وأربعين ومئتين وألف ولا تزال فروع تلك الأسرة معروفة في بلاد نجد، وهي من آل فضل الذين كانوا يسيطرون على الجزيرة من بلاد الشام حتى جنوب الجزيرة خلال القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر، وتكررت مصاهرة آل كثير لآل سعود، ففي حوادث سنة 1248ه قصد الإمام تركي بن عبدالله آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثانية الأحساء وأقام فيها قريباً من الشهر وتزوج ابنه هادي بن مذود رئيس عربان آل كثير وظهر بزوجته معه إلى الرياض .(1)
ثم أخذ الجاسر يتحدث عن زوجة الإمام محمد بن سعود فقال ما نصه:
(زوجة الإمام محمد بن سعود أول امرأة تحدث مؤرخو نجد عن مناصرتها لدعوة الشيخ هي: موضي بنت بن وهطان، وهي من أسرة كريمة من آل كثير؛ فحين انتقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب من العيينة إلى الدرعية سنة 1157ه كارهاً مكرهاً {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}(2).
كانت الدعوة قد وجدت في هذه البلدة تربة خصبة، فنبتت ونمت، فحل الشيخ ضيفا على أحد تلامذته حتى استقبله محمد بن سعود على نحو أوجز، وصفه ابن غنام بقوله: «.. فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود قام من فوره ومعه أخواه ثنيان ومشاري، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم، فسلم عليه، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده»(3)
ولكن ابن بشر فصله على هذا النحو («عنوان المجد» ج1 ص24 - طبعة وزارة المعارف سنة 1391 (1971م) ) : «فعلم به خصائص من أهل الدرعية، فزاروه خفية، فقرر لهم التوحيد، فأرادوا أن يخبروا محمد بن سعود، ويشيروا عليه بنزوله عنده ونصرته، فهابوه، وأتوا إلى زوجته وأخيه ثنيان الضرير، وكانت المرأة ذات عقل ودين ومعرفة، فأخبروهما بمكان الشيخ، وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلبيهما معرفة التوحيد، فلما دخل محمد بن سعود على زوجته أخبرته بمكان الشيخ، وقالت له: إن هذا الرجل ساقه الله إليك، وهو غنيمة، فاغتنم ما خصك الله به، فقبل قولها، ثم دخل عليه أخوه ثنيان وأخوه مشاري، وأشارا عليه بمساعدته ونصرته). (4)
ثم كان من أمر الإمامين ما هو معروف ورحم الله ابن بشر، فلولا إشارته الموجزة التي تقدم ذكرها عن أثر تلك السيدة الكريمة في حث زوجها على قبول الدعوة، ومناصرة إمامها تلك المناصرة التي عادت بخير العوائد وأعظم النتائج، لجهل أمرها.(5)
قال ابن خميس (ت 1432ه/2011م) عن الإمام محمد بن سعود وأبنائه وزوجته «.... محمد بن سعود له من الذكور أربعة هم: فيصل وسعود وقد استشهدا في حياته في الغارة التي قام بها دهام بن دواس على أطراف الدرعية سنة1160ه، وله أيضا الإمام عبدالعزيز، والإمام عبدالله، وله زوجتان هما: موضي بنت أبي وهطان من آل كثير، وابنة الإمام محمد بن عبدالوهاب»(6).
تعد المساكن أحد أنماط العمارة التقليدية وتعكس نمط الحياة الاجتماعية والمفاهيم الدينية والاجتماعية وتوضح مدى الاتصال والتواصل مع حضارات الأمم الأخرى.
وعرفت المستوطنات البشرية داخل الجزيرة العربية منذ القدم كمقرات دائمة ومنازل ثابتة.
وبعد عام 850ه/1446م الذي تزامن مع انتقال ذرية مانع المريدي إلى الدرعية وغيرهم من السكان؛ فإن تخطيط المدينة من مبانٍ وأسواق وساحات وشكل وتصميم المنازل والدور اختلف عما كان موجوداً في السابق وصاحب ذلك تغير في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغير ذلك وفي ضوء تلك الظروف اختلفت بعض المؤثرات والأنماط المعيشية للمجتمع الدرعي حسب تطوره التاريخي وأسهمت مجموعة من العوامل في الاستقرار التاريخي حول هذه الموضع الذي حفزها ليكون موطنًا للسكنى؛ ويأتي أبرزها بالإضافة على الموقع توافر المياه في وادي حنيفة على جنباته، بالإضافة إلى وجود المياه الجوفية وقربها من سطح الأرض وخصوبة التربة والنتاج الزراعي، ما جعل هذه البلدة ضمن الإقليم العام من اليمامة صالحة للزراعة وقابلة للسكنى منذ القدم .(7)
وهكذا اعتمدت المدينة كغيرها من مدن نجد الأخرى على الزراعة والفلاحة ضمن معيشة أهلها في المنطقة .(8)
كانت العادة جارية في عملية بناء البيوت وعمارة الدور أن يكون بناؤها وفقا للوظائف المطلوب، أداؤها فهي تختلف حسب حالة صاحب البيت الاقتصادية والاجتماعية.
