ثمة سؤال يتردّد صداه في أحاديث الأهل والأصدقاء يدور حول شهر رمضان واختياره موسمًا للأعمال الدرامية، كيف كان ذلك ولماذا شهر رمضان تحديدًا، على الرغم من أن وقته محدود جداً وجلّه يمر في لحظات روحانية بعيدة عن الفن وما يقدمه من ترفيهٍ «جريء» أحياناً على مستوى الأخلاق، قد يتعارض مع روحانية الشهر وقداسته عند كثير من شرائح المجتمع المسلم.. والحقيقة أنني لا أرى في ازدحام هذا الكم الهائل من الدراما التلفزيونية في رمضان إلا امتدادًا تاريخيًّا لذلك الحكواتي الذي قدمه لنا التاريخ كأحد المظاهر الرمضانية في كثير من البلدان العربية المستوطنة قبل زمن المرئي، فالصورة التي يقدمها لنا التاريخ قبل ما يقارب مئة عام لذلك الحكواتي الذي يستعين به العامة على قضاء ليل رمضان المرتبط بالسهر كطقسٍ تلقائي في كل العصور والأزمنة، هي ذاتها التي يقدمها لنا الفضاء المرئي عبر قنواته التي تتنافس بشراسة على العرض الأول لأعمالها الدرامية في رمضان، جامعةً فيها الحكاية بكل أطرافها التاريخية والواقعية والافتراضية، ومشكّلةً من رمضان موسمًا فنيًّا يكاد في مجمله يستحوذ على بقية شهور العام، بل إن كل شهور السنة تنشغل بالعمل له...! ومن المعروف أن بعض التلفزيونات العربية الرسمية كانت إلى زمن قريب تقدم ضمن مادتها الدرامية مسلسلاً أو أكثر يحمل طابع الحكاية بكل خرافاتها كما هو الحال في التلفزيون المصري، الذي كان يقدم إلى عهد قريب مسلسلاً بعنوان (ألف ليلة وليلة) وفيه حكايا شهرزاد وشهريار وأساطير الجن، وهي ذاتها -وأعني حكايا شهرزاد وشهريار- واحدة من أهم المواد التي يعتمد عليها حكواتية الأزمنة القديمة في لياليهم الرمضانية، إضافةً إلى الحكايا الخرافية يحضر التاريخ ونبش المسكوت عنه فيه كما هو الحال في المسلسل التلفزيوني ( فتح الأندلس)، والطريف في الأمر أن الحكاية بكل ما فيها من أبعاد ثقافية بإمكانها أن تملأ كل أشكال السمر والسهر الشهي، وهذا ما تنبّهت له كثير من قنواتنا الفضائية في هذا العصر لا سيما تلك التي قامت ووجدت كقناة غنائية طوال العام باستثناء شهر رمضان الذي غابت فيه الأغنية حفاظًا على قدسية هذا الشهر وروحانيته وانصراف الناس فيه عن الغناء لشبهة التحريم، وحلّت محلها الحكاية محمّلة بكل أشكال السمر بدءاً بمقدمات مسلسلاتها الغنائية، وانتهاء بمادتها التي قد تحمل سيرة بعض أقطاب الفن في وطننا العربي، وهو احتيالٌ لا يخلو من الذكاء يتّسق مع ما يطلبه المجتمع المسلم ويتماهى كذلك مع العمق التاريخي للطقوس الرمضانية القديمة، ويحفظ للقناة جمهورها ومتابعيها.