الراوي المختص هو الراوي الذي لديه دراية وفهم وفطنة ومعرفة بمصادر معلوماته والتثبت في نقلها ولديه الخبرة في هذا المجال، اكتسب الثقة من مصداقيته، وأما الراوي المخصص فهو الراوي الذي تخصص في متابعة ونقل أخبار ومعلومات خاصة بقبيلة أو أسرة مثلا، دون الاهتمام بما هو خارج عن ذلك، وأما الراوي العام فهو الذي له في كل مجال مساهمة، وما وقع تحت يده رواه، وما اطلع عليه نشره، ونظرا لسعة المجالين الثقافي والمعرفي والأحداث، فإن الراوي لا بد أن يتجه نحو مجال محدد كرواية الشعر والقصص، أو المعارك والملاحم أو التاريخ الاجتماعي.. إلخ. ويتفاوت الرواة فيما يقدمونه من حيث الضعف والقوة بحسب قدرات كل منهم. ويعد الراوي مركزا للتوثيق وأرشيف حفظ فيما مضى ولا يزال أيضا، فقد سخر نفسه من أجل هذا العمل، ومن دون هذا التوثيق تنفصل أجزاء كثيرة من ثقافة الشعوب، وتفقد المعلومات والأخبار وقصائد الشعراء والقصص وأحداث التاريخ في فراغ الانفصال كلما تقدم الزمن، وقد وجد في التاريخ فراغات لم تملأ. ويعترف أفراد المجتمع بالراوي، ويمنح الثقة لحاجتهم إليه، وعادة يكون متمتعا بصفات تميزه عن غيره كالحفظ والفطنة وضبط الأحداث والقدرة على استرجاعها وصياغتها ونشرها بعد التمييز بينها وفرزها. ولقد حصر بعض الرواة اهتمامهم وقصروه على محيطهم الصغير كالقبيلة أو الأسرة أو البلد، بينما كثير من الرواة لم يهتموا بذلك، ولم تكن فكرة قصر الرواية على المحيط القريب حاضرة لديهم، بل وسعوا نطاق روايتهم بحيث شملت كل ما استطاعوا الوصول إليه. ولعل من أسباب توسيع نطاق الرواية، أن المجالس العامة وهي المكان الذي تتكرر فيه عمليات نشر المرويات من أشعار وغيرها وتلقيها تضم تنوعا لا ينتمي إلى أسرة ولا قبيلة بعينها، لهذا اهتم الرواة بما يهم الجميع، ويجذب انتباههم، ويدخل السرور عليهم، وأيضا يضمن استقاء معلوماتهم التي تتجدد، فلا يقتصر على الخصوص؛ إذ لا مصلحة للراوي فيه وإنما يتلقى من جوانب عدة، ويحظى بعلاقات أوسع. وأما العلاقة بين الشاعر والراوي فعلاقة وطيدة وقوية، وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات، فمادة الراوي نتاج الشاعر، ومصلحة الشاعر تتأكد عندما تصل قصيدته إلى رواتها لنشرها وتوثيقها لتبقى حقوقه محفوظة بشهادة الرواة.