قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالمحسن بن محمد القاسم - في خطبة الجمعة - : الإقبال على الله ليس له زمان ولا موسم، وما تمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف. وأضاف : اقتضت حكمة الله وكمال علمه ولطيف خبرته أن نوع من العبادات، وجعلها وظائف على القلب واللسان والجوارح، ومنها الظاهر والباطن، يجمعها كلها معنى واحدا به تحقق العبودية وهو: اجتماع غاية الحب مع غاية الذل لله وحده، وقد عدد الله سبحانه وتعالى مواسم العبادة، وكرر أوقاتها ومناسباتها فضلا منه ورحمة فلئن مضى موسم يتلوه مواسم، ولئن رفع منار عبادة وأدركه من شاء الله من العباد؛ فعما قريب يرفع لهم غيره، ولن ختم على باب أجر بمن سبق إليه؛ فيوشك أن تفتح بعده أبواب، وما من عبد إلا ويجد من أبواب العبادة وأنواعها ما يناسبه والشأن في صدق العزيمة، وعلو الهمة. وقال : رحل عنا شهر رمضان الذي جعله الله من أعظم مواسم الطاعة، ومن أكبر أسواق الخير، من أحسن فيه ووفق للطاعة فليعلم أنه ليس رمضان وحده موسم العمل، ومن أساء أو قصر فليبادر بتوبة تكمل ما نقص من إيمانه، "وتوبوا إلى الله جميها أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"، وحسن العهد من الإيمان، والتوفيق للطاعة نعمة لابد من شكرها بالاستمرار عليها، وقبول الطاعة له دلائل وعلامات، فمن رأى من نفسه الإقبال على الطاعة بعد رمضان، وصدره منشرح للعبادة والاستزادة منها والتنقل بين مدارجها فتلك أمارة خير أرادها الله به، وشاهد صلاح يدبره الله له. وتابع : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، والثبات على الطاعة نعمة أكبر من ابتداء الطاعة، وإن أعرضت نفسك وقصرت وتكاسلت فما أحوجك إلى الاستغفار وسؤال الله القبول، فلم يزل شأن الصالحين الاهتمام لقبول العمل أكثر من العمل، وإن من علامة رد العمل وعدم القبول اتباع الطاعة بالمعصية، وما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها، وأروا الله من أنفسكم خيرا بعد كل موسم من مواسم العبادة، " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا "، وإياكم والانقطاع والملل والإعراض فإن الله لا يمل حتى تملوا، وخير العمل وأحبه إلى الله ما داوم عليه العبد ولو كان قليلا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل "، ومن ذاق حلاوة العبادة في رمضان وامتلأ صدره بالخشوع والذل لله، حري به أن يستعيذ بالله من الحور بعد الكور، ومن الغفلة بعد الانتباه، فما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة. وأضاف : من قعدت به همته عن الاستكثار من أعمال الجوارح، أو قصرت ذات يده عن الإنفاق في وجوه الخير فلا يغلبن عن إصلاح قلبه والعناية بسريرته، بتحقيق التوكل على الله ودوام الرغبة إليه، والخوف منه، ودوام التعلق به، وسلامة صدره للمسلمين، وله في كثرة ذكر الله بقلبه ولسانه، وملازمة الاستففار والدعاء، والنصح للمسلمين عامتهم وخاصتهم ما يدرك به ما عجز عنه، ومن توفيق الله للعبد أن يداوم على الصيام والقيام بعد رمضان، فيصوم ستا من شوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر "، ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو الاثنين والخميس، وعرفه لغير الحاج ، وعاشوراء وغيرها من أوقات الصيام المطلق والمقيد.