في طريق عودته من دومة الجندل بحثاً عن الشيخ النوري بن شعلان مر النمساوي ألويس موزيل (موسى الرويلي) كما كان يلقبه البدو بمورد الماء المشهور (ميقوع) فأخبره الدليل أن ميقوع يمثل أحد أكبر موارد المياه أو مكان السقاية ذا الماء الدائم في الطرف الجنوبي لوادي السرحان كما قال. وهي آبار عميقة نصب عليها مقامات للسواني عبارة عن دراج سحب الماء من الاعماق وشرح له بالتفصيل آلية عمل هذه البكرات والرجال الذين يتوزعون في اماكن معينة بما فيهم الشخص الذي يقف بالقرب من الرافعة ينتبه كيلا ينزلق الحبل عن البكرة ويهزه بين الحين والاخر حتى تغوص الدلو في عمق الماء وأثناء سحب الماء يصرخ لهم عند اقترابها حتى يتوقفوا ثم يمسك بالدلو ويفرغه في الاحواض المصنوع بعضها من الجلد وفي حال أن تسحب الحبل امرأة كما يقول فإنها ترفع عباءتها حتى ركبتيها وترمي أكمامها الطويلين المنفوخين الى ما فوق كتفيها وتربطهما من الخلف حتى لا يعيقاها. مشيرا ضمن كتابه "في الصحراء العربية" الى أن الشباب كثيرا ما يحضرون الى موارد المياه كي يساعدوا عشيقاتهم في شد الحبل وسحب الماء من عمق البئر وفي هذه الاثناء يمكن أن يتحدثوا عسى الحيا يسقي مواريد ميقوع عساه يسقي ما قفه مع مردّه اليهن دون حرج ويمكنهم استعراض عضلاتهم ورفع أصواتهم بالغناء والالحان التي تغنى عادة في حال الانهماك في سحب الماء فمثل هذه الاغاني والاهازيج تروح عن النفس وتساعدهم على عدم الشعور بالتعب ويطربون من خلالها عشيقاتهم والحضور وبصفتها مكانا للتجمع الذي لا يهدأ على مدار الساعة وللتسكع يمكن من خلال هذه الموارد أن تحدث قصة عشق جديدة بسبب مشاهدة فتى لفتاة جميلة او العكس ولكن المؤلم ان موارد المياه مثلما هي تجمعهم في ليالي الصيف ولعدة أشهر تتحول الى ما يشبه مدينة صحراوية تعج بالحركة والحيوية يمكن للمعة برق في الافق البعيد هنا وهناك أن تشتتهم في غضون وقت قصير وبطريقة مفاجئة فترحل كل قبيلة صوب حدود ارضها في رحيل قد لا يلتقون بعده فيعاني العشاق لوعة الفراق وويلاته.. وليس على كل حال أن تظل أجواء موارد المياه مقتصرة على افراح وبهجة اللقاء السنوي للبدو دائما فمثل ما هي أجواء تَجَمّع وحب وتقارب وتجارة وتبادل أخبار هي ايضا يمكن أن تنطلق منها شرارة النزاع الاولى لتشعل حربا لا تنطفئ أبدا بين فئتين تنازعتا على أحقية الماء ومن يرد أولا فكثيرا من المعارك التي نشأت بين قبائل الجزيرة العربية كانت بسبب احتكار الماء ومنع القبائل الاخرى منه في ظروف لا خيار فيه الا بين موتة العطش أو احتمالية موت الحرب يذكر بعد ذلك أن أحد رفاقه عبر عن الموقف بصفته الفرائحية من خلال قصيدة ظريفة لم يذكر اسم ذلك الرفيق كما لم يذكر قائلها والقصيدة أوردها موزيل مكسرة وناقصة فبحثنا عن اصلها ووجدناها بروايات متعددة فضلنا عدم الخوض في خلفيات القائل الحقيقي. يقول الشاعر: عسى الحيا يسقي مواريد ميقوع عساه يسقي ماقفه مع مردّه عد ٍ تجمع به مقاطين وانجوع وكل يولم له حياض ٍ وعدة وانا عطان مغيزل العين قرطوع يا علي يا محلى طعام المودة أمسيت لا ضامي ولا صابني جوع واصبحت حالي بالشحم مستردة جيت الغضي ثوبه عن الساق مرفوع متحزم ٍ لرشاه وده يشده ورفعت ثوبي عن ذراعي الى الكوع ومديت بس بيوم تسعين مدة والله يالولا الحبل مثني ومربوع ما اطاوع اللقاي لو قال رده واني لا اخلي النزل جاضع ومجضوع ليمن يلزم كل بد ٍ لبده والسر ما يبدى على غير جدوع لا شاف زلة صاحبه ما يعده يبدأ بعد ذلك موزيل في ترجمة القصيدة وشرح معانيها بطريقة مبسطة وظريفة وهنا تكمن جمالية القصيدة وهو يحاول تفكيك معانيها وفق مفهومه كأوروبي وبما تقتضيه شروط الترجمة فيقول في شرحها بيتا بيتا والتي سيظهر من خلالها أن ابياتا ربما اسقطت من المترجم: ليملأ المطر أماكن السقاية في ميقوع. لتطفح البئر الاولى حيث يعود الحبل مع الدلو. هناك تتجمع المخيمات كبيرها وصغيرها. هناك يحضرن رافعات المياه والعدة. رأيت عذراء آسرة وكان ثوبها مرفوعا حتى ركبتيها. وكُمّاها مربوطين الى رقبتها وهي تشد بإحكام الحبل المرتخي. يا الله لو أن الحبل بطوله اربع مرات .. ما ذا ينفع. لم تصغ لمن يصب الماء بالرغم من أنها كانت تصرخ.. عد. بيدي لمست ذراعها حتى المرفق. وسحبت هي لي يدي الى الخلف تسعين مرة لا أقل من ذلك في ذلك اليوم. أحفظ السر مثل جيدو النبيل. الذي لم يبح بقصة حب أبدا. كان يؤوي أوغادا حيث يكون كل كسول مخيفا. لديه سيف يستطيع حده يشق الرؤوس. فعلت البارحة كما فعلت اليوم.. لم يؤثر فيّ أي جوع. لأنني أنظر. أرى أن شحمي قد عاد. بل ظمئي قد انطفأ عند ما قبلت اسنانك. يا حبيبي كم يكون طعم القبل المسموحة لذيذا. با لله أيها المدنسون والمدنسون احذروا هذا المخيم. بالله لن تدمر قبيلة قبيلة أخرى. سحب الدلو تصاحبه الأهازيج وبدع الأشعار المقامات توضع عليها السواني سعود المطيري