أما المادة البنائية الرئيسة؛ فهي تستخرج من طبيعة المنطقة وأهمها:
مادة الطين كونها الأكثر استخداماً منذ العصور القديمة. قال الشاعر الأعشى الذي سكن منفوحة المجاورة للدرعية: فأضحت كبنيان التهامي شاده
بطين وجيار وكلس وقرمد (9)
ويستعان بمواد أخرى غير الطين مثل الحجارة واللبن(10) والأخشاب والجص وجميعها تدخل في متطلبات عملية البناء الكلية.
حي الطريف.. السبالة والمسجد
شكل حي الطريف الواقع على الضفة الغربية من وادي حنيفة -الباطن- مكانًا مهما كأبرز حي تاريخي في المنطقة ففيه قصر الحكم والجامع الكبير وقصور الأسرة المالكة من آل سعود ومنازل كبار القادة العسكريين والمدنيين.
تميزت قصور الدرعية بالفخامة والاتساع ومظاهر الفن المعماري الجميل من خلال التشكيلات الزخرفية الهندسية الدقيقة في نسب المساحات والتوزيع ما يدل على الذوق المعماري الأصيل والقدرة الإنشائية في البناء.(1)
ومن خصائص البناء والتخطيط العمراني للمساكن والأحياء في عهد الدولة السعودية الأولى لهذه البلدة اتخاذها الشكل الحجمي والمساحي للمدينة طابعاً عضوياً مرتبطاً بتقاليد السكان وعلاقاتهم وأنشطتهم وبيئتهم.
سمي هذا الحي بالطريف، لكونه يقع في طرف الوادي ومنه اشتق مكان الحي والقصر فطرف هذا الحي يحيط به وادي حنيفة شرقاً ويحده من الغرب شعيب صفار، ولذلك أصبح بينهما بارزاً (2) حيث يعد الطريف المقر السياسي لرجال الدولة السعودية وفي عاصمتها الأولى -الدرعية- ويقع في طرفه المسجد من الناحية الشمالية وبجوار الوادي شرقاً وأسفل الوادي من الناحية الشرقية السوق العامر وفيه دكاكين البيع والشراء(3).
وفي هذا الحي تم إنشاء مسجد الطريف الذي كان في أول الأمر صغير الحجم وربما كان مبنياً منذ ولاية مانع المريدي عام 850ه أو في عهد أحفاده إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي المتوفى بعد عام 981ه، ثم ابنه مرخان بن إبراهيم بن موسي بن ربيعة بن مانع المريدي الدرعي الحنفي.(4) وصولاً إلى ما قبل عام 1139ه، وهي السنة التي بدأ فيها حكم الإمام محمد بن سعود للدرعية واستقلاله بحكم الدرعية عام 1139ه.
ثم تمت توسعة مسجد الطريف وأدخلت عليه زيادات كبيرة في جميع جوانبه وبشكله المعهود اليوم في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ت 1218ه ) وابنه الإمام سعود (ت 1229ه)، نظراً إلى تثبيت أركان الدولة واستقرارها في عهديهما، وتوسع البناء، بالإضافة إلى كثرة القادمين الى الدرعية والساكنين فيها خلال هذه الحقب الزمنية الزاهية، كما يشير كثير من المؤرخين إلى هذا التطور الكبير والازدهار الذي تم في عهديهما.
وذكر المؤرخ ابن بشر عن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وصلاته في هذا المسجد بأنه: «كان لا يخرج من المسجد بعد (*) صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ويصلي فيه صلاة الضحى»(1)
وكانت هذه طريقته حتى استشهاده فيه عام 1218ه، حيث قال ابن بشر: «ثم دخلت السنة الثامنة عشرة بعد المائتين والألف وفي هذه السنة في العشر الأواخر من رجب قتل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية وهو ساجد في أثناء صلاة العصر..» . (2)
ونقل الرحالة بوركهارت (ت 1232ه ) أن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود هو الذي بنى هذا القصر الكبير(الطريف) وذلك في معرض حديثه عن الإمام سعود بن عبد العزيز فقال: «يقيم مع كل أفراد عائلته في قصر كبير بناه والده عند منحدر جبلي في مدينة الدرعية» (3).
أحيط هذا الحي بسور مشترك ضمن أسوار المدينة العامة ضمن الضفة الغربية في حي الطريف وشكلت مع بواباتها أهم المعالم العمرانية داخل الدرعية بحيث أحيط بالمدينة يبلغ طوله خمسة عشر كيلاً وهو أقوى خط دفاع للمدينة (4).
وقد تجدد البناء على هذا السور منذ أيام الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ت 1218) (0) حتى عهد الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز (ت 1233ه).
تميزت قصور الدرعية بالفخامة والاتساع ومظاهر الفن المعماري الجميل من خلال التشكيلات الزخرفية الهندسية الدقيقة في نسب المساحات والتوزيع ما يدل على الذوق المعماري الأصيل والقدرة الإنشائية في البناء.(6)
ومن خصائص البناء والتخطيط العمراني للمساكن والأحياء في عهد الدولة السعودية الأولى لهذه البلدة، اتخاذها الشكل الحجمي والمساحي للمدينة طابعاً عضوياً مرتبطاً بتقاليد السكان وعلاقاتهم وأنشطتهم وبيئتهم المناخية، وأبرز الأمثلة على ذلك حي الطريف (7).
