برز اهتمام الدولة بخدمات الحجاج منذ إعلان تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وتحويلها من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، ومع ذلك الإعلان والتحول، بدأت الخطوات العملية تجاه خدمات الحجاج، فكانت البداية الأولى متمثلة في توفير الأمن والأمان على الطرق التي يسلكها الحجاج، ومعها جاءت خطوات تطوير الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، خطوة تلو خطوة، بدأ من خدمات الحجاج في الحرمين الشريفين، مرورا بخدماتهم في المشاعر المقدسة، ومن بين الخدمات التي عملت الدولة السعودية على تطويرها في المشاعر المقدسة خدمات المجازر بهدف تمكين الحجاج من تقديم الهدي والأضاحي بشكل جيد. اهتمام المملكة بالهدي والأضاحي وتحدث مستشار خدمات الحج والعمرة أحمد صالح حلبي، عن الدور الذي قامت به الدولة لخدمة الحجاج في هذه الشعيرة، وقال: "انطلاقا من حرص قيادة المملكة على توفير أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، والاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين بمكةالمكرمة ودول العالم الإسلامي، وبعد صدور فتوى هيئة كبار العلماء في عام 1980، للإفادة من لحوم الهدي والاضاحي بأي وسيلة شرعية، تم العمل على إعداد وتنفيذ مشروع بناء المجزرة الحديثة بالمعيصم التي تكونت من عدة أقسام منها حظائر للأغنام وتقدر مساحتها الإجمالية بنحو ألف متر مربع، مقسمة على أربعة مبان، اثنان تشغلهما الحظائر الرئيسة ومساحتها 18 ألف متر مربع، واثنان تشغلهما الحظائر الاحتياطية بمساحة 15 ألف متر مربع، وجميع الحظائر مسقوفة ومجهزة بمياه الشرب للمواشي والإنارة ويتخللها ممرات لسهولة التنقل وتستوعب أكثر من 120 ألف رأس غنم". وتابع: "مبنى الذبح تبلغ مساحته 5 آلاف متر مربع، وهو قسمان: الأول مخصص للحجاج الذين يرغبون في ذبح الأضاحي بأنفسهم، والثاني للجزارين المحترفين الذين يقومون بعملية الذبح بتكليف من الحاج، وقد تم تزويد مراكز الذبح بأقنية مغطاة بشبك تستخدم للتنظيف، كما أن الجزء المخصص للجزارين مزود بمعدات ميكانيكية للذبح وقطع الرؤوس والأطراف، إضافة إلى مبنى السلخ ويقع على مساحة 8.7 آلاف متر مربع ويعمل بمعدل 8 آلاف أضحية في الساعة، ويستوعب 5 آلاف جزار، وهو مجهز بالإنارة والتكييف لتأمين راحة الجزارين وعدم فساد اللحوم أثناء عملية السلخ، كما يضم المبنى ست ثلاجات بمساحة 576م2 للثلاجة الواحدة، مع مجموعة مباني الخدمات وتضم سكن الجزارين بطاقة ألف شخص، مبنى سكن الإداريين، مبنى الإدارة والإشراف، مبنى التشغيل ومجموعات دورات المياه، مبنى المعدات الميكانيكية والكهربائية، مجمع خزانات الوقود، ومحرقتان لحرق الفضلات والنفايات بقدرة 8 أطنان في الساعة للمحرقة الواحدة، وثلاجة إضافية تستوعب 100 ألف رأس أضحية، ومبنى للاستفادة من المعاليق والنخاعات حيث يتم استخراجها وتنظيفها وتخزينها، كما تم تجهيز المجزرة بخزانات مياه سعة 6 آلاف متر مكعب، ومحطة كهرباء بقدرة 12 ألف كيلو فولت أمبير، وتمديدات شبكات المياه، الصرف الصحي، الكهرباء، البخار لتوليد الماء الساخن للتنظيف، ومجزرة الأبقار والجمال بوادي النار، وتبلغ طاقتها من الأبقار والجمال 5 آلاف بقرة ومثلها من الجمال خلال مدة الذبح الشرعية في موسم الحج، وتتكون من مجزرتين إحداهما للأبقار والأخرى للجمال، وكل منهما مجهزة بحظيرة