«التوحد» اضطراب عصبي تطوري ينتج عن خلل في وظائف الدماغ، ويظهر كإعاقة تطورية أو نمائية عند الطفل خلال السنوات المبكرة من العمر وتستمر معه في حياته، ويتصف التوحديون ببعض الخصائص منها تأخر في نمو اللغة والتواصل (فيكون تطور اللغة بطيئاً، ويستخدمون الكلمات بشكل مختلف عن الأطفال الآخرين، حيث ترتبط الكلمات بمعانٍ غير معتادة لهذه الكلمات، ويكون التواصل لغير الناطقين بمسك اليد أو البكاء او استخدام الآخرين كأدوات، كما أن انتباههم وتركيزهم يستمر لمدة قصيرة)، أما من ناحية التفاعل الاجتماعي (فهو ضعيف حيث يبدون اهتماماً أقل بتكوين صداقات مع الآخرين، وتكون استجابتهم أقل للإشارات الاجتماعية مثل الابتسامة أو النظر للعيون)، وأيضا اللعب (فلديهم نقص في اللعب التلقائي كما أنهم لا يحاولون تقليد حركات الآخرين، ولا يحاولون أن يبدؤوا في عمل ألعاب خيالية أو مبتكرة) بالإضافة إلى إصابتهم بمشكلات حسية وقيامهم بسلوكيات غريبة كأن يضرب رأسه بالحائط وتحريك اليدين أو هز الجسم بشكل متكرر، وإظهار ردود غير معتادة عند تعاملهم مع الناس، أو أن يرتبطون ببعض الأشياء بصورة غير طبيعية كأن يلعب الطفل بسيارة معينة بشكل متكرر وبصورة غير طبيعية، دون محاولة تغيير اللعبة مع وجود مقاومة لمحاولة التغيير، وقد يظهر الطفل سلوكاً عدوانياً تجاه الغير، أو تجاه الذات. علاج لتخفيف الأعراض وفيما يتعلق بالعلاج المقدم للمصابين باضطراب طيف التوحد، قال د. منصور الجبران - متخصص في مجال ذوي الإعاقة -: للأسف الشديد الدراسات العلمية لم تثبت حتى هذه اللحظة وجود علاج نهائي لاضطراب طيف التوحد، ومن يدعي غير ذلك فكلامه ليس له دلائل علمية وأن ما يقوم به الأطباء أو المتخصصون عند صرفهم بعض الأدوية هو لتخفيف النوبات والأعراض التي توجد لدى المصابين، وهناك من يستغلون الأوضاع النفسية للأسر لاستنزاف أموالهم بحجة وجود علاج لأطفالهم، داعياً الأسر إلى التوجه للجهات ذات الاختصاص في المجال نفسه كالجمعيات أو الجهات المتخصصة أو الأشخاص أصحاب التخصص، إلى جانب حضور المؤتمرات وورش العمل التي تعقد لأخذ ما هو جديد. تنمية المهارات وأشار الجبران إلى عدة طرق من الضروري تقديمها لمساعدة المصابين بالتوحد كالدمج مع المجتمع وتنفيذ البرامج المتنوعة التي تساعد بشكل كبير على تعديل سلوكيات هذه الفئة وتنمية مهاراتهم، وكذلك عقد جلسات متنوعة في تعديل السلوك أو النطق والتخاطب والعلاج الوظيفي، بالإضافة إلى تدريب الطفل على المهارات الاستقلالية مما تسهم تلك الجلسات في تجاوز الكثير من العقبات التي تواجههم في حياتهم اليومية، وترفع من فرص تنمية مهاراتهم المختلفة، مؤكدا أن هناك نماذج كثيرة من فئة التوحد وبفضل مساندة أسرهم تجاوزت الكثير من العقبات، وأصبح أبناؤهم يمارسون حياتهم بشكل شبه طبيعي، ومنهم من عمل موظفا في القطاع الحكومي والخاص ويمارس حياته بشكل طبيعي. نصف مليون مصاب ولفت الجبران إلى أن نسبة المصابين باضطراب طيف التوحد وفقا لمنظمة الصحة النفسية وجود طفل من كل 55 شخصا مصابا باضطراب طيف التوحد، ودراسات أخرى حديثة أشارت إلى وجود طفل من كل 40 شخص، وبناء على المسح السكاني للمملكة من