موقع مسجد وسبالة موضي
يقع المسجد في حي الطريف المقر الرئيس في الدرعية جنوب بيت المال، وللمسجد طريق ينفذ منه إلى الناحية الشرقية بقرب وادي الباطن). ضمن موضع يسمى الجزيف (9) إحدى المزارع المعروفة في هذا الموضع يفصل بينهما شارع يسمى شارع الخراب.
ويبرز محراب المسجد الخارجي إلى أحد الطرق النافذة ضمن حي الطريف.
وتم اختيار موقعه مع السبالة للأسباب الآتية:
* أن المسجد والسبالة يقعان بجوار مدخل حي الطريف الرئيس الكائن عن السبالة في الجهة الشمالية الشرقية.
o وقوع المسجد والسبالة على الحافة الشرقية لحي الطريف الملاصقة لوادي حنيفة.
o وقوع المسجد والسبالة بجوار المقر الرئيس لقصور آل سعود المعروف ب : قصر سلوى وبيت المال ما يمثل أهمية ومعنى رمزياً لأحد أهم الأوقاف في المدينة.
o كثرة زائري الدرعية واحتياجهم إلى دور خاصة للسكن كأن يكون الزائر طالباً للعلم أو قادمًا إلى المدينة من أي مكان آخر لا سيما في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وابنه الإمام سعود بن عبدالعزيز، حيث يصور بعض المؤرخين أن القادمين إلى الدرعية من أهل نجد كان بعضهم من المساكين وكل أعمى وزمن (المصاب بعاهة جسدية) لا سيما في شهر رمضان؛ فإنهم يدخلون القصر الملكي وبعض قصور الأمراء، وكان الإمام يقوم بتوزيع القهوة على المساجد للإعانة على العبادة.(1)
o وقوع السبالة والمسجد بقرب الجامع الكبير في حي الطريف من الجهة الشمالية مجاوراً لسوق الدرعية الرئيس وحوانيتها المميزة التي تقع في الجهة الشمالية الشرقية من السبالة وهذا السوق يرده الناس من أماكن كثيرة من أهل الآفاق كاليمن وتهامة والحجاز وعمان والبحرين وبادية الشام والعراق وغيرها يتجولون في أسواقها ويتاجرون بها (2).
o بروز المسجد والسبالة ويمكن الوصول إلى السبالة بعد مشاهدتها بصورة سهلة لتكون مقصداً للزائر، حيث يمكن الوصول إليها عبر شوارع فرعية تؤدى وصولاً إلى شارعين رئيسين من داخل حي الطريف بحيث يتفرع الشارع المؤدي إلى السبالة إلى جهتين هما: الجهة الجنوبية والجهة الشرقية.
ولا شك في أن وقوع المسجد والسبالة في هذا المكان كان له أثر مباشر على رواج النشاط الاقتصادي في الدرعية خلال تلك الحقبة الزمنية.
التكوين البنائي لمسجد موضي
تميزت كثير من المساجد في المنطقة النجدية بنمط بنائي وطراز معماري متشابه، وهي بالتالي تعكس المفاهيم الدينية والقيم الاجتماعية التي مرت بها عبر مراحل زمنية مختلفة.
تمثل التكوين البنائي في المساجد النجدية على كتلة واحدة تضم في بنائها الداخلي ضمن سور واحد: المسجد وملحقاته الرئيسة ولكن يلاحظ في مسجد وسبالة موضي هو ارتباط النمط البنائي وتشكيلاته وفق قسمين رئيسين مشتركين مع بعضهما البعض، ولكل مبنى له استقلاليته وتكوينه (المسجد وسبالته الملاصقة له) بحيث إن واجهة البنائين تدلان على أنهما قد عدتا مبنى واحداً إلا أنهما منفصلتان في الداخل وبالتالي عد هذا النمط حالة متفردة تختلف عن بقية المساجد في المنطقة (3) وهذا ما يجعلنا أن نطلق على تلك السبالة المشركة بالمعنى الحديث بالمؤسسة الخيرية التي شملت مظاهر الخدمات والتسهيلات التي وضعت بها؛ بالإضافة إلى كونها تركت أثراً على واقع الحياة الاجتماعية من حيث الانتفاع ومدى تأثيرها على مجتمع الدرعية في تلك الحقبة التاريخية، ويمكن تفصيل البناء العام وفق الآتي:
* القسم الأول: المسجد.
* القسم الثاني: بيت السبالة: بيت الضيافة.
ويمكن الحديث عن هذين القسمين، لكونهما مرتبطين ببعضهما بشيء من التفصيل.
فقد كان طابع البناء واحداً في شكله مختلفاً في بعض تفاصيله، فبعد أن يخصص موقع المسجد، يتم تقدير الطول اللازم للمسجد وعرضه، مع قياس المسافة اللازمة لعرض الرواق الذي هو موضع الصفوف، ثم يتم الاجتهاد في تحري القبلة، ثم توضع مراسيم لزوايا المسجد ومحرابه وبحسب ما لديهم من إمكانات يتم بناء المسجد وسوره الذي يبتدئ بوضع أساسه بصفين من الحجارة أو أكثر لحمايته من التآكل، ولوقايته من أضرار السيول، ثم يبدأ بوضع اللبن بمقاس الأساس.
