تغيرات جذرية تطرأ على عالمنا وتفرض تغيرات بنفس الحدة على الإنسان، ممارساته أنماط تفكيره، توجهاته واستجاباته بالإضافة لتغيرات فسيولوجية وسيكولوجية. فمثلاً تشهد فرنسا رجعة لانتعاش السياحة وارتفاع نسبة تدفق السياح الذين يقصدونها. وذلك بعد الانخفاض الذي شهدته في العامين الأخيرين حين انحسر الإقبال السياحي عليها بسبب الخوف من الإرهاب، وتتساءل فما الذي أعاد الانتعاش رغم أن تهديد الإرهاب لايزال قائماً، وندهش حين نعرف الإجابة والتي تتلخص بأن الإرهاب صار محتملاً في كل مكان إذ لم تنج منه ألمانيا، ولا بريطانيا، ولا بلجيكا، ولا تركيا، ولا حتى روسيا، بالإضافة للعالم العربي. الإرهاب وببساطة يمكن أن يقابلك في أي مكان، ومن هنا طهرت المعضلة: هل يكف البشر عن الترحال والاكتشاف بعد أن وصلت البشرية لتحقيق معجزة قهر المسافات التي تقلصت وجعلت العالم بمتناول الجميع؟ هل ينجح الخوف في إسقاط هذا المنجز ودفع البشر للتقهقر لما وراء الحدود وأسوار القلاع طلباً للحماية؟ هل الحاجة الأهم للبشر هي الحماية أم الاكتشاف والمغامرة؟ لعل هذا ما أدار دفة الانتخابات الفرنسية الأخيرة حيث تلخص التحدي الذي واجه الفرنسيين في تيارين: تيار يدعو للانغلاق طلباً للحماية، وتيار يدعو للانفتاح والمغامرة طلباً لاكتشافات ومنجزات جديدة وانتعاش في الاقتصاد والثقافة عموماً، ولعل نتيجة الانتخابات وفوز إيمانويل ماكرون الداعي للوسطية والانفتاح يقدم شيئاً من إجابة، ولعل ما حدث في الحوار الأخير بينه وبين مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين التي تمحور برنامجها الانتخابي على الإغلاق، إغلاق المساجد، إغلاق الحدود، الانغلاق بوجه العولمة، والارتداد وراء الأسوار، وتطهير الداخل من الأجنبي بسحب الجنسيات وطرد المشكوك فيهم. فوز إيمانويل ماكرون بالنسبة الساحقة 66.1٪ وما سبقه من انتعاش السياحة ما هو إلا دليل على أنه رغم تصاعد أبواق العنصرية والانغلاق فإن البشرية ليست مستعدة بعد للتضحية بمنجزها الأهم ألا وهو الطي، طي المسافات، والفوارق البشرية، واللغات والحدود والوصول لوحدة إنسانية، وهذا لا يعني الوقوع في طوباوية، والركون لذلك الانتصار، إذ لن تكف أبواق النذير تدوي وتدعو للتقهقر للقلاع، ونشر المدافع لصد الآخر وسحقه. لن تفتأ الشكوك في الآخر والذات تهز معادلات التعايش السلمي والتبادل الثقافي نداً لند، لن تفتأ تغري البشرية نوازع الهيمنة الاستعمار وفرض الفكر الواحد والتسيد؛ بل وفرض العبودية للدم النقي.