إن عملية جذب الاستثمار عملية مهمة، ولكن ليست الأهم، فبعض الجهات الحكومية في بعض الدول تأخذ المعادلة بالمقلوب، ونجدها تتسابق في منح الرخص الاستثمارية للمستثمر الأجنبي، والإعلان عنها في وسائل الإعلام، وكأن المهمة انتهت بمنح هذه الرخصة، هذا السباق والتسويق بإعطاء الرخص للشركات وكأنها شهادات شكر وتقدير، قد تتبعه – في الغالب - صدمة عندما تحاول الشركة بدء نشاطها التجاري أو الاستثماري، فتُفاجأ بعدد من العوائق الإجرائية والتنظيمية والتشريعية التي تحد من بدء النشاط أو استمراره. المعادلة الصحيحة أن تقوم الشركة بالإعلان والتسويق، بحصولها على رخصة استثمار في بلد ما، حيث إن ذلك يعد خبراً جيداً للشركة بأن هناك سوقاً أو أسواقًا جديدة ستدخل الشركة فيها. علاوة على ذلك، تقوم بعض الجهات الحكومية بتسويق تقديمها خدمة النافذة الواحدة Single Window للمستثمر الأجنبي. إن وجود النافذة الواحدة للمستثمر الأجنبي لإنهاء الإجراءات له يُعد نموذجاً قديماً نمطياً وغير عادل، فهو قديم ونمطي من حيث التطبيق الزمني له عندما لم يكن هناك تقدم في التكنولوجيا وأتمتة للإجراءات الحكومية، كما أنه غير عادل عندما يكون موجهاً للمستثمر الأجنبي فقط دون المحلي، فليس من العدل ولا المصلحة تحسين جودة الخدمات الابتدائية للمستثمر الأجنبي فقط، فرجال الأعمال والصناعات في مختلف أنحاء العالم يعرف بعضهم بعضا جيداً، وتربطهم صداقات وعلاقات وتبادل الرأي والمعرفة في أين تكون الفرص والتشريعات المناسبة لتنمية رؤوس أموالهم. عدد من الدول نحت منحى بعيدا عن النمطية والتقليد السائدين، وعرفت أن المستثمرين – جميعاً - يرغبون في وجود ثلاث مزايا في الأسواق لتوجيه استثماراتهم. فالميزة الأولى وجود أسواق ممكنة، فعندما يستثمر شخص ما في بلد ما فهو لا يهدف فقط لسوق ذلك البلد، وإنما يبحث عن نفاذ منتجاته إلى الأسواق الأخرى القريبة والإقليمية، وهناك تكمن أهمية دخول الدول في اتفاقيات تجارة حرة أو إقليمية، تمكن السلع المصنعة في بلد ما وتحمل شهادة منشأة من النفاذ لأكبر عدد من الأسواق الدولية. أما الميزة الثانية فهي كفاءة بيئة التصدير، نجد هذه الدول تسعى وبشكل حثيث ومتواصل إلى تحسين بيئة التصدير الخاصة بها سواء من الناحية التشريعية أو التنظيمية أو اللوجستية، وأن تكون بيئة التصدير تنافسية من حيث الوقت والكلفة للتصدير. علاوة على وجود الأسواق الممكنة وكفاءة البيئة التصديرية، يرغب المستثمر في بيئة استثمارية حمائية، وهذا يكون بأن تستخدم هذه الدول الأدوات الحمائية – في إطار منظمة التجارة العالمية - لصناعاتها من الممارسات الضارة بالتجارة مثل الإغراق والدعم، هذه الحماية ستكون بلا شك عاملا مهما لجذب واستمرار بقاء ونمو رؤوس الأموال في تلك الدول. ختاماً؛ المملكة العربية السعودية، كإحدى دول مجموعة العشرين وأكبر دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والإسلامية اقتصاديا، لا تزال من أقل الدول نسبياً استخداما لممكنات الأسواق، والأقل دخولاً في اتفاقيات تجارة حرة وإقليمية، كما أنها الأقل كذلك في اتخاذ إجراءات حمائية لصناعاتها ومستثمريها، فمنح رخصة الاستثمار يعد البداية، ختاماً التأهل إلى كأس العالم لا يعني الحصول عليه.