الشرق الأوسط يتشكّل من جديد بعد فشل مشروع «الفوضى الخلاّقة» الذي ارتد سلباً على سياسات أميركا في المنطقة، وخسرت معه مصداقيتها، وقوتها، وتركت فراغاً لقوى دولية وأخرى اقليمية للتحرك نحو مصالح مستدامة في أكثر من قطر عربي، وتدخل سافر في شؤون دول أخرى للضغط والمساومة والاستنزاف. خطاب الرئيس الأميركي عن البرنامج النووي الإيراني ليس هو المقصود في تفاصيله، واستغلال عوائده، وإعادة التعامل معه وفق استراتيجية جديدة، ولكنه مع ذلك (أولاً) فرصة لتعيد أميركا شيئاً من هيبتها، والحفاظ على مصالحها، والالتزام مع حلفائها، وتحديداً بعد قمم الرياض الثلاث، وبروز التحالفات الروسية الإيرانية التركية الجديدة، وتأثيرها على الأرض، ومشاركتها في الحل، وأطماعها في النفوذ والسيطرة. و(ثانياً) إبقاء إيران في واجهة الصراع على أساس أنها محور الشر القديم، ومساومة المنطقة وربما ابتزازها في التصدي لمشروعها، فلا يمكن أن ينتهي الصراع حتى لا تنتهي المصالح، ولا يمكن أن تعود إيران إلى رشدها وهناك من يضيء لها طرقاً أخرى للمواجهة والتصعيد. الرئيس ترامب كان محقاً في كل ما قاله عن إيران واتفاقها النووي الأسوأ في التاريخ، وما ترتب عليه من استغلال العائد الاقتصادي من رفع العقوبات واستخدامه في زعزعة الاستقرار في المنطقة، من خلال برنامج تطوير صواريخها الباليستية، ودعمها للإرهاب، بما في ذلك حزب الله والمليشيات الحوثية، ونقل القدرات والخبرات لهما، فضلاً عن تهديد ممرات الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي، وتنامي الهجمات السيبرانية لقرصنة الأنظمة الالكترونية للدول. كل هذه التفاصيل مهمة، ومتفق عليها، ولقيت تأييداً عالمياً واسعاً، ولكنها ليست كافية من دون القضاء على المشروع الإيراني في الخارج، وما ترتب عليه من التدخل في شؤون الآخرين، ونشر الطائفية، وتغذية الفتنة، وتحريك ميليشياته لاستنزاف دول المنطقة، وتهديد أمنها، ومصالحها. إيران لم تعد هذه المرة لوحدها في المواجهة، وإنما أصبحت جزءاً من صراع غير تقليدي قادم بين أميركا وروسيا على مصالحهما في المنطقة، وإرهاصاته واضحة في سورية، واللغة السياسية بين البلدين أكثر وضوحاً حينما وصفها ترامب بأنها في «أسوأ حالاتها على الإطلاق»، وهو مؤشر على أن أميركا لم تعد تفكر بمصالحها بمنطق القوة ويؤكد ذلك وزير دفاعها من أن الحل العسكري غير مطروح مع إيران، وليس لديها استعداد أيضاً أن تتخلى عن حلفائها خوفاً أن تخسر كل شيء، وما بينهما –القوة والحلفاء- تبقى التفاصيل معلقة إلى أن يحين الخروج من أزمة العلاقات الروسية الأميركية؛ لنعرف أكثر مصير إيران، وقبلها سيناريو المنطقة بثوبها الجديد.