فإذا ارتفع البناء بمقدار ثلاثة أذرع عينت المشكاة، وكانت تُسمى قديما ب (الفاغرة)، وهي التي توضع فيها المصاحف وأجزاء القرآن.
وعند ارتفاعه المناسب تحدد له النوافذ لدخول وخروج الهواء، ثم تبنى الأعمدة وتوضع عليها قنابع من الحجر مستطيلة الشكل ترتكز عليها القرون(1)، بحيث يتم تثبيت رؤوسهما وتصبح مثلثاً مقلوبا، ثم يجري إتمام البناء وهو بذلك يشابه تصاميم عامة المساجد في المنطقة.
وتقوم أساسات مسجد وسبالة موضي على عشرة أعمدة قوية البناء في كل صف خمسة أعمدة وجميعها مدعومة بقاعدتها السفلي من الحجارة لوقاية المسجد من أي أضرار تلحق به على مر الزمن ثم يجري بناء محتويات المسجد كإنشاء الدرج، الذي أقيم في الجهة الشمالية وتركيب الأبواب الخشبية التي يكون طولها أحيانا مترين وعرضها متراً واحداً، وهي تتغير تبعًا لكبر المسجد أو صغره، وتجري عملية إتمام البناء الكلية الملحقة بالمسجد، مثل بناء مستودع صغير له أو بعض الغرف الصغيرة ومن الأقسام الأخرى الملحقة بالمساجد المغتسل: وتسمى المسقاة وهي تبنى مجاورة للمصابيح من الجنوب. أما الميضأة فإنها تتبع المسجد كونها مكاناً للوضوء والاغتسال.
وقد بني المسجد دون مئذنة حيث يقتصر المؤذن بصعوده إلى سطح المسجد من داخلة ثم يصعد بعدد من الدرجات إلى الأعلى، حيث يقوم برفع النداء.
أما درج المسجد المؤدي إلى سطحه أو درج مصلى الخلوة فقد وضعا بجوار بعضهما بحيث يصل الداخل إلى المسجد ضمن وسط السرحة المائلة للجهة الشمالية فيكون الدرج المؤدي إلى السطح على اليمين بينما يقوم بالنزول إلى خلوة المسجد عبر الدرج من الجهة اليسرى الملاصقة لجدار المسجد من الجهة الشمالية.
ويقوم مدخل آخر يؤدي إلى سطح المسجد وخلوته ويقع في الجهة الشرقية من زاوية المسجد من الخارج.
أما محراب المسجد فقد بني في وسط المسجد وهو مقابل القبلة في الاتجاه الغربي وجاء بشكل مجوف من مادة الطين وقطره نصف دائرة تقريباً ويبرز في الاتجاه الغربي وأجريت عليه عملية الترميم بوضع الأحجار الجمالية.
يقع باب المسجد الرئيس في الجهة الشمالية الغربية من الصاعد أو المنحدر من الشارع الممتد حول بيت المال من جهته الجنوبية.
ويقوم المسجد كما أسلفنا على عشرة أعمدة بحيث قسم كل صف إلى خمسة أعمدة متوازية البناء قوية الاحتمال وكل هذه الأعمال تجري يدويًا من مسح الجدران والسطوح؛ لتتحقق استقامة البناء واستواء سطحه مع الاستعانة الأخشاب والوسائل الأخرى المساعدة.
شكلت المساحة الكلية للمسجد مع الخلوة التي تقدر ب (272 متراً مربعاً) حجما مناسباً بخلاف مساحة السبالة ( 314 ببعض متراً مربعاً وبالتالي تكون مجموع المساحتين (586 متراً مربعاً) (2) ما يسهم في الاستفادة منها بالصورة المثلى في تلك الحقبة الزمنية. أعيدت عملية ترميم المسجد وانتهي منها شاملة ملحقاته كافة في عام 1439ه.
ويتألف مسجد موضي من الأقسام الآتية:
القسم الأول:
الرواق القبلي ويسمى (المصابيح) وهي مسقوفة البناء بحيث توضع على الأسقف الخشبية التي تكون من الأثل السميك الذي يؤخذ من مزارع الدرعية المنتشر بها، بحيث ينزع أوراق جريد النخل ويوضع عليها الطين.
القسم الثاني :
الصحن ويطلق عليه (السرحة)، وهى التي تلي المصابيح من الشرق، وهي غير مسقوفة، وتؤدى الصلاة فيها في وقت الصيف.
القسم الثالث:
الخلوة وقد أخذ اسمها من الاختلاء للعبادة، وهي خلوة أرضية (قبو) وتأخذ الخلوة شكل المسجد في موازاة المحراب والخلوة تُبنى وفقاً لطبيعة الأرض، حيث كانت ترابية حُفرت وبنيت مسجداً تحت الأرض، وخلوة المسجد قليلة المنافذ وسقفها منخفض، ويصلى بها في فصل الشتاء؛ كونها تميل للدفء، بينما تكون باردة في فصل الصيف.
وفي عملية الترميم الأخيرة وضعت بعض الأشكال الجمالية من الحجر المقوى بجوار المحراب من جهتيه، وسقفت الخلوة بأعمدة الأثل الممتدة بين جانبيها الغربي والشرقي مع الحوامل الداعمة لها التي تسمى السواكف وتقوم قاعدتها الأساسية على سطح المسجد.