مظللة لوقاية الأنعام من الشمس، وبخطين من خطوط الذبح، كل خط مجهز بالآلات والمعدات اللازمة لإتمام الذبح، السلخ، التقطيع، والتجهيز ثم النقل إلى السيارات المبردة المعدة لنقلها إلى جهات التوزيع، بالإضافة إلى تجهيز المشروع بمساكن للعمال والجزارين والإداريين ومطبخ ومطعم وجميعها مكيفة بالهواء، وقد بلغت تكلفة المشروع 13 مليون ريال". إنشاء "أضاحي" عام 1983م وأوضح حلبي أن مشروع المملكة للإفادة من لحوم الهدي والاضاحي (أضاحي)، هو مشروع خيري غير ربحي، أنشئ في العام 1983م، لأداء نسك الهدي والفدية والأضاحي وكذلك الصدقة والعقيقة والوصية نيابة عن الراغبين من المسلمين، وتوزيع لحومها على فقراء الحرم ونقل الفائض إلى المستحقين في 25 دولة عربية وإسلامية، ويتولى البنك الإسلامي للتنمية مهمة تنفيذ وإدارة المشروع. ويستهدف المشروع تيسير وتسهيل أداء نسك الهدي والفدية والأضحية والصدقة عن حجيج بيت الله الحرام، والتأكد من توفر الأنعام التي تستوفي جميع الشروط الشرعية والصحية، والحفاظ على بيئة المشاعر المقدسة وسلامتها من عمليات الذبح العشوائي، وتوزيع اللحوم على الفقراء والمستحقين، والإفادة من المخلفات وتوزيع عائدها على فقراء الحرم. ويتمكن الحاج من إتمام خدمة شراء الهدي والأضحية بيسر وسهولة، وذلك من خلال بعثات الحج لدولته أو مكاتب شؤون الحجاج التابع له، أو من خلال التقديم عبر أنظمة إلكترونية تتمثل في قنوات متعددة من خلال الموقع الإلكتروني أو تطبيقات الهواتف الذكية، بطريقة مبسطة تخاطب الحجاج بلغات مختلفة، حيث يقوم الحاج باختيار نوع النسك (هدي، أضحية، فدية، صدقة، عقيقة)، وتحديده لوقت الذبح، ووقت ومكان تسليم الهدي له، أو طلبه بتوزيعها على فقراء المسلمين، ومن ثم تتم عملية الشراء آليا، لتصله لاحقا رسائل معلومات عبر البريد الإلكتروني ورسائل الجوال القصيرة، تحمل تحديثات عن حالة الأضحية، منذ الشراء والذبح والنقل والتوصيل والتوزيع على المستحقين، كما يوصل المشروع كمية من اللحوم لمخيمات الحجاج أثناء الموسم، بالإضافة إلى تمكين فرق من بعثات الحجاج من مشاهده نسكهم أثناء التنفيذ. وقال حلبي: "لتنفيذ خدمات المشروع بشكل جيد، تم إنشاء 8 مجازر نموذجية في المشاعر المقدسة، تعمل بنظام آلي متكامل للسلخ والتقطيع والنقل والتنظيف والحفظ والتوزيع، والاستفادة القصوى من نواتج الهدي والأضاحي بجميع مكوناتها في صناعات تحويلية مناسبة، بجانب الاستفادة من التقنية الحديثة لتجفيف وتعليب اللحوم، باستخدام أفضل الممارسات الحديثة لإبقاء اللحوم بصلاحيتها لفترة لا تقل عن 12 شهراً من دون تبريد، فيما تصل طاقتها الإنتاجية الإجمالية إلى أكثر من 1.2 مليون رأس من الأغنام والأبقار، يتم ذبحها خلال 84 ساعة، وتم استحداث الرابط الآلي لتسويق وبيع خدمات المشروع عبر نظام المسار الإلكتروني للحاج والمعتمر التابع لوزارة الحج والعمرة، كما توفر منظومة العمل تقارير مراقبة ومتابعة تنفيذ النسك، على مدار الساعة". سبعة وزارات تشرف على المشروع وبين حلبي أن الإشراف على أعمال لجنة الإفادة من الهدي والأضاحي يتم من خلال 7 وزارات هي الشؤون البلدية والقروية، والداخلية، والمالية، والعدل، والشؤون الإسلامية، والحج والعمرة، والبيئة والمياه والزراعة، ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، والبنك الإسلامي للتنمية، ويتم توزيع اللحوم في