ما الحياة؟ وما الدروب والأدوار التي تقود البشر لسلوكها وتَمثلها؟ كلما قابلنا بشراً كلما تعزز هذا السؤال بل والدهشة التي لا تكف الحياة تؤججها بإبداعها الذي يفوق كل عبقرية. ولعل حياة البريطانية جين جودال المولودة عام 1934 لتُعد أبسط مثال على ذلك، هذه المرأة التي وفي سن مبكرة اختارت الغابة والتماهي مع الشمبانزي وذلك لدراسة سلوكهم الاجتماعي والعائلي في بيئتهم الطبيعية وذلك في حديقة غومبي ستريم الوطنية، تنزانيا، في عام 1960. لقد لُقِّبت هذه المرأة ب"مكتشفة الرجل"، وذلك لتوصلها للتشابه المذهل في سلوك الإنسان الاجتماعي وقرد الشمبانزي، حيث اكتشفت أن الشمبانزي يصنعون الأدوات مثل نصول النبات لاختراق ممالك النمل وصيده كما أنها قد بدلت المفهوم السائد بكون القرود نباتية حيث أثبتت أن الشمبانزي يأكلون اللحوم مثل لحوم الحيوانات الصغيرة التي يصطادونها كالفئران مثلاً، والأهم اكتشاف الأنثروبولوجية جين جودال للمشاعر التي تتبادلها جماعة الشمبانزي فيما بينها، حيث اتضح ميل القرود للتقارب الجسدي حيث يقضون الوقت في تدليل بعضهم البعض وتشذيب شعورهم وتنقيتها من الحشرات، ولعل الأهم الحب الفياض والتفهم العاطفي الذي تسبغه الأمهات على صغارها، بل ومشاعر الحزن بمواجهة الموت، بل والموت حزناً حين فقد الأم. ولعل ما يذهل هو التنافس والصراع على السيادة الكبير الشبه بتنافس البشر، بل إن الغضب في هذا الكائن صاعق حيث لا تقبل جماعة الشمبانزي أي انشقاق عن الجماعة وتواجهه بحسم وإبادة كاملة للمنشقين. عالم عميق للشمبانزي الذين هم أقرب الكائنات للإنسان، عالم يرجعنا نحن البشر لنتفهم غضبنا وصراعاتنا وبل الأهم حاجتنا للحب وللتعبير الجسدي عن هذا الحب في تقاربنا الاجتماعي. مشوار جين جودال من ال45 عاماً في دراسة الشمبانزي لم ينتهِ فهي مازالت ناشطة منادية بحق الحيوان في البقاء والحماية، وللدفاع عن الغابات وثروات كوكب الأرض الطبيعية، ولقد نالت على ذلك الكثير من التقدير ولعل أبرزه وسام اليونسكو ودرجة الشرف من الحكومة الفرنسية التي مُنِحَتْها عام 2006.
