على ضوء ما ورد في تقرير معهد التمويل الدولي (IIF) الذي يضم عددًا من البنوك الكبرى في الدول الغربية ومقره واشنطن، نستطيع أن نقرأ ونستشف أن الاقتصاد السعودي غير النفطي سينمو بنحو 2.7% في العام الحالي بدعم القطاع الخاص، كذلك جاء في ذلك التقرير أن المملكة استطاعت أن تحافظ على مركزها الأول كأكبر اقتصاد في العالم العربي رغم الجائحة الوبائية التي تعم العالم نتيجة ضخامة إنتاجها النفطي الذي بلغ معدله نحو 9.8 ملايين برميل يومياً، وهو ما يعد من أعلى مستويات إنتاج المملكة حتى الآن، هذا إلى جانب النمو السريع والمتواصل في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الماضية كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار النفط وتزايد الإنفاق الحكومي وتنوع الاقتصاد وارتفاع وتيرة استثمارات القطاع الخاص. وبالنسبة لمكانة الاقتصاد السعودي -في تقرير المعهد- فقد تصدرت قائمة الاقتصادات العربية بل والشرق أوسطية في ناتجها المحلي الذي يناهز 467.6 مليار دولار، كما احتلت المركز الثالث كأكبر اقتصاد بعد الصين واليابان من حيث إجمالي الأصول الاحتياطية، كما أن الاقتصاد السعودي تمكن من تحسين أدائه مع الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة، ولعل هذه المؤشرات التي وردت في تقرير معهد التمويل الدولي تعكس وتجسد بالفعل قوة ومتانة الاقتصاد السعودي لأن يكون مناخًا مستقراً وبيئة جاذبة للاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والمهاجرة. وبالنسبة لمكانة المملكة المؤثرة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية فإن مسيرة النفط في دول مجلس التعاون الخليجي قطعت شوطًا بعيدًا ونمت نموًا سريعًا في السنوات الأخيرة بفضل نمو إيرادات النفط، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي الست 1.56 تريليون دولار أميركي في العام 2019، بزيادة قدرها 5.7 بالمئة على أساس سنوي، وتبعًا لذلك تعاظم دورها بشكل لم يسبق له مثيل في اندماجها العميق في منظومة الاقتصاد العالمي، بيد أنه نظرًا للظروف المتقلبة والآفاق الضبابية حول الطلب على النفط أثناء هذه الجائحة بالإضافة إلى توفر الإمدادات من خارج دول ال»أوبك»، فإن المخاطر التي تواجه أساسيات سوق النفط الخليجي في النصف الثاني من العام 2021 تبدو متوازنة من الجهتين، وقد جاء خفض الإنتاج النفطي في مجلس التعاون الخليجي أسرع من المتوقع إذ ربما يؤدي ذلك إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي لدول الخليج بواقع 2 % بالأسعار الثابتة هذا العام وإن كان من المتوقع أن يبقى ثابتاً في العام الحال، أما التحدي الرئيس أمام النمو النفطي لدول مجلس التعاون الخليجي فيتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي على نحو أكبر من المتوقع إذ ربما قد تنخفض أسعار النفط الى أقل بكثير من 50 دولاراً لفترة طويلة، الأمر الذي من شأنه قد يدفع الحكومات الخليجية إلى خفض برامجها الإنفاقية مما قد يقوض أحد العوامل الأساسية للنمو الاقتصادي. ولكي تسير دول مجلس التعاون الخليجي بشكل صحيح في مجالات النمو النفطي، فإن عليها تشجيع الصناعات ذات العلاقة بصناعة النفط والمشتقات البتروكيميائية وتبادل الخبرات الفنية والتقنية في مجالاتها الإنتاجية والصناعية، كذلك إزاحة العقبات كافة أمام حرية العمل وحركة التجارة وتداول الأموال وتشجيع الاستثمار والتنقل بين مواطني دول المجلس وترسيخ مبادئ ومفاهيم التعاون والتكامل بينها وذلك في إطار الاهتمام الخليجي بالتنمية وتسريع الجهود نحو إقامة السوق الخليجية المشتركة والتوجه نحو تحقيق التكامل بكل أبعاده التنموية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية. وبالنسبة لما يتعلق بالإنفاق العام في دول مجلس التعاون وما هي أبعاده المؤثرة على نموها النفطي، فإن أغلب التوقعات تشير إلى أن متوسط النمو السنوي في دول الخليج العربي يصل إلى 6 % ليكون واحدًا من بين أكبر عشرة اقتصادات على مستوى العالم وبحجم يناهز الثلاثة التريليونات دولار، حيث إن الاقتصاد الخليجي يعتمد في مكوناته وبنيويته على تطوير أساليب إدارة واستثمار النفط والغاز باعتبارهما المصدرين الرئيسين للدخل، وذلك من خلال استخدامهما لإقامة صناعات ذات قيمة مضافة وتوفير مزيد من الفرص الاقتصادية والخدماتية لمواطني دول المجلس إلى جانب الاستفادة من الموقع الجغرافي لهذه الدول كمركز للانطلاق والدعم التجاري -واللوجستي- وتعزيز قدراتها ومقدراتها الذاتية على استقطاب الاستثمارات وصولاً نحو تأسيس كيان اقتصادي قوي قادر على الاستدامة وعلى المنافسة العالمية. وهناك تحدٍ من نوع آخر أمام دول الخليج العربي -وإن كان أقل احتمالاً- وهو أن يؤدي النمو