لم أكن معتاداً أن أظل كل هذه الفترة بعيداً عن فاتنتي الزلفي.. لكن ما باليد حيلة والالتزام واجب على كل فرد وهو الأهم في السلامة من هذا الوباء.. لكن لن تمنع الشوق واجترار ذكريات لتلك المثيرة التي أرادت أن تكون الأجمل في كل شيء حتى وإن استسلمت للعمران المتسارع، وما آل إليه من اقتلاع تلك الواحات الجميلة، والمزارع العبقة التي كانت عنوانا رائعاً لداخلها الثري. اشتاق إلى الزلفي شوق المحب وبحنين المنتمي إلى الأرض والجذور.. المتطلع إلى باقات زهور الخزامى والنفل، وعبق الياسمين الصادر من البيوت الطينية الشامخة.. مشتاق إلى المشاعر الدافئة التي تسكنها.. إلى الأحاسيس الرائعة الفياضة لأهلها. أشعر بأنها أكثر المدن نعومة.. أرقها مشاعر رغم أنها هي الوحيدة التي احتضنت الجبل الشامخ طويق في أراضيها.. لهيجع بين رمالها بين الثويرات والسبلة.. دون ان يتخلى عن شموخه لكنه مجبر لأنها الزلفي. التسارع الحضاري أخذ منها نصيباً كبيراً.. لكن رائحتها الندية مازالت تأخذ بالألباب، حتى لو كثر ضجيج السيارات وارتفعت مبانيها.. وهذا لم يمنعها من المحافظة على أصوات الباعة بالنبرة الزلفاوية الجميلة.. وتوافد المشترين من كل حدب وصوب إلى أسواقها.. أما حين تطل من برجها العالي أو ما يحلو للجميع أن يسميه "المطل" لا تأسرك المناظر البانورامية التصويرية الساحرة لمناظرها الأسرة الممتدة فقط، بل تشعر وكأنك صاحب الجواد الأبيض الذي حضر لكي يخطف محبوبته الزاهية. أرض مملوءة نوراً وأصالة وتمدناً وحباً، بمبانيها العتيقة.. بين ثنايا بيوت الطين، فالأماكن تأخذ التفاصيل نفسها، والمآذن مازالت تحمل الشموخ المتهادي في السماء.. لكن ماذا عن الروضة البكر "السبلة" لن ننفك من الشعور بالسعادة من فرط كونها مزهرة وغنّاء بكل المكونات الزاهية التي تعيشها.. تلك الروضة الرائعة التي تم تصنيفها كأجمل ما عرفته منطقة نجد من الرياض المزهرة، وللرمال عشق يعطيها خصوصية، لأن في نفود الثويرات ما يجلي الكدر عن النفس المتعبة.. ولا غنى عن شموخ جبل طويق وحدائق سمنان وشلالات مرخ.. ولن ننسى إذ ننسى بحيرة الكسر التي قل نظيرها حينما تستقبل الأمطار بامتداد النظر مبدعة لوحة جميلة خلابة بين الرمال والروضة والجبل كأجمل ما يكون. مدينتي الجميلة الحالمة راسخة في ذاكرتي حتى لو غبت عنها، فهي لا تمنع أحداً من التمتع بما حباها الله لأن علاقتها مع أبنائها ومع كل قادم إليها سهلة يسيرة لا تحتاج إلى رسميات أو أبواب لكي تبدأ، بل هي مفتوحة باتساع السماء، فمثلما تجد الجمال في زهورها ورمالها وسنابل الورد البري وجبلها الشامخ الذي يحميها.. فستجد بشاشة الوجه وطيب المعشر وحسن الخلق.. فهي تزداد حسناً عاماً عن عام من فرط برّ أبنائها بها. فسبحان من أعطى الزلفي هذا الجمال..