ضبط مخالفًا لنظام البيئة لاستخدامه حطبًا محليًا في أنشطة تجارية بمنطقة عسير    عبث خطير    نادي الحريق يتصدر تايكوندو المملكة ب87 منافساً    تحديات تهدد المشاريع الناشئة في المملكة    توقعات بخفض الفائدة وسط تصاعد الحرب التجارية    ورشة عمل لخدمة أشجار الفل والنباتات العطرية في محافظة أبو عريش    الصين ترفع الاستجابة الطارئة في مواجهة الفيضانات في قانسو وتشينغهاي    حل الدولتين: الرياض في قلب المعادلة    قروض القطاع الخاص تتجاوز 3 تريليونات ريال    الفيحاء يخسر أمام أم صلال القطري برباعية في أولى ودياته    فريق "Yangon Galacticos" يضع ميانمار في صدارة المشهد الدولي للعبة PUBG Mobile..    الشباب والرياضة.. مجتمع الصحة    النصر غير!    فريق قوة عطاء التطوعي يشارك في مبادرة "اليوم العالمي للرضاعة الطبيعية"    آل الصميلي يحتفلون بزواج الشاب محمد عبدالرحمن صميلي    بيوت خبرة لإصدار شهادات سلامة لألعاب الملاهي    «الوطني للوثائق والمحفوظات» يُبرز دوره في «كتاب المدينة»    تأثير الأمل في مسار الحياة    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    تعاون سعودي عراقي في مجالات القضاء    "الشرق الأوسط للرعاية الصحية" تعلن عن نمو قوي في الإيرادات وصافي الربح    طرح تذاكر مهرجان الرياض للكوميديا    توزيع 345 حقيبة إيوائية للنازحين في درعا    اعتقال شخصين بتهمة قتل طالب سعودي في بريطانيا    قربان: المعيار المهني للجوالين يعزز ريادة المملكة في حماية البيئة    مجمع إرادة بالدمام ينفذ مبادرة سقيا كرام    أمير منطقة جازان ونائبه يزوران عضو مجلس الشورى المدخلي    3 جوائز دولية للمنتخب السعودي في أولمبياد المعلوماتية 2025    النصر يخسر وديًا أمام استريلا دا أمادورا البرتغالي    بقيادة المدرب الجديد.. الأنوار يبدأ الاستعداد لدوري يلو    وفد من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان يزور مؤسسة رعاية الفتيات بالرياض    فيصل بن مشعل يُكرّم المتميزين من منسوبي شرطة القصيم    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ممثلاً بإدارة المساجد في الريث يتابع أعمال الصيانة والتشغيل في الجوامع والمساجد    أوبك+: زيادة الإنتاج بمقدار 547 ألف برميل يوميا في سبتمبر 2025م    القبض على (7) مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم (200) كيلوجرامٍ من "القات"    السعودية تدين استفزازات الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى    الاتحاد يخسر مباراته الودية أمام "بورتيمونينسي"البرتغالي    فسح وتصنيف 90 محتوى سينمائياً خلال أسبوع    مدير متحف يسرق آثاراً على مدار 17 عاماً    دشنها أمير المنطقة مشيداً بدعم القيادة.. مصانع جاهزة ومبتكرة للمستثمرين ورواد الأعمال في الشرقية    وسط تفاقم الأزمة الإنسانية.. الاحتلال يتوعد بمواصلة الحرب في غزة    أعلن تفكيك شركات مرتبطة بالجماعة.. الأردن يشدد الإجراءات ضد الإخوان    التشديد على وضع العبارات التحذيرية بشكل واضح.. مشروبات الطاقة.. لائحة جديدة لضبط المواصفات والمعايير    الفخر بقيادتنا    البكيرية.. مشروعات نوعية وتنمية شاملة    إنجازات بين التأطير المضلل والإغراق    إعادة تشكيل الوعي بين الثقافة والتقنية    دواء ل"ألزهايمر" يستهدف مراحل المرض المبكرة    أرى من أنبوب.. رواية توثق تجربة بصرية نادرة    أوقفوا نزيف الشاحنات    Photoshop بذكاء اصطناعي متطور    المولودون صيفًا أكثر اكتئابًا    أطعمة تحسن نومك وأخرى تفسده    إمام المسجد النبوي: الدنيا سريعة فاستغلوها بالأعمال الصالحة    خطيب المسجد الحرام: التقنية نِعمة عظيمة إذا وُجهت للخير    محافظ الدرعية يجتمع مع مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدخل إلى السيرة الذاتية.. تجليات الذَّات وتحولات السَّرد (2/2)
نشر في الرياض يوم 16 - 09 - 2022

إذا كان الأمر هكذا، فإننا سنجد أن التطور الذي عرفته الكتابات الذاتية عبر الزمن، بالإضافة إلى التلاقح الحضاري بين الغرب والعرب قد أتاحا حضورا وازنا لنوع «السيرة الذاتية» في الساحة الأدبية العربية؛ بحث سنختار منها في سياق تحليلنا هذا نماذج مخصوصة:
أيام طه حسين نموذجًا للسيرة الذاتية المشرقية:
معلوم أن كاتب السيرة الذاتية يقطع مسار الزمن عكسا؛ فينطلق من حاضر التدوين ليبلغ ماضي التجربة. كذلك كتب طه حسين سيرته الذاتية الأيام في ثلاثة أجزاء، صَوَّر من خلالها مختلف مراحل حياته السابقة على تاريخ تأليفها.