قبل الهيئة العامة للإحصاء للعام 1438 يبلغ عدد السكان 32552336 مليون نسمة، ما يعكس عن وجود ما يقارب نصف مليون مصاب باضطراب طيف التوحد، داعيا إلى تكاتف جميع أطياف المجتمع والجهات المعنية ومنها: وزارتي الصحة والتعليم وكذاك وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لعمل إحصائية دقيقة عن المصابين في المملكة، وتجويد عملية التشخيص، ووضع حلول سريعة لتخفيف معاناة هذه الفئة وأسرهم الذين هم أيضا بحاجة إلى الدعم والمساندة. ضعف إجراءات التشخيص ويشير د. صالح الصالحي - مدير مركز نمو الطفل بجامعة الأميرة نورة - إلى تحسن كمي كبير في الخدمات التي أحدثت خلال العشر سنوات السابقة للمصابين بالتوحد، إلا أنه يرى أنه لا تزال الجودة هاجسا للأسر والمعنيين، إضافة إلى افتقار المنطق الطرفية للخدمات نوعا وكما مما يضع الكثير من الأسر في حيرة وحالة من اليأس، إلى جانب ضعف إجراءات التشخيص بسبب قلة أعداد الأطباء المؤهلين من الحد الأدنى مما يترتب على ذلك الأخطاء في التشخيص وعدم تشخيص الاضطرابات المصاحبة وكذلك طلب الكثير من الإجراءات التشخيصية المكلفة من غير دواعي إكلينيكية، مما يزيد من تكلفة الرعاية والتأخر في برامج التأهيل المتخصصة. من سنة إلى ست سنوات وذكر الصالحي أن الخدمات المطلوب تقديمها للمصابين بالتوحد حسب الفئة العمرية، حيث يحتاج من عمر سنة إلى ست سنوات إلى التشخيص - يوجد قلة في الأطباء المؤهلين -، وخدمات التدخل المبكر * ضعف نوعي وكمي خصوصا بالمناطق الطرفية -، وخدمات التأهيل الطبي - علاج نطق وتخاطب وعلاج وظيفي وعلاجي تعديل سلوك... مشكلات في الجودة -، وكذلك خدمات تدريب الأسر من خلال الأسرة * يوجد ضعف متوسط إلى شديد -، وخدمات التدخل المنزلية - نادرة الوجود -، وأيضا الدعم الأسري والاجتماعي. من ست سنوات إلى 12 سنة أما الخدمات المطلوب من عمر ست سنوات إلى 12 سنة هي خدمات الدمج بالتعليم العام - ضعيف جداً بشكل عام حيث يتطلب تأهيل المدرسة والمعلمين -، وخدمات التأهيل الطبي - علاج نطق وتخاطب وعلاج وظيفي وتعديل سلوك... مشكلات في الجودة -، والمتابعة الطبية - ضعيف جدا -، وكذلك الدعم الأسري والاجتماعي. من 12 سنة إلى 18 سنة فيما يحتاج المصابون من 12 سنة إلى 18 سنة إلى بعض الخدمات منها في التعليم العام - ضعيف جدا -، والتأهيل المهني - ضعف عام ويفتقر الموجود للجودة والمخرجات المرجوة -، وخدمات التأهيل الطبي * علاج نطق وتخاطب وعلاج وظيفي وعلاجي تعديل سلوك... مشكلات في الجودة -، والمتابعة الطبية - ضعيف جدا -، وكذلك الدعم الأسري والاجتماعي. أكبر من 18 سنة وذكر الصالحي أن المصابين ذوي الأعمار التي هي أكبر من 18 سنة بحاجة إلى التعليم الجامعي - ضعيف جدا - ويوجد مشكلات لها علاقة بالأنظمة والسياسات القديمة غير صالحة في هذا الوقت -، والتأهيل المهني، وكذلك التوظيف والدعم الأسري والاجتماعي، وأيضا المتابعة الطبية، والإيواء لبعض الحالات المحدودة لكن الواقع محزن، إلى جانب الضعف العام في الأبحاث وتطوير السياسات والأنظمة ذات العلاقة، مشيرا إلى أهم المشكلات المزمنة، وهي سوء التنسيق بين مقدمي الخدمات وتفاوت المعايير - إن وجدت - لضبط الخدمات في القطاع العام والخاص. قانون خدمات التوحد ودعا مدير مركز نمو الطفل بجامعة الأميرة نورة إلى اعتماد جهة واحدة تكون مسؤولة عن ملف التوحد بالمملكة وتعنى بالتنسيق وتطوير الخدمات وضبطها، وكذلك إصدار قانون خدمات التوحد الذي يجب أن يستمد من قرار المقام السامي الصادر في العام 1423 ه، بالإضافة إلى سرعة اعتماد المسح الوطني لاضطراب التوحد عند سنة ونصف من العمر، وكذلك اعتماد ميزة مالية للعاملين مع فئة التوحد في القطاع الحكومي أسوة بمميزات الطب النفسي لتحفيز المهنيين الانخراط بالمجال وتجويده، وأيضا دعم الأبحاث المعنية وتفريغ باحثين بالمجال، واعتماد برنامج الاحالة الإلكترونية لخدمات المصابين باضطراب طيف التوحد. التدخل المبكر وأكد محمد الناجم - متخصص في الاضطرابات السلوكية والتوحد - على أهمية تقديم خدمات التدخل المبكر في السنوات الخمس الأولى من حياة ذوي اضطراب طيف التوحد لما لها من دور مهم في عملية النمو والتعلم والتطور، كما تسهم إلى حد كبير في تأهيل وتطور حياتهم، مؤكدا أن الدراسات والتجارب العلمية أثبتت تطور الحالات وتحسنها بشكل أفضل إذا كان المصاب يخضع لبرنامج تعليمي منظم بدرجة عالية ما يدع الفرصة أكبر لتطور ونمو المخ عنده، واكتساب الخبرات والتفاعل مع المحيط الذي حوله، ما يؤدي إلى تنمية مجال التواصل والتفاعل الاجتماعي، وكذلك المجال الحركي والإدراكي والاستقلالي. استراتيجيات التعامل وعدد الناجم أفضل استراتيجيات التعامل مع المصابين بطيف التوحد، ذكر منها: ضرورة إشراك الأسرة مع المختصين في وضع خطط التعامل مع المصاب من خلال تنمية جوانب القوة لبناء جوانب الاحتياج ودعمها، وجذب التواصل البصري، وكذلك تهيئة بيئة خالية من المشتتات ومراعاة تقلبات المزاج والحرص على ضبط السلوك، إلى جانب وضع لوحة تعزيز السلوكات، وتجزئة المهمة من السهل إلى الصعب والتنويع في وسائل التعليم لجذب الحواس الخمس، بالإضافة إلى وضع فترات راحة بين المهام. أثر الدمج التربوي ويرى الناجم من خلال عمله في الميدان التربوي أن دمج ذوي اضطراب طيف التوحد مع أقرانهم العاديين في المدرسة له إيجابيات وسلبيات كثيرة تعتمد على حالة المصاب، ويشيد في الوقت ذاته بدمج الحالات البسيط التي تسمح قدراتهم التواصلية والاجتماعية والنفسية دمجاً كلياً بفصول التعليم العام، ودمج الحالات المتوسطة دمجاً جزئياً في الأنشطة اللاصفية من أجل تهيئتهم مستقبلاً بالدمج الكلي، مؤكداً على أهمية إشراك المصابين الذين تسمح قدراتهم من خلال الدمج الكلي في الفصل العادي أو الجزئي أقرانهم في الطابور الصباحي والفسح وكذلك الأنشطة اللاصفية والترويحية، لما لها من نتائج إيجابية، مشترطا التهيئة المسبقة لطفل التوحد حتى لا ينتكس، وذلك بالتدرج من خلال القصص الاجتماعية والزيارات المتبادلة للطفل نحو المدرسة وتهيئة طلاب التعليم العام والكادر المدرسي من معلمين وإداريين عن كيفية التعامل والتواصل مع ذوي اضطراب طيف التوحد ومراعاة البيئة المدرسية بحيث تكون الفصول الخاصة بهم في الدور الأرضي ومهيأة بالخدمات. تهيئة البيئة الصفية لدمج التوحديين د. منصور الجبران د. صالح الصالحي محمد الناجم