شهدت تداولات السلع العالمية ارتفاعاً ملحوظاً للأسبوع الثالث على التوالي، وحققت الطاقة والمعادن مكاسب واسعة لتعويض مكامن الضعف في قطاع الزراعة، وبالنتيجة واصل مؤشر بلومبرغ للسلع الفوريّة - والذي يتتبّع أداء العقود الآجلة للسلع الأساسية خلال الشهر القريب - تداولاته بالقرب من أعلى مستوياته في عشر سنوات. ويرى أولي هانسن -رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك- أن ارتفاع معدلات التضخم محطّ تركيزٍ أساسي استند نوعاً ما إلى ارتفاع تكاليف المدخلات الناجم عن ارتفاع أسعار السلع، ووصل معدّل تضخّم الأسعار على باب المصنع في الصين إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008، حيث عرضت السلطات إطلاق احتياطيات الدولة من المعادن الصناعية في إطار جهودها المستمرّة لتهدئة أسعار السلع الأساسية والحد من التضخّم، وفي أسرع وتيرة لها منذ عام 2008، ارتفعت أسعار الاستهلاك في الولاياتالمتحدة الأميركية بنسبة 5 % على أساس سنوي، ووصلت معدلات التضخم الأساسي إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1992. ومع ذلك، لم تؤثر هذه التطورات على أداء المستثمرين في أسواق السندات، وانخفضت عائدات سندات الخزانة إلى مستويات متدنية جديدة خلال الدورة. واستند هذا التوجّه إلى مزيج من موافقة السوق حالياً على وجهة نظر بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي تقول إن التضخّم المرتفع سيغيّر مساره نحو الهبوط قريباً، وستتدفق السيولة بالدولار الأميركي إلى السوق، فيما تواصل الخزينة الأميركية تخفيض حساباتها تحت 500 مليار دولار أميركي بحلول 1 أغسطس من أعلى مستوياتها في عام 2020 عند نحو 1,800 مليار دولار أميركي. ولعب مزيج العائدات المنخفضة وضعف الدولار دوراً في تعزيز الرغبة بالمخاطرة في جميع الأسواق، ومن بينها السلع. وأظهرت أسعار الغاز في المركز الهولندي تي تي إف وبورصة المناخ الأوروبية لائتمانات الكربون أكبر ارتفاع لها خلال الأسبوع، وهما من عقود السلع الأساسية الآجلة التي يتم تداولها في أوروبا وجهات من غير الأعضاء في مؤشر السلع المذكور، وفي المركز الهولندي، الذي يعتبر المعيار الأوروبي، وصلت عقود الغاز خلال الشهر القريب إلى أعلى مستوياتها في خمسة شهور بفعل مزيج من نقص العرض الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة فوق المتوسط، والانخفاض المؤقت في التدفقات من النرويج وروسيا، وليس أقلها تجدد ارتفاع ائتمانات الكربون في الاتحاد الأوروبي بما يسمح بارتفاع الأسعار فوق 53 يوروا للطن. وفي العام الماضي، ولا سيما منذ نوفمبر، ارتفعت عقود ICE EUA الآجلة - التي تمثّل طنا من انبعاثات الكربون - بقوّة لتصل تداولاتها إلى 40 يوروا أو 300 % فوق السعر المتوسط للسنوات الخمس الماضية، وتم الإعلان عن أول لقاح في نوفمبر ما أشار إلى مسار واضح نحو تعافٍ عالمي، إلى جانب انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية وتقديمه لسياسات أكثر مراعاة للبيئة. وتصدرت عقود خام الحديد الآجلة والمتداولة في سنغافورة العناوين الأسبوع الماضي، وارتفعت بقوّة لتواصل انتعاشها من التراجع بنسبة 27 % الذي شهدته الشهر الماضي عندما قامت الصين بأول محاولاتها غير المجدية حتى الآن للحد من ارتفاع أسعار السلع. وفي تحدّ للحكومة حافظت شركات تصنيع الصلب الصينية على قوة طلبها، فيما تترقّب السوق العراقيل التي يحتمل أن يواجهها العرض في البرازيل. وشهدت أسواق الحبوب تداولات مختلطة، ولكنها أقل بشكل عام في الأسبوع الذي يلي إصدار تقرير وزارة الزراعة الأميركية الشهري حول تقديرات العرض والطلب الزراعي في العالم، وتتجه الذرة نحو تحقيق مكاسب أسبوعية ثانية بعد أن ثبّت التقرير انخفاض الإمدادات إلى ما دون التوقعات نظراً لقوة الطلب من قطاعي التصدير وإنتاج الإيثانول، وتتوقع نماذج الطقس مزيداً من الجفاف في إحدى مناطق الإنتاج الرئيسة في الولاياتالمتحدة الأميركية. وشهدت تداولات القمح ثباتاً خلال الأسبوع بعد انتعاشها من التصحيح الأخير، وسط مخاوف من تأثير الجفاف على تقليص معدلات الإنتاج، وتعرّض فول الصويا للضغوطات، حيث كشفت وزارة الزراعة الأميركية أن المخزونات ستتخطى التوقعات، بينما يحدّ ارتفاع الأسعار من الطلب على زيت الصويا وطحين الصويا. ورسمت تقارير سوق النفط الشهرية الصادرة عن مركز معلومات الطاقة الأميركي وأوبك ووكالة الطاقة الدولية ملامح توقعات إيجابية داعمة للطلب على النفط الخام، حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية عودة الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل تفشّي الفيروس في مرحلة متأخرة من العام المقبل، وفيما يحتمل أن تعزّز عودة إيران إلى السوق العالمية خلال بضعة شهور من حجم العرض المطلوب لبقية العام، تمتلك مجموعة المنتجين من أوبك بلس القدرة والقوة حالياً على تحديد توجّه أسعار النفط. ويعتبر تقدير السعر المستهدف لسلعة خاضعة للسيطرة السياسية مثل النفط أمراً بالغ الصعوبة، وعلى الرغم من خطر حدوث تصحيح على المدى القصير، يشير المسار الحالي إلى ارتفاع الأسعار مع احتمال أن يستهدف برنت أعلى مستوياته في 2019 عند 75 دولارا. وشهد الذهب والفضّة مرحلة من التماسك السعريّ، وتمّت معظم عمليات التغطية على المكشوف بالذهب من صناديق طويلة الأجل تتبع التوجهات، ووصلت حالياً إلى نحو 18 دولارا أميركيا. وبعد تصحيح سطحيّ حتى الآن، عثر كلاهما على عرض بعد أقوى قراءة منذ عقود لمؤشر أسعار المستهلك، لكن بدلاً من الحصول على دعم تحوّطات التضخّم، قفزت أسعار المعدنين مع تراجع عائدات سندات الخزانة الأميركية إلى مستوى منخفض جديد في الدورة الأخيرة، حيث خلصت السوق إلى أن التضخم مؤقت، وأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يتراجع في وقت مبكر.