الإيمان بوجود ربح أو خسارة بمفهومهما المطلق يجر خلفه الكثير من التأثيرات السلبية على حياة الإنسان. ما نطلق عليه ربحاً وفوزاً أو خسارة يجب أن يكون محصوراً بمفاهيم محدودة وواضحة الأبعاد. بالغالب يصعب على المرء تقبل هذه الحدود إذا نجح بمعرفتها خاصة بعد وقوع الحدث مباشرة. كونه عاش ومازال يعيش في ظل شبكة معقدة من المشاعر كالتي تبدأ بالرغبة والحاجة ثم تتحول لنشوة ورضا أو إلى إحباط وحزن. أو تلك المشاعر الناتجة عن فقد مكتسب كان يعتقد أنه حق لا ينتزع. هناك أيضًا عامل مهم يحد من قدرتنا على تحديد الأبعاد الحقيقية لما نعتبره ربحاً أو خسارة وهو صعوبة تأصيلنا للأمر والنظر فيه بعمق. لا أعلم إن كانت هناك مفردات لغوية يمكنها فض هذا الاشتباك بحيث تكون مرادفة لكلمتي الربح والخسارة، شخصيًا وإن كنت لست خبيرًا لغويًا أفضل الاستعانة بمفردتي الكسب والفقد. فكل ما نربحه هو إضافة مكتسبة فقدها يعيدنا عمليًا إلى حالة ما قبل الربح الكسب والتي حينها لم نكن نشعر بنشوة الكسب ولا بمرارة الفقد. يكون الأمر أقل وطأةً إذا ما حدثت ما نعتبرها خسارة نتيجة عدم تحقق رغبة أو حاجة في الكسب، نظريًا تكون هنا العودة لحالة ما قبل نشأة الرغبة أيسر. خسارة الإنسان لشيء كان يمتلكه أو شخص عزيز عليه أو حتى أحد أعضائه كلها تندرج تحت مفهوم "فقد المكتسب" والنتيجة هي عودته إلى مرحلة أو حالة ما قبل الاكتساب فمهما عظم حجم الفقد أو طال أمد المكتسب فليس هناك كسب مطلق في هذه الحياة وكل مكتسب هو محدود بأمد طال هذا الأمد أم قصر. ولكن ما يعقد تقبل الفقد والعودة لمرحلة ما قبل الاكتساب هو تكون تلك الشبكة المعقدة من المشاعر حول المكتسب والتي تزيد من تعقيداتها مع مرور الوقت خاصة إذا ما اعتقد المرء ديمومتها. قد تساهم محاولات النظر في الأمور بتجرد وتأصيل مع إيماننا بمحدودية أمد كل مكتسب في الحد من الانعكاسات السلبية لحالات الفقد على حياة الإنسان. بالمقابل ربما تساعد هذه الإستراتيجية على التعايش مع المكتسبات بطريقة أكثر واقعيةً وتناسقاً مع الحجم الحقيقي للمكتسب والمساهمة في رفع سقف الرغبات والطموحات وبالتالي المكتسبات إذا ما نجحنا في تطبيقها على أكبر عدد ممكن من مكتسباتنا سواء كانت معنوية أو مادية، فردية أو جماعية.