تعرف البيانات الشخصية بأنها بيانات الفرد الطبيعي، والتي تتشكل من أرقام أو سمات تفصح عن هويته الوطنية أو الاجتماعية أو المهنية ونحو ذلك، كالاسم، والعنوان، ورقم الهاتف، ورقم السجل المدني، ومكان الميلاد وتاريخه وغير ذلك؛ هذه البيانات تتمتع بالحصانة السرية لخصوصيتها والحماية القانونية لحساسية طبيعتها، ولذا وبجانب الحماية القانونية تحتاج لتوفير معايير فنية وإجراءات إدارية واضحة تبين كيفية جمعها، وتحدد طريقة حفظها ومعالجتها وصيانتها ومشاركتها ونقلها وتصديرها وتخزينها وفق خطوات وآليات تحقق أعلى معايير الأمان كيلا تكون عرضة للإفصاح أو التداول غير المشروع نظاماً. المؤسف أن محتوى المنظومة التشريعية في المنطقتين الخليجية والعربية يفتقد على حد علمي المتواضع لسابقة قانونية جماعية سواء ما كان منها في صورة قانون استرشادي موحد أو اتفاق إقليمي، بحيث تمكن الدول الأعضاء عبرها من الانطلاق التشريعي من حيث انتهت إليه هذه المبادرات عند سن قانون وطني خاص بحماية البيانات الشخصية؛ وذلك مقارنة بالكم الهائل من المعاهدات والصكوك الدولية الأساسية والعالمية والتي يمتد خطابها لحماية الحق في خصوصية البيانات في العصر الرقمي باعتباره أحد حقوق الإنسان؛ ولذا نجد أن أغلب القوانين المقارنة الصادرة في هذا الشأن استرشدت بما ورد من أحكام في توجيهات الاتحاد الأوروبي وإرشادات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي باعتبارها قوانين نموذجية اشتملت على الأحكام الموضوعية والضمانات الإجرائية والخطوات الكفيلة بتحقيق الحماية المنشودة لحماية البيانات الشخصية، ويُعد هذان القانونان الاسترشاديان بمثابة الركيزة لأي دولة عند المبادرة لسن قانون وطني لحماية البيانات الشخصية. حماية البيانات الشخصية قانونياً يندرج تحت الحق في الخصوصية كأحد أهم حقوق الإنسان الدستورية، والتي نص على حمايتها النظام الأساسي للحكم كوثيقة قانونية عليا، ولذا يمكن القول في ظل غياب قانون خاص بإمكانية التأسيس للحماية القانونية للحق في خصوصية البيانات استثناء في قوانين أخرى، حيث يمكن القول بوجود هذه الحماية في الحقوق الفرعية من حقوق الإنسان واستنباطها من "المبادئ التوجيهية" الدستورية، كما هو الحال في تأصيل الحق في الخصوصية كحق من حقوق الإنسان وأحد معاييره القانونية التقليدية، وهو ما ينسحب على حماية البيانات الشخصية لاتصالها بالشخص؛ كما يمكن الدفع كمسوغ قانوني بهذه الحماية بحسب القانون الذي يحكم العلاقة بين الأطراف محل التساؤل، والذي على ضوئه نشأت الحاجة لتقديم البيانات الشخصية، كما في أنظمة الاتصالات، المعلومات، العمل، المالية، الصحة ونحو ذلك؛ حيث لازالت منظومتنا الوطنية القانونية تفتقد لقانون خاص لحماية البيانات الشخصية، وإن كنا نسمع عن مبادرات مشروع نظام تطفو على السطح بين حين وآخر، ولكن لازال طريق ومصير هذه المبادرة التشريعية مجهول ويسير ببطء لا يساير سرعة التغير الرقمي وعصر العولمة، وبالتالي تظهر الحاجة التشريعية لهذا القانون للتصدي لما قد يلحق البيانات الشخصية من تجاوزات ومخالفات جراء هذا الفراغ النظامي؛ فأهمية هذا النظام تبرز يومياً على مستوى مختلف الأصعدة والمجالات أكثر مما مضى للتهيئة للتحول الجاري لبيئة رقمية ولتحقيق مستهدفات ما حواه "برنامج التحول الوطني" من مبادرات تتماشى مع ما ورد في رؤية الوطن 2030 من التزامات. ولهذا نقول إنه وفي ظل الثورة الهائلة لعصر المعلومات والهيمنة الإلكترونية على مفاصل التعاملات والمعاملات والعلاقات والخدمات الإلكترونية الحكومية أو التجارية وزيادة حجم ما يتم تناقله من مخزون للبيانات الشخصية، تزداد الحاجة لتوفير إطار قانوني خاص لحماية البيانات الشخصية يستجيب في مقتضياته مع ما فرضه العصر الرقمي من متطلبات؛ خصوصاً في ظل الانفتاح التجاري وما صاحب ذلك من قيام بعض الشركات الوطنية والأجنبية من تصدير وتناقل بيانات الموظفين أو العملاء الشخصية وحفظها في خوادم خارج الوطن، أو نقل مراكز خدمات عملائها ببياناتهم خارج الوطن، دون إدراك للتبعات القانونية المترتبة على هذا التساهل في مشاركة هذه البيانات الشخصية مع الغير، بجانب القصور في الاحتياطات المتخذة لحمايتها فنياً وأمنياً، مما نتج عنه أن أضحت بياناتنا الشخصية متداولة على نطاق واسع