بعد ثلاثة أشهر من الآن، سيغلق باب التقديم لمبادرة الجوائز الثقافية الوطنية الجديدة، لنكون على بُعد أيام قلائل من إعلان أسماء الفائزين في النسخة الأولى من هذه المُبادرة في 14 فرعًا مختلفًا يمثّلون المجالات الأبرز التي ينشط فيها مبدعو السعودية ومثقفوها. إن هذه المبادرة تُعد بحقّ خطوة على الطريق الصحيح في اتجاه دعم المشهد الثقافي السعودي، وتقديم حافز حقيقي للمبدعين بالمملكة للتغلُب على ما قد يواجهونه من مثبطات في مقابل الحماس لوجود جائزة أخيرًا تحتفي بالجُهد والأثر والبصمة الحقيقية التي يتركها المبدع في وجدان المجتمع. لكن هذا ليس كل شيء، فوجود جائزة من هذا النوع وبهذا الحجم، وبآليات التقديم والترشيح المستحدثة التي تُطبقها من شأنها أن تخلق حالة من الحوار المجتمعي حول قيمة الأعمال الإبداعية والمنجزات الثقافية، والدور المجهول للمثقف والفنان الذي لطالما كان مطمورًا، ورُبما آن الآوان أن يكون في الطليعة وتسلّط عليها الأضواء، كأحد أركان المملكة في رؤيتها المستقبلية لحياة مواطنيها. لعل من بين أبرز الجوانب الإيجابية لتدشين سلسلة جوائز ثقافية في المملكة، هو أثرها شبه الحتمي على معنويات وذهنية الفنان والمُثقف السعودي، الذي ربما يضع ضمن أولوياته المُشاركة في المُسابقة ويبذل لها من وقته واهتمامه وإبداعه، ما سوف يؤدي بالضرورة إلى منافسة حامية بين المبدعين، يقدم خلالها كلًا منهم جل طاقته في خلق الجديد والإضافة إلى الساحة الثقافية والفنية، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن عرض الأعمال في إطار تنافسي وما يصحب ذلك من تكريم وتقدير للأعمال المشاركة كافة، له أثر فارق على المبدع أو المثقف يحفزه على الإنتاج من جهة ويمنحه شعور بالرضا والغبطة جراء الالتفات الرسمي الواضح لما قدم من إنتاج، وتزداد فعالية الدفعة المعنوية بالطبع مع الأعمال الفائزة خاصة ما إذا كان مقدميها من شباب المبدعين، الذي أتمنى أن تكون المسابقة خير وسيلة لدعم مواهبهم وترسيخ خطاهم على طريق الإنتاج الفني والثقافي الغزير والأصيل في آن واحد. غاية أخرى قد تساعدنا الجوائز الثقافية الرسمية بالمملكة على بلوغها، هى القدرة على ترشيح وتصنيف الإنتاج الفني والثقافي السعودي كل عام، وإعادة تقييمه على أسس علمية وفنية ونقدية، ولا أقلل هنا من قيمة النجاح الجماهيري لأي عمل، ولكن من الواجب علينا النظر بدقة للأعمال وأن نعامل أنفسنا وإنتاجنا المحلي بشيء من القسوة والانضباط، فنميز الغث من السمين، وندعم الموهبة الحقيقية، ونحقق تقدمًا ملموسًا عامًا بعد عام، ونساعد مبدعينا على تطوير أنفسهم حقًا، ليصبح دأب الأجيال الجديدة، إطلاق العنان لشخصية المملكة وإبداعاتها في المحافل العالمية عبر الفنون والإنتاج الثقافي.