المشروع على مستحقيها من فقراء الحرم، ونقل ما يفيض منها إلى فقراء 25 دولة عربية ومسلمة ضمن القارة الآسيوية والأفريقية، براً وبحراً وجواً. وأوضح حلبي أنه في عام 1998م صدر أمر ملكي باعتبار مشروع المملكة العربية السعودية للإفادة من الهدي والأضاحي الجهة الوحيدة المصرح لها رسميا بخصوص الوكالة عن الحاج في بيع وإصدار وأداء نسك النحر، ويشمل الأمر قصر إصدار سندات الهدي والاضاحي وبيعها وتسويقها بكافة أنواعها (هدي تمتع وقران وفدية وصدقة) على المشروع بناء على فتوى شرعية بإقرار وإجازة التوكيل في أداء النسك للمشروع حصرا لأنها خاضعة للإشراف الحكومي الذي يضمن سلامة التطبيق الصحيح وفق الشروط الشرعية والصحية المطلوبة. وأضاف: "من أهم المعايير التي يقوم عليها المشروع العمل على توفير الشروط الشرعية والصحية في الأنعام واحترام رغبة الحاج أو المعتمر والتقيد في موعد الذبح تبعا لنوعية النسك أن كانت هديا أو أضحية حيث يتم الذبح كنوع من أنواع النسك في المدة الشرعية الواجبة لأدائها في هاتين الحالتين، وإن كانت فدية أو صدقة أو عقيقة، فيتم الذبح على مدار العام فليس هناك وقت محدد لأدائها، وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله أمره بإنشاء مجازر ذات تقنية حديثة لمشروع المملكة للإفادة من الهدي والأضاحي من خلال استبدال المجازر القديمة بأخرى حديثة، تتلاءم مع التوسعات الجارية بالمشاعر المقدسة وتواكب أعداد الحجاج المتزايدة وتكون مجهزة بنظام آلي متكامل، مع تحقيق كفاءة وجودة في معالجة النفايات العضوية الصلبة الناتجة من المسالخ، بجانب استخدام الطاقة المتجددة، ومرافق معالجة مياه الصرف، ومعالجة الجلود، وغيرها من المراحل التي يتطلبها المشروع". وتابع: "تم توقيع عقد تطوير المشروع ليضم مصانع للذبح والسلخ والتقطيع ومجمع مركزي لتجميد اللحوم، إضافة إلى أربعة مصانع أخرى لتعليب اللحوم، والاستفادة من المخلفات، وإنتاج أدوات الحفظ والتغليف، والجلود، ومحطة تنقية وتكرير المياه، ومحطة للطاقة البديلة، ونظرا لوباء كورونا الذي انتشر في العالم، وضع المشروع خطة لاستقبال الطلبات على الهدي والأضاحي عبر المنصّة الإلكترونية للمشروع من جميع أنحاء العالم التي سهلت عملية شراء الأضحية، وبقية الأنواع الأخرى، والسداد من الحساب البنكي أو البطاقات الائتمانية. الكشف مخبرياً على الأضاحي وتشمل خطة المشروع الكشف على الأنعام ظاهرياً ومخبرياً من قبل المختصين في وزارة البيئة والمياه والزراعة في ميناء جدة قبل نقلها إلى المجازر الرئيسة بمكةالمكرمة ليتم مجدّداً استكمال مراحل الكشف الشّرعي، والفحص البيطري على أجزاء الذبيحة أثناء عمليات التّشغيل، كما تم إخضاع كافة أنعام النّسك للفحص البيطري في المحاجر البيطريّة في بلدان الاستيراد قبل نقلها الى ميناء جدة الإسلامي. وتخزن اللحوم في ثلاجات عملاقة وفرتها حكومة المملكة تزيد سعتها عن مليون ذبيحة في تغليف صحي وآمن، وتمر الذبائح بمراحل متعددة تتضمن الكشف الصحي لضمان سلامة اللحوم التي تصل للمستفيدين، وقد بلغ إجمالي ما تم توزيعه للمستحقين منذ إنشاء المشروع أكثر من 22 مليون ذبيحة تم توزيعها في أنحاء العالم، كما تم بناء شراكات مع مصرف الراجحي ومنصة إحسان والبريد السعودي وبنك البلاد، وذلك للتسهيل على الحجاج والمستفيدين في أنحاء العالم من الاستفادة من الخدمات التي يقدمها المشروع.