كل المخلوقات في حالة نمو مُستمر؛ ويبقى الإنسان الوحيد الذي وُهب مع نموه البيولوجي نموًا في العقل كي يطور من نفسه، ويعبد ربه، ويكتشف العلوم التي يستفيد منها، ويفيد غيره (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ). والتغيير سنة الحياة، وسبب لتقدم المجتمعات بعكس الجمود المقترن بالجهل وعلى الإنسان أن يبذل جهدًا لتغيير نفسه لأن تقوقعه في دائرة الجهل يجعله على هامش العالَم بينما تطوره سيحرره من قبضة الموروثات الخاطئة، ويجعله مؤثرًا في مجتمعه.. يقول غاندي: "عليك أن تكون أنت التغيير الذي تريده للعالم".. إن التغيير يبدأ بالاهتمام بالنفس في جميع جوانبها الجسدية، والعقلية، والروحية، ومواجهة المخاوف التي تحد من طموحها. والعِلم هو حجر الزاوية في التغيير؛ ولذلك كانت أول آية نزلت في القرآن الكريم تحث على القراءة التي هي بوابة العِلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق). وتقف أمام الإنسان بعض العوائق التي يسهل تجاوزها بسلاح العلم، والقدوات المؤثرة وعلى رأس هذه القدوات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد يقتدي الإنسان بالجزء الجيد في بعض الشخصيات الناجحة في المجتمع. وحين يريد الإنسان التغيير، ويعزم، ويتوكل على الله فإن الأمور التي يعتقد أنَّها صعبة؛ ستجلو ظلامها العزيمة الصادقة، والأدوات الصحيحة وأولها العلم لكن لابد أن يقترن العلم بالإيمان؛ حتى تتجلى النفس البشرية في أبهى صورها (يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمنُوا مِنكُمْ والَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ درَجَاتٍ).. ومع تراكم المعرفة في كل جوانبها، ووجود اليقين الصادق، والنية الحسنة ستصل إلى مرحلة الوعي؛ ومن خلالها ستتوسع مداركك. وأصعب تحدٍّ ستواجهه هو الاستمرار؛ فالنفس البشرية بطبعها تقاوم كل جديد لكن بالإرادة القوية، وتحويل هذه المكتسبات إلى عادات مُحببة للنفس؛ ستعبر إلى ضفة طموحك مبتهجًا بنتائج هذا التغيير؛ وحينها ستقطف ثمار جهدك، وستنقشع سحابة الجهل من سماء أفكارك. وستجد أن نفسك أكثر إنسانية، وأهدافك أكثر سموًا، وأولها رضا ربك الذي تستمد قوتك منه، وستعيش حياتك مُعتزًا بذاتك مناصرًا للقيم الإنسانية النبيلة هدفك إسعاد نفسك، ومن حولك فاعلًا في مجتمعك، محبًا لوطنك تحمل الحب، والتسامح، وتقدر قيمة الإنسان، متغلبًا على أهواء نفسك، صادقًا معها قبل أن تكون صادقًا مع الآخرين؛ بل ومتصالحًا معها تعرف نقاط قوتها، وضعفها، وتعمل على تطويرها؛ وستجد أن أخطاءَك مُجرد عتبات من الخبرات تسير عليها في طريق النجاح؛ وقبل ذلك كله ستعرف هدفك ورسالتك في هذه الحياة، وستحرر عقلك من قيود التخلف وعلى رأسها البرمجة التي قبلتها دون أن تُميز الصحيح منها، والخاطئ، وستندحر العادات البالية، والصور النمطية التي تنبعث من خلالها رائحة العنصرية النتنة، وسيطرة العقل الجمعي، وظاهرة ما يُعرف بسلوك القطيع؛ وستكتمل إنسانيتك وستصبح غنيًا بالعلم الذي حجبه عنك ظلام الجهل.. والتغيير ليس له وقت معين وقد تكون المناسبات الدينية التي يكون فيها الإنسان أكثر صفاءً إحدى فرص التغيير، وكذلك أوقات الفراغ مثل الإجازات وغيرها. Your browser does not support the video tag.