تبرز ذات طه حسين من خلال سيرته باعتباره نموذجا للإنسان المشرقي الريفي الذي تدرج في مسالك الحياة والعلم بشقيه: التقليدي الأزهري، والحديث الجامعي. عانت هذه الذات من تمزق داخلي نتيجة فقدانها لنعمة الإبصار في سن مبكرة، إلا أنها لم تستسلم لعاهتها أو تستكن لها، بل إنها ثابرت وجاهدت حتى تتغلب عليها؛ فتفوقت الذات على نفسها.
غير أن إشكالا مهما يطرح هنا؛ وهو ما مدى مصداقية ما يكتبه الشخص عن نفسه، وعن مختلف مراحل حياته في «السيرة الذاتية»؟ كل كاتب يتوجه إلى قرّائه زاعما أنه يكتب الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة (وقد كانت هذه العبارة هي ذاتها – تقريبا – تلك التي صدّر بها جون جاك روسو اعترافاته Les Confessions). في هذا السياق، يتحدث طه حسين بدقة عن تفاصيل طفولته المبكرة؛ عن وجبات كان يتناولها، عن تفاصيل حياتية يومية؛ فهل كل هذا صادق؟ هل كل ما يورده الكاتب حقيقي، أو هي وقائع مشوبة ببعض الخيال الذي يملأ فجوات الذاكرة؟ من المستحيل أن يتذكر الفرد العادي كل ما عاشه في حياته منذ بداية تشكل وعيه، إلا أننا نجد معطيات تجعلنا نتساءل عن مدى مصداقية ما نقرأ، سيما أن هناك ميثاقا بين الكاتب والقارئ من خلال التحديد الأجناسي «سيرة ذاتية»، وما يقتضيه هذا التحديد من قيود.
قد نجد تبريرا لطه حسين في رغبته أن يقدم نفسه للقارئ بوصفه نموذجا يُقتذى به؛ كذات عصامية قاست ويلات الحياة، وعانت في دراستها، وجابهت البيروقراطية، والإعاقة، وصعوبات تُعَدُّ ولا تحصى. لذلك فالعنصر الذاتي في الأيام يُقَدَّم باعتباره حلبة لصراع الأقدار والرغبات الإنسانية، أو كقارب تتقاذفه أمواج الحياة وتتلاعب به. ذات تحاول تحقيق نفسها رغم العراقيل؛ ولقد نجحت في ذلك.
الخبز الحافي نموذجا للسيرة الذاتية المغربية:
عرفت «السيرة الذاتية» المغربية إنتاجا متنوعا، طرح بحدة إشكال التجنيس، وكذا موقع الذات ضمن ما تسرده. ومن أهم نماذج «السيرة الذاتية» في هذا السياق: الخبز الحافي لمحمد شكري.
يشير العقد الأوتوبيوغرافي L'Acte Autobiographique (والمصطلح ل فيليب لوجون) الذي عقده الكاتب ضمنيا بينه وبين القارئ من خلال عتبة التحديد الأجناسي (سيرة ذاتية روائية)، إلى اشتغال محمد شكري من خلال تنويع دقيق من أنواع «السيرة الذاتية»؛ ذلك أن جورج ماي قد ميَّز في كتابه السيرة الذاتية بين «السيرة الذاتية الروائية»، و»رواية السيرة الذاتية»؛ بحيث اعتبر الأولى أقرب إلى منطق «السيرة الذاتية»، بينما تقترب الثانية من منطق الرواية.
يعيش البطل/ الذات في الخبز الحافي على الهامش. ذات هي ضحية من ضحايا الواقع المرّ الذي لا يرحم لعائلة فقيرة لا تمتلك حظا من التحضر أو الوعي. إذ كيف يمكن لطفل أن يشب ويكبر سليما سويا وهو يسمع والده ينعت أمه بأقذع النعوت، ويضربها ضربا مبرحا أثناء ممارسته للجنس عليها؟ كيف يمكن لذات نمت وترعرعت في الشارع وسط بائعات الهوى وفي الحانات أن تكون منسجمة مع ذاتها؟ تبدو الذات في الخبز الحافي مسحوقة أمام جبروت الواقع، وسلبية أمام إغراءاته وملذاته المحرمة. وتبقى نظرة الذات/ البطل للآخرين – وخاصة لأقربائها وأصدقائها – محكومة بالظروف التي عاشتها، والتربية التي تلقتها...
ومن ثمة، فما يتم عرضه في السيرة الذاتية يكون مُغلَّفا برؤية الكاتب الشخصية، وبمختلف الخلاصات التي خلص إليها من خلال تجاربه الحياتية.
تُشكِّل الذات –إذن- محورا أساسيا في كل سيرة ذاتية، تبرز على المستوى الشكلي من خلال ضمير المتكلم (الذي قد يكون إما مُعترِفا، أو شاهدا على العصر، أو غيرهما)، وعلى المستوى الدلالي من خلال تطابق كل من المؤلِّف والشخصية (المؤلِّف = الشخصية)؛ الشيء الذي يسمح بإشاعة جو من الذاتية وإضفاء طابع من الشخصية على الأحداث التي تصوِّر مختلف مراحل حياة صاحب السيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.