لم تجد شابة صغيرة تعشق الشعر ونظم الأوزان إلا الملك فيصل بن عبدالعزيز لينصفها بعد أن مُنع كتابها الذي يُعدّ أول ديوان شعري نسائي، حيث أهدته نسخة من «أوزانها الباكية» فأعجبه وأمر بإجازته والسماح له بالتداول، لتتحوّل الشاعرة ثريا قابل إلى حديث المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية، وتبدأ حكاية «خنساء القرن العشرين»، كما وصفها الأديب السعودي آنذاك محمد حسن عواد «1902 -1980». تُعتبر الشاعرة السعودية ثريا قابل من أهم من وظف المفردة الشعبية الحجازية في عالم الأغنية السعودية، وصاحبة ديوان «الأوزان الباكية» الذي صدر في العام 1963 وهو أول ديوان شعري نسائي سعودي باللغة الفصحى يُذيل باسم صريح. ولدت ثريا محمد عبدالقادر قابل في غرة محرم العام 1940 في «بيت قابل» وهو أحد أشهر البيوت الجداوية في حارة مظلوم في مدينة جدة، لأب ينحدر من أسرة تجارية وأم تدعى خيرية وهي تركية التقاها والد ثريا في إسطنبول وتزوجها وأنجب منها ولدين وخمس بنات إحداهن ثريا التي أصبحت فيما بعد «شاعرة الحجاز». سافر والد ثريا إلى لبنان بغرض العلاج من مرض السل، وحينما طالت فترة علاجه هناك، التحقت به الأسرة، ورغم وفاة الوالد في لبنان العام 1958 إلا أنها أكملت دراستها الثانوية وتخرجت من الكلية الأهلية الثانوية في بيروت. في لبنان، نظمت ثريا قابل قصائدها الأولى، وكانت تنشر بعضها في الصحف اللبنانية كالحياة والأنوار. ومثّل العام 1963، نقطة تحوّل كبرى في حياتها، حيث شهد حدثين هما الأهم في بداية حياتها: الأول صدور ديوانها اليتيم «الأوزان الباكية» من بيروت والذي أهدته لعمتها «عديلة» التي تدين لها بالفضل، والآخر زواجها من ابن عمها سليمان حسن عبدالقادر قابل وقد أنجبت منه ابنها حسام في العام 1967. كتبت الشاعرة ثريا قابل وعملت في العديد من الصحف والمجلات السعودية، كما أشرفت على العديد من الصفحات الثقافية والاجتماعية، ولكن عشقها الكبير وشغفها الأثير كان كتابة الأغنية، وأصبحت «صوت جدة» الذي وصل بمفرداته الشعبية الحجازية إلى كل أجزاء المملكة، بل إلى العالم العربي، فثريا قابل هي سيدة الكلمة الحجازية المغناة التي أصبحت العلامة الفارقة التي لا نظير لها. «بشويش عاتبني» التي لحنها الملحن السعودي محمد شفيق وغناها الفنان طلال مداح، كانت أغنيتها الأولى التي دشنت مسيرتها الطويلة والحافلة بالأغنيات الجميلة التي شكّلت ذائقة ومزاج المستمع السعودي والعربي. وقد غنى من كلماتها الكثير من الفنانين السعوديين كطلال مداح ومحمد عبده وعتاب، ولكن الفنان فوزي محسون هو من شكّل معها الثنائي الفني الأكثر غزارة وشهرة. وخلال مسيرتها الفنية التي امتدت لستة عقود، كتبت الشاعرة ثريا قابل الكثير من الأغنيات الجميلة التي أصبحت من كلاسيكيات الغناء السعودي، ومن أشهرها: «من بعد مزح ولعب»، «تمنيت من الله»، «مين فتن بيني وبينك»، «واحشني زمانك»، وأغنية «يا راعي الود» التي غناها الفنان العراقي الشهير كاظم الساهر في العام 2014. لقد استطاعت الشاعرة ثريا قابل أن تُسافر بالمفردة الحجازية الجميلة إلى كل العالم العربي، خاصة حينما غنت المطربة السعودية عتاب تحفتها الفنية الشهيرة «جاني الأسمر جاني» والتي أصبحت من أيقونات الأغاني العربية التي تغنى بها الكثير من المطربين والمطربات من كل العالم العربي. وقد نالت الشاعرة ثريا قابل العديد من الألقاب والتكريمات خلال مسيرتها الطويلة، كجائزة رواد المجتمع السعودي التي حصلت عليها العام 2002 نظير دورها الريادي في تطور الحركة الشعرية والثقافية النسائية في السعودية، كما كرمها المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» في العام 2005، وحصلت على وسام أرزة لبنان لإبداعاتها الشعرية وعلاقاتها الاجتماعية والثقافية بلبنان. الشاعرة ثريا قابل التي «ولد صوتها بين رواشين وحواري جدة التاريخية، وكان ميلادها يُشبه سيمفونية حالمة»، واجهت الكثير من الضغوطات والتحديات، خاصة في بداياتها الأولى، ولكنها كانت قوية وجريئة، ولم تكتب يوماً باسم مستعار خوفاً من المجتمع الذي لم يكن يتقبل حينها ظهور شاعرة تكتب مشاعرها وأحاسيسها باسمها الصريح، ولكنها كانت تعشق اسمها، تماماً كما كانت تعشق قصائدها. ثريا قابل التي كانت تُردد دائماً: «الكتابة مسؤولية مواجهة»، استطاعت أن تُحقق حلمها الذي أمسكت به منذ بداياتها الأولى، لتُصبح شاعرة الحجاز الأولى. محمد قابل والد ثريا فوزي محسون عتاب