وتغطي مساحة خلوة مسجد موضي حجم المصلى من الجهة الشرقية من المسجد.
ويقوم مسجد الخلوة على ثمانية أعمدة حجرية منها أربعة أعمدة أمامية وأربعة أعمدة خلفية محكمة البناء قوية الأساس.
فالمساجد بصفة عامة في الدرعية ونجد يغلب عليها طابع البساطة في البناء والشكل الخارجي والداخلي، ولها نمطها العام الثابت، حيث لا يعتنى بالمظاهر الجمالية والزخرفية، فهي تعد أموراً ثانوية لا يعبأ بها غالباً.
أعيد بناء وترميم خلوة مسجد موضي مع المسجد كاملًا في عهد الملك عبدالعزيز ويظهر أنه تم أواخر الثلاثينات الهجرية من القرن الرابع عشر الهجري حيث أشرف على هذه البناء الشيخ حمد بن فارس المتوفى عام 1345ه.
وقد لحق المسجد الهدم في بعض أجزائه نتيجة بناء بعض المباني الطينية بعد قدوم السكان من جديد، وهذا الهدم وقع في السبعينات الهجرية من القرن الماضي ثم تهدم كثيراً من تلك الأجزاء قبل إخلاء كثير من السكان قبل عام 1393ه.(1)
وفي عام 1429ه بدأ العمل في ترميم حي الطريف، ومن ضمن الأعمال تم ترميم هذا المسجد والسبالة وانتهى ذلك الترميم في عام 1439ه.
التكوين البنائي لسبالة موضي
شرع في بناء السبالة بالمكونات الأساسية من البيئة المحلية وأهمها: مادة الطين وملحقاته، حيث يؤخذ في الحسبان أن المبنى تتحكم فيه مؤثراث في تخطيطه يأتي أبرزها أهمية: المكان مع القدرة المادية على بنائه، إضافة إلى تأثير عدد من العوامل والضرورات الدينية والاجتماعية.
يطل هذا المبنى على الجهة الغربية من وادي حنيفة (الباطن)، حيث يفصل بينهما شارع يطلق عليه سكة الخراب ثم إحدى المزارع المسماة الجريف.
ويظهر طول هذا المبنى على الوادي، حيث يقوم أساس هذا البناء على الحجر القوي، وتبرز جدرانه الطينية العالية في منتصفه، حيث تظهر فتحات نوافذه ذات الشكل الطولي في دوره الأول ثم في الأعلى تتعاقبها النوافذ ذات الشكلين المربع والمثلث المخصصة لفتحات التهوية وبعض الزخارف الغائرة والبارزة الخاصة في الأعمال الخشبية ولا سيما في بنائه الأول، تقوم سبالة موضي على مساحة تقدر ب (314 متراً ) مربعًا مكونه مع مساحة المسجد وخلوته بمجموع كلي يقدر ب(586 متراً مربعاً)، ومبنى السبالة في تصميمه الداخلي عبارة عن فناء ضيق مستطيل الشكل تحيط به الغرف التي بنيت فيه ضمن جانبي المبنى من الجهتين الشرقية والغربية، وقد اتخذ هذا الشكل، ليكون موازياً للطريق الخارجي الذي يخترق منه إلى الناحية الشرقية للمدخل الرئيس؛ بالإضافة إلى إطلالة تلك الغرف على الناحية الشرقية من الطريق بجوار وادي حنيفة (الباطن).
وقد احتوى هذا المبنى على عناصر معمارية تشترك في نفس السمات المعمارية السائدة في البناء النجدي فقد بني من الناحية الإنشائية بمادة اللبن (الطوب) ودعمت أساسياته الحاملة له بالحجارة القوية التي توضع حتى الأعلى ثم تلتقي بالسواكف من الجهتين الغربية والشرقية الحاملة لسقف المبنى، ويقع مدخل السبالة وبابها الرئيس في الجهة الشمالية مقابلًا لمبنى بيت المال.
كلا المبنيين يقعان في الطريق الصاعد أو المنحدر من الشارع الممتد إلى الجهتين الشمالية والشرقية.
توزيعات مبنى سبالة موضي
يتكون مبنى السبالة من توزيع الوحدات المعمارية الداخلية عمومًا فقد تم بناؤه من دورين يحيط به فناء مكشوف للأعلى. فالدور الأعلى يستخدم لإقامة الضيوف بينما يستخدم الدور الأول من السبالة وهو عبارة عن غرف متعددة تستخدم للتخزين(1). جاء تصميم المبنى بشكل عام مستطيلاً من الجهة الشمالية إلى الجنوبية ما يمكن الساكن فيه والضيف من الدخول أو الخروج إليه دون حرج وبكل يسر وسهولة تامة.
حيث تفضي الجهة الشمالية من السبالة إلى مبنى بيت المال مباشرة يفصل بينهما شارع لا يتجاوز عرضة الخمسة أمتار، ويحسب للنواحي الأمنية، حيث يراعي المعماري وجود عناصر دفاعية كالمزاغل (الفتحات) على الواجهة المطلة على الجانب الشرقي، حيث توحي كتلة البناء بارتفاعها وضخامتها وسمك جدرانها وكأنها تمثل قلعة ضمن الحي.