القوي في القطاع الاستهلاكي إلى جانب الإنفاق على المشروعات والتنفيذ السريع لإنجازها إلى تزايد ضغوط التضخم ومن ثم فرض تحديات شائكة أمام السياسات النقدية والتسهيلات المالية وأسعار الصرف وعوائد الإقراض. ويلاحظ في دول الخليج العربي أن نصيب الفرد من الثروة قد تزايد وحقق نموًّا ملحوظًا مما يعكس ارتفاع نصيب قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي وتعاظم الإنفاق العام، ويقدر معهد التمويل الدولي الإيرادات النفطية الخليجية بنحو 800 مليار دولار لعام 2021، مما يجعل هذه الإيرادات تأخذ طريقها لتحسين حياة المواطنين عبر الميزانية العامة للدولة على هيئة خلق وظائف جديدة وتحسين الرواتب والأجور وتقديم التسهيلات الخدماتية والاجتماعية (السكن، التعليم، الصحة، الماء، التعليم، الماء، الكهرباء، الطرق، إلخ) وبأسعار مدعومة من قبل الدولة. ولكن يجب على دول الخليج تحري الدقة والحذر في تلك الإنفاقات لما قد تعكسه من أثر في تآكل تلك الإيرادات النفطية بسبب التذبذبات المتوقعة في أسعار النفط وارتفاع معدلات التضخم والاكتشافات التقنية في مجالات بدائل النفط والطاقات المتجددة إلى جانب تحكم الدول الصناعية في جانب الطلب على النفط. لذلك نكاد نجزم أن غياب الرقابة الرشيدة على الإنفاق العام سيؤثر بلا شك على نمو دول الخليج وأنشطتها النفطية مما قد يفسح المجال لإساءة الاستخدام والفساد والتسربات وسوء تخطيط الموارد المالية، كما قد يضاعف من تراكم الفوائض المالية في صناديق سيادية قد تغيب فيها الشفافية والحوكمة في إدارتها مما يعرضها لأزمات مالية وخسائر مادية جسيمة، كما لا يغيب عن الذهن أن جزءًا لا يستهان به من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية قد يذهب للعمالة الأجنبية مما يعرض الاقتصاد ذاته لتكاليف باهظة وردود فعلٍ غير حميدة. العالم يعرف أن دول الخليج العربي تعد من أهم مصدري النفط في العالم، فحصتها من استخراجه عالمياً يعادل نحو 19 %، والغاز الطبيعي 8 %. ولديها علاوة على ذلك 37 % من احتياطي النفط العالمي المكتشف، و25 % من احتياطي الغاز. فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال تحتل المركز الأول في احتياطي النفط، وقطر الموقع الثالث في احتياطي الغاز، ولهذا ستنمو الأهمية الاستراتيجية للمنطقة خلال العقود المقبلة، ليس فقط بالنسبة للغرب بل للشرق أيضاً، إذ في العام 2009 فاق حجم النفط الذي تصدره المملكة العربية السعودية إلى الصين لأول مرة حجم صادراتها إلى الولاياتالمتحدة. إن دور النفط يتعاظم في توليد الثروة الخليجية، حيث ارتفعت مساهمة قطاعي النفط والغاز في دول المجلس كافة من دون استثناء خلال الفترة من 2003-2012 إلى معدلات قياسية، حيث تتصدر السعودية وقطر القائمة تليها الإمارات والكويت ثم البحرينوعمان. ومن جهة أخرى تواجه دول الخليج العربي كافة عاجلاً أو آجلاً مشكلة نضوب النفط الذي تعتمد اقتصاداتها عليه بشكل مطلق، ولا بد أن تبدأ هذه الدول بالبحث عن حلول استراتيجية لهذه المشكلة المقبلة لا محالة، فمن المعروف مثلاً وفقًا للتكهنات أن مملكة البحرين وسلطنة عمان سينضب مخزونهما من النفط العام 2028 إذا استمر إنتاجهما بالوتيرة الحالية نفسها ولم يتم اكتشاف حقول جديدة لديهما، أما بقية دول الخليج فليس الوضع فيها يبدو سيئًا إلى هذا الحد، لكن الاستهلاك المفرط لثرواتها قد يشكل خطرًا يهدد احتياطياتها، وربما يسرع في قدوم اليوم الذي تواجه فيه وضع البحرينوعمان نفسه، حيث إن هذين البلدين يمتلكان ثروات نفطية محدودة بالمقارنة مع بقية دول المجلس مما قد ينعكس في نسب مساهمة هذا القطاع في توليد الطاقة وبقاء الثروة فيهما. إن النمو الملاحظ والمشهود بدول مجلس التعاون من خلال العديد من المؤشرات الخاصة بنصيب النفط في الناتج المحلي الإجمالي وحصة الفرد في ذلك الناتج المحلي الإجمالي وخصائص ومتطلبات سوق العمل لا بد وأن يكون قادرًا على تحقيق التنمية بمفاهيمها الحديثة من حيث تحسين رفاهية المواطنين وتمليكهم قدرات الإنتاج وتوسيع مشاركتهم الاجتماعية والتنموية وتحقيق الذات؛ لذا بات من الملح والضروري قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة بناء هيكل متماسك لأنماط التنمية لديها بما يهدف أولاً لتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي المنتج والمستدام والمنفتح في الوقت ذاته على التكامل الاقتصادي مع باقي دول العالم، ومن ثم التحول نحو اقتصاد المعرفة والصناعات ذات القيمة المضافة العالية، ومن الجلي أن تحقيق ذلك يتطلب وجود خطط تنموية متدرجة وطويلة الأمد تأخذ في الاعتبار إحداث تحولات بنيوية حقيقية نحو تبني الأساليب التنموية العصرية والمعايير الاقتصادية الحديثة.