عامنا الهجري على وشك أن ينتهي بكل ما مر به من أحداث هواجس وتكهنات بدأناها بتوقعات وها نحن ننهيها بتوقعات أخرى مختلفة. توقعاتنا الأولية أصاب البعض فيها والبعض أخطأ وكذلك سيكون الحال مع التوقعات المقبلة وحده سبحانه العالم بخفايا الأمور والمقلب للأحوال القادر على جعل آمال البعض حقيقة وتخييب آمال وظنون آخرين. عام حافل بمشاعر مختلفة منها ما هو مقتبس ومنها ما هو معتاد وبعضها جديد لم يُعهد من قبل هذه المشاعر مع التوقعات والتنظير والافتراضات كونت خليطا مركبا أشبه بمركبات الصيادلة عندما يصفها طبيب مداو من علة ما أو وقاية من الوقوع فيها لأنها أجبرت كثيرين على خوض تجربة أو تجارب ما كانوا مستعدين لها ومع ذلك جربوها وخرجوا منها بخبرة هي مكسب مهما بدا فيها من خسائر! أي تجربة مرت علينا في العام الماضي رفعت من قدراتنا الاحترازية وأعطتنا تحصينا كان ضروريا لمجتمع متهم بالرفاهية مهما كان مؤلما في بدايته، رفاهية اختلف حولها كثيرون منهم من يراها حقا ومنهم من يراها نقصا وعيبا والبعض منكر لوجودها أصلا. وما بين حقيقة واقع المجتمع بطبقاته المختلفة وبين ما يقال أو يدرس حوله وما تبع ذلك من قرارات كانت بداية لكل تجربة انتهت بمحصلة لها وتجارب كانت بحاجة لغربلة أو أنها مرت بلا فائدة مدروسة أو هكذا ظن البعض فيها مع مرور الوقت هذا العام سيكون تاريخا يذكر وسيجد فيه من هو راغب بدراسته مشاهد كثيرة تستحق أن تسجل وأن يُبحث في جوانبها وتوابعها أو محصلاتها بما فيها من غنى على المستوى الإنساني والمادي. في هذا العام المدبر مخاوف كثيرة أدبرت وحواجز كانت منيعة أزيلت وعاش المجتمع واقعا حقيقيا كان يحسبه افتراضيا يستحيل تحققه. ولو بحثنا لهذا العام عن اسم يستحق له أن يحمله لما وجدنا غير مسميات الجرأة مناسبة له فقد كان عاما جريئا حيويا بكل معطياته وبالرغم من اختلاف البعض حول هذه الجرأة وتخوفهم مما صاحبها من تغيير إلا أن الحيوية التي صاحبتها أعطت عمقا إنسانيا يصعب تحديده بالكلمات لكنه ماثل في قلب وفكر كل من عاش في هذا العام التجربة واستشعر جرأته والتغيير الذي صاحبها. ما يجدر بنا حقا أن نفعله هو أن نعود لتفاصيل هذا العام بعد أن أوشكنا على الخروج منه معافين أكثر حيوية وقوة نعود له كأفراد وكمجتمع وكمؤسسات. هذه التفاصيل وما دون حولها هي هوامش جديرة بالبحث لأنها كنز إنساني تجاربه الغنية تمثل كل لحظة وكل يوم عاشه الفرد والمجتمع في تفاعله مع متغيراته وما تطلبه ذلك من جرأة أو تعايش أو حتى رفض. لسنا الوحيدين الذين كان لنا فرصة خوض مثل هذه التجربة لكننا كنا الأوفر حظا لأننا عشناها بأمن وبسلام دون أن تزعزع فينا الثقة وتلك نعمة من الله علينا بها تستوجب منا الحمد لأننا كنا أقوى وأقدر على استيعاب كل متغير وتجربته بتفهم وحذر دون أي زعزعة أو تطرف أو دجل. الشعوب الراقية هي تلك القادرة على احتواء احتياجاتها ومخاوفها وتطلعاتها بنفسها وهي التي لا تسمح للغوغاء يوما أو المندسين بتولي شيء من أمرها مهما كان لهم من قوة أو تأثير. السعوديون هم شعب له مستقبل كبير مقبل وهذا ما يجب أن يستوعبه كل فرد منه مهما مرت به التجارب سيظل الأقوى والأقدر على النجاح في كل ما سيواجهه. ومع نهاية هذا العام الدسم ليس لي سوى أن أتقدم لولاة الأمر ولشعبنا الكريم بالتهنئة الخالصة مضاعفة على ما أنجزناه وختمنا به وبنجاح موسم الحج لهذا العام وما قدمناه لضيوفنا من خدمات بأمن وسلام وعلى عيدنا الذي عشناه بسلام ورضا. نسأل الله العلي القدير أن يعيده علينا أعواما مديدة وعلى الأمة الإسلامية ونحن بحال أفضل وقلوب أكثر محبة ورضا. وكل عام والجميع بخير.