وبحسب البناء الترميمي الأخير؛ فإن الداخل إلى المبنى من الجهة الشمالية يجد ممرين الأول على يمينه ويؤدي إلى بعض الغرف الصغيرة للمبنى التي كانت عبارة عن غرف للنوم. بينما الممر الواقع إلى اليسار فقد أعيد بناؤه وفقا للأغراض التي وضع لها منذ إنشائه.
الإطاران الزماني والمكاني لسبالة موضي
يشتمل الإطار الزماني لهذه السبالة الفترة الممتدة من سنة 1175 ه /حتى سنه 1233ه/ ( 58 سنة) (أواخر القرن الثاني عشر الهجري / منتصف القرن السابع عشر الميلادي )، بينما لا يمكننا تحديد بداية السكن في سبالة الأميرة موضي بنت أبي وهطان بشكل تاريخي دقيق؛ فإن المؤشرات العامة تفيد أنها تمت في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (ت 1218ه) الذي شهد عصره مرحلة مهمة في تاريخ الدولة السعودية الأولى لم تظهر المدونات التاريخية أو الروايات تحديد تاريخ بنائها هل كان مع بناء المسجد أو جاءت بعد بناء المسجد بمدة زمنية محددة.
أما الإطار المكاني فيتجلى في حي الطريف أحد أهم وأبرز الأحياء القديمة في الدرعية، وعد إسهام المرأة في هذا المكان ذا أثر بارز في مجال الرعاية والضمان الاجتماعي، حيث جسدت سبالة موضي مثالاً للإسهامات الخيرية لنساء مجتمع الدرعية بحيث مثلت عنواناً للتراحم والمحبة بين أفراد المجتمع تطبيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(1) وعنوانا للتكافل الاجتماعي، فلم تكن السبالة حصراً على فئة معينة، بل يستفيد منها الجميع.
استخدامات مبنى سبالة موضي
أنشئ المبنى لخدمة الزائرين من مختلف الطبقات كطلاب علم أو لتجار أو من غير أهل المدينة، ولهذا لا بد من توافر بعض الاحتياجات الرئيسة للقادمين إليه، كتوفير الفرش البسيط المصنوع من سعف أو توافر بعض السجاد، حيث يجلب من السوق المحلى أو من خارج المنطقة، بالإضافة إلى توفير بعض الأغطية القماشية التي تستخدم للاحتياجات المختلفة للسبالة ضمن غرف النوم أو السبالة عموماً.
ويبدو أن غرف النوم وضعت في الدور الثاني، كما هو معمول به في بعض منازل المنطقة والتي تسمى (الروشن)(2).
أما غرف المعيشة فتكون في الدور الأول ويتوافر بها بعض أدوات المطبخ ذات الاحتياجات البسيطة، حيث تتوافر بها الأواني المنزلية المختلفة من القدور وأدوات الطعام والمنافع المتعلقة بها.
وقد احتوى المبنى القديم للسبالة على (الكمار) وهو عبارة عن مجموعة من الرفوف على هيئة صندوق بحيث يكون محفوراً بالحائط ويكون نصفه بارزاً والنصف الآخر داخل الجدار ويبني بمادة الطين والجص وتتجلى استخداماته في وضع بعض الأدوات ولا سيما أدوات القهوة كالحبوب من البن والهيل وغير ذلك بينما يوضع في الجزء السفلي من الكمار النجر أو النقيرة الخاصة بسحق الحبوب، حيث تكون تلكم الأدوات قريبة من مكان جلوس الضيوف، حيث كان بعض البيوت والمجمعات في الدرعية تتوافر فيها تلك المواد لاستقبال الضيوف أو الدارسين في مرحلتها التاريخية من تلك الحقبة.
ويشير الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ «ت1285ه « إلى توفير بعض المتطلبات للحياة العلمية المتبعة في زمن الدرعية قبل سقوطها ضمن رسالته للإمام فيصل بن تركي « 1282ه» وإشارته إلى مسجد ومجمع البجيري بقولة «... وأما حالهم، في بلدهم الدرعية، فبنوا مجمعاً حول مسجد البجيري، محله معروف إلى اليوم، يسع له قدر مائتي رجل، وجعلوا فيه رفاً للنساء، فإذا صلوا الصبح أقبلوا لهذا المجمع، وفيه معاميل (3) وقهوة وما نابها، مقيوم به من بيت المال..». (4)
أما تأثيث السبالة فيجري من المفروشات التقليدية من المطارح واللحاف وبعض القطع المعينة كالصناديق الخشبية التي تحفظ بها بعض الألبسة والعطور والمواد الثمينة أو الكتب المختلفة.
ويتم في السبالة توفير مكان للخدمات كالصهاريج والجصص للتخزين وغرف إطعام الدواب والحيوانات الخاصة بالساكنين في السبالة.(5)
وقد هيأ الترميم الأخير لمبنى السبالة مكان الخدمات، حيث يوجد في الجهة الغربية من المبنى ويتم الدخول إليها من الباب الرئيس في الجهة اليسرى.
ويتوافر في المبنى غرف خاصة لسكن الحارس أو المشرف عليها، حيث يحتمل أن يكون موضعها في الموقع الملاصق للبوابة بين السبالة ومبنى بيت المال من الجهة الشمالية بجوار برج حمام السبالة في الركن الشمالي الشرقي.(1)
ويستخدم سطح السبالة في أجواء الصيف، حيث يمكن للضيف المبيت به وترتفع جدران أسوار سطح السبالة غالبًا أعلى من قامة الرجل، بحيث لا يمكن كشف الجيران الآخرين.
ويمكن أن يكون سطح السبالة مقسما إلى أقسام إلا أن الدمار الذي لحق ببنائها الرئيس أدى إلى إخفاء بعض معالمها البنائية، حيث تظهر المسوحات الأثرية التي جرت للسبالة أنه قد لحقها دمار كبير وبالتالي، فإنها لم تسكن مرة أخرى ويظهر ذلك بعد دمار الدرعية وما جرى لها من الحوادث والتدمير عام 1233ه(2).
فقد رمى الغزاة عددا من المواقع المهمة وحاول السعوديون في الدرعية الدفاع عن مواقعهم ومقاومة الغزاة.(1) وأدت كثافة الرمي والمواجهة العنيفة من قبل عساكر العثمانيين باستخدام قبوسهم وقنابلهم ومدافعهم والرمي من رأس الجبل الواقع عند باب سمحان لحي الطريف إلى سقوط كثير من المباني بجوار هذا الحي التاريخي.(3)
وبعد سقوط الدرعية نهائيا في يوم الأربعاء 1233/11/7ه ومكوث إبراهيم باشا فيها مدة تقارب تسعة أشهر، صدرت إليه التعليمات في شعبان من عام 1234ه بهدم الدور والقصور والمساكن وقطع النخيل والأشجار والحدائق وإشعال النيران بها، ونتيجة لذلك تفرق أهلها عنها.(4)
جرى استحداث بعض الترميمات ومنها مبنى حديث أقيم على أنقاض مبنى السبالة؛ ليكون سكنا للسكان الجدد الذين استقروا في الحي، ونتيجة للسكن المستحدث، فقد أصبح الفناء القديم للسبالة موضعاً لمكب نفايات السكان الجدد قبيل منتصف القرن الرابع عشر الهجري من القرن الماضي، وقد تم إغلاق فتحات التهوية بين الجدار الفاصل بين المسجد والسبالة؛
فقبيل منتصف القرن الرابع عشر الهجري تم انتقال بعض الأسر إلى الدرعية في عهد الملك عبدالعزيز وقام من سكن في السبالة بسد تلك الفتحات لاحتياجه للسكن بجوار هذا المسجد وكون هذا الجدار الفاصل يقع بجوار درج المسجد ممتدا من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية أو العكس. (5)
بينما كانت قديماً مكشوفة على شكل مثلث صغير وعلى حالتها البنائية في الأصل وبعد إجراء عملية الترميم الأخيرة التي تم الانتهاء منها في عام 1439ه وضعت تلك الفتحات الداخلية وبأشكال مختلفة على امتداد هذا الجدار.
وقد أعيد نمط البناء بالشكل القديم نفسه وأصبحت تلك الفتحات واضحة الشكل مكشوفة البناء ضمن ترميم السبالة الأخير الذي جرى عام 1439ه.
وقد تعرضت السبالة عبر مراحلها التاريخية إلى تهدم بعض أجزائها مع المسجد إلا أنه استحدثت لها بعض الإصلاحات قبيل منتصف القرن الرابع عشر الهجري واستمر ذلك حتى مطلع القرن الخامس عشر الهجري، حيث تعرض السكان للخروج من المكان قبل عقد من الزمن فقد صدرت توجيهات بأمر سام كريم سنة 1393ه بالموافقة على مشروع إحياء وتطوير الدرعية (6) ثم صدر الأمر السامي رقم 6322 في 1396/3/9ه القاضي بالموافقة على تعويض الأهالي عن المباني فقط مع استثنائهم من تقديم صكوك الملكية المطلوبة عند صرف التعويضات ثم صدر الأمر السامي رقم : 9699. 1396/8/19ه بصرف النظر عن مطالبة أهالي الطريف بالدرعية بالوثائق؛ لأن المساكن ليست ملكاً لهم، حيث كان حي الطريف الأثري تعود ملكيته لآل سعود وبأن المباني التي وضعوا أيديهم عليها تابعة للقصور الأثرية لآل سعود حيث ذكر في القرار:
( ..إن جميع سكان حي الطريف وضعوا أيديهم على تلك المباني رغم أن ملكيتها تعود لآل سعود )(7).
البقايا الأثرية لمبنى سبالة موضي
شرعت الإدارة العامة الآثار والمتاحف قبيل عام 1408ه/1988م، بالبحث عن الآثار المتبقية في المسجد والسبالة، حيث وجد في المبنى بعض الآثار المختلفة والمتعلقة به مع بقائها على حالها القديمة كركن الجمار(1). في الركن الشمالي الشرقي من السبالة، كما عثر في مبنى السبالة على بعض الاحتياجات الاقتصادية لمن كان يسكنها ومنها مباخر معدنية ورخي حجرية دائرية الشكل تستخدم لطحن الحبوب. ومن المعثورات الأثرية أيضاً التي وجدت في السبالة إحدى المباخر المعدنية التي تستخدم لمساحيق الزينة والعطور والروائح الجميلة.
وقد عثر على تلك الملتقطات الأثرية مدفونة في باطن الأرض بالفناء الداخلي للسبالة (2) ويعتقد أن بعض تلك الاحتياجات الداخلية للسبالة مما أوقفته الأميرة موضي؛ لتوفير بعض الاحتياجات اليومية للساكنين فيه.
وقفية سبالة موضي وشروطها
وضعت وقفيه السبالة إما في حياة الموقفة لها أو على يد أبنائها وجرت العادة أن تكون الوقفية إما على يد الموقفة ما دامت على قيد الحياة ولها حرية التصرف في أصل الموقوف من تغيير الحاجيات وتبديل وعزل العاملين بها وزيادة أو نقص الإنفاق عليها والتصرف بمعرفتها أو أن تكون الوقفية بعد وفاتها حيث توضح الوثائق السابقة واللاحقة للدرعية قبل وبعد عام 1157ه شيئاً عن تلك الأعمال النبيلة التي هي في مضمونها تحث على أعمال الخير.
فقد أشارت بعض الكتب الفقهية إلى هذه الأوقاف في الدرعية قبل عام 1020ه وعام 1099ه . (3)
أما موضع هذه السبالة، فهي تقع ضمن حي الطريف الذي سمى بذلك، لكونه يقع في طرف الوادي ومنه اشتق مكان الحي والقصر، فطرف هذا الحي يحيط به وادي حنيفة شرقاً ومن الغرب شعيب صفار، ولذلك أصبح بينهما بارزاً (4) حيث يعد الطريف المقر السياسي لرجال الدولة السعودية الأولى وعاصمتها الدرعية، والذي يقع في طرفة المسجد من الناحية الشمالية وجوار الوادي شرقاً ويقع في أسفله من الناحية الشرقية السوق العامر وفية دكاكين البيع والشراء. (5)
قال ابن بشر: ( ثم دخلت السنة الثامنة عشرة بعد المائتين والألف -1218ه- وفي هذه السنة في العشر الأواخر من رجب قتل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية وهو ساجد في أثناء صلاة العصر) (6). وذكر الرحالة بوركهارت (ت 1232ه) أن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود هو الذي بنى هذا القصر الكبير(الطريف) وذلك في معرض حديثه عن الإمام سعود بن عبدالعزيز فقال: (يقيم مع كل أفراد عائلته في قصر كبير بناه والده عند منحدر جبلي في مدينة الدرعية) (7).
وقف سبالة موضي وإسهامه في أوجه الصرف في مجتمع الدرعية
شكل الوقف وخدماته أثراً بارزاً في شتى المجتمعات البشرية؛ لتتواءم مع حاجات الزمان والمكان.
تنوعت الأوقاف وزاد عمقها وتأصيلها بحيث شكلت ظاهرة اجتماعية اقتصادية متوائمة في المجتمع المسلم كونها تقوم على ركائز أساسية وثوابت راسخة، كما شكلت منظومة إنسانية في الترابط والتفاهم وسادت العلاقة بين أفراد المجتمع بالحب وحظيت المرأة من مختلف الطبقات الاجتماعية بمكانه رفيعة وقدر كبير من الود، واستمر ذلك على مر العصور التاريخية بوافر من التكريم وما حالها في الدرعية إلا امتداد لما كانت عليه في العصور الإسلامية السابقة.
والوقف في مضمونه يهدف إلى تقوية الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع وشملت أثاره جوانب مختلفة من أوجه الحياة العلمية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، كما أن تلك الآثار الوقفية استمرت في تنمية المجتمع ورفده عبر العصور المختلفة.
ويمكن استجلاء عدد من الجوانب المضيئة والإنسانية النبيلة من خلال ما تقدمه الوثائق الخاصة بالوصايا أو الأوقاف أو الحجج أو الشهادات على المشروعات، والإسهامات الخيرة للمرأة في الحياة العامة، وتبيان مدى تأثيرها وفاعليتها في ذلك العصر من بذل الخير وعمق الدوافع الدينية في ذلك، ولهذا فمكانة المرأة في المجتمع ذات أثر مهم في بنائه وتنميته.
وقد ورد في عدد من الوثائق أمثله عديدة لإطلاق صفات التقدير والاحترام والإجلال على المرأة من مجتمعها وذلك من خلال بعض ما يدون ويكتب وذكر ألقاب التبجيل عليها كقولهم: الفاضلة، الحرة، المصونة، وغير ذلك .(1)
يبذل القائمون على الأوقاف والسبل الخيرية إلى ضمان استمرار تلك الأعمال؛ لتؤدي رسالتها على أكمل وجه وتوفير الرعاية والتشجيع للنازلين في هذه السبالة، ومن المحتمل أن من الإجراءات المعمول بها عند طلب سكنى هذه السبالة أن يكون هناك قيم أو مكلف يقوم بتسجيل وتدوين أسماء النزلاء أو أعدادهم ضمن قوائم كشفيه، ومرد ذلك تقديم وتوفير ما يحتاجونه من مصاريف يومية، ولعل سبالة الأميرة موضي كان بها شيء مدون في ذلك، إلا أن الإشارات التاريخية قليلة جداً عن ذلك ولعل من أسبابها فقد تراث الدرعية بعض تدميرها عام 1233ه.
*مؤرخ في تاريخ المملكة العربية السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.