ولعلنا في هذه الأيام المباركة نستذكر الوحدة الإسلامية الكبرى، والروح الإسلامية العالية، والعاطفة الدينية العميقة، التي جمعت المسلمين من مختلف أصقاع الأرض في هذه الصورة الفريدة، فالحج شعيرة كاملة، فهو التوحيد والنية والصلاة والصيام والدعاء وشهود المنافع لجميع الحجاج.. إن أيام الحج هي أيام التصافي والوحدة الحقيقية الفريدة، في تجمع عجيب، لا يوجد له مثيل في دول العالم. هكذا هي الوحدة الإسلامية بأعمق صورها ودلالاتها "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". نعم إنه يوم الوحدة الإسلامية العالمية في الأماكن المقدسة. يعيش المسلمون هذه الأيام في جميع أنحاء العالم أيامًا روحانية جميلة مليئة بالمشاعر الإيمانية الفياضة بقدوم موسم الحج؛ حيث يجتمع ملايين الحجيج في الصعيد الطاهر، يبتهلون إلى الله - عز وجل - بكل رضا وخضوع وطمأنينة، تجمعهم كلمة واحدة هي (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ملبين ذاكرين الله تعالى بصوت واحد وعلى صعيد واحد "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك.. لا شريك لك". فالحج ركن عظيم من أركان الإسلام، ودعامة من دعامات الإيمان، يتوافد المسلمون لتأديته من كل مكان في العالم، متطلعين إلى رؤية البيت العتيق، والطواف حوله، والصلاة في جنباته؛ لينعموا بالأنس والراحة والنعيم من عناء أيامهم ومشاغلهم الدنيوية الكثيرة. وفي موسم الحج تتبين مظاهر الإسلام الحقيقية؛ حيث تنتفي صفات الاختلاف والمظاهر الدنيوية البالية، ليأتي بدلاً منها الشعور بالمساواة والأخوة والتصافي والمودة، لا فرق بين أبيض وأسود، ولا غني وفقير، ولا حاكم ومحكوم، ولا رئيس ومرؤوس، ولا قريب وبعيد، ولا مقيم ومسافر، فلا عنصرية ولا إقليمية ولا عصبية ولا طبقية، كلهم رافعون أكف الضراعة إليه سبحانه وتعالى، يلهجون بصوت واحد، ويلبسون زيًا واحدًا، ويشعرون بشعور واحد، جميعهم تحت صعيد واحد، يبتهلون لرب واحد، سائلينه الرحمة، وطالبينه العفو والمغفرة في هذه الأيام المباركة. تتلاقى القلوب والأفئدة في هذا الموسم العظيم، ملبين دعوة الحق - تبارك وتعالى - للتصافي والخضوع والتذلل للمولى عز وجل. فأي معانٍ أصفى من هذه المعاني؟ وأي وحدة عالمية أكبر من هذه الوحدة التي لا يمكن أن نراها إلا في هذه الأماكن الطاهرة.. قال تعالى: [وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق]ِ. إن أيام الحج هي أيام التصافي والوحدة الحقيقية الفريدة، في تجمع عجيب، لا يوجد له مثيل في دول العالم. هكذا هي الوحدة الإسلامية بأعمق صورها ودلالاتها "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". نعم إنه يوم الوحدة الإسلامية العالمية في الأماكن المقدسة، التي تهفو إليها ملايين المسلمين؛ حيث تشكل زيارة مدينتي مكةالمكرمة والمدينة المنورة للمسلمين أهمية لا تبلغها أي مدينة أخرى، فهاتان المدينتان هما مهوى أفئدتهم على مر العصور، وزيارتهما لأداء مناسك الحج والعمرة أمنية غالية، يحلم بتحقيقها كل مسلم حال يقظته ومنامه. يقف ملايين الحجيج في هذا الصعيد الطاهر، ويستفيدون من الإنجازات الضخمة التي وفرتها لهم قيادة هذه البلاد في مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، من خلال مشروعات التوسعة والتطوير التي هي مصدر فخر واعتزاز لنا جميعًا، مواطنين ومسؤولين، فخدمة ضيوف الرحمن زوارًا وحجاجًا هدف رئيس منذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-. وقدسية المدينتين لم تأتِ من فراغ، فمكةالمكرمة مهبط الوحي، وفيها أول بيت وضع للناس لعبادة رب العالمين، وهي مدينة أداء الركن الخامس للإسلام. والمدينة المنورة هي طيبة الطيبة، التي تخيرها الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - لتكون حاضرة الدولة الإسلامية في بداياتها، وشهدت تشكل أول مجتمع للمسلمين، واتخذها - صلى الله عليه وسلم وصحبه - منصة انطلاق لنشر الخير في العالم بأسره. وفي أيام الحج نستلهم كثيرًا من المعاني السامية للحج المبرور، وأنه ليس له جزاء إلا الجنة، ففيه تكفر الذنوب، وتقبل التوبة، كما أن الحج عبادة فريدة، تجتمع فيها أنواع العبادات، ويظهر فيها التآلف والتكاتف والرحمة والترابط، والخشوع، والطاعة لله رب العالمين، كما أن في مناسكه إظهارًا لتوحيد الله وعبوديته. وهذه حقًا هي المعاني السامية للتقوى، بتعظيم شعائره واجتناب حرماته، يستشعرون جميعهم مراقبة الله في كل مناسكهم وحركاتهم وسكناتهم في نسق مترابط فريد. ولعلنا في هذه الأيام المباركة نستذكر الوحدة الإسلامية الكبرى، والروح الإسلامية العالية، والعاطفة الدينية العميقة، التي جمعت المسلمين من مختلف أصقاع الأرض في هذه الصورة الفريدة، فالحج شعيرة كاملة، فهو التوحيد والنية والصلاة والصيام والدعاء وشهود المنافع لجميع الحجاج. اللهم أدم نعمة الأمن والأمان على بلادنا، ويسر اللهم الحج لضيوف الرحمن، الذين نستقبلهم بأرواحنا وقلوبنا ونسعد جميعًا بخدمتهم.. اللهم ارزقهم الكمال والتمام في حجهم، واغفر لهم ذنوبهم، وأعدهم إلى بلادهم في أمن وأمان، وسكينة واطمئنان، وفرح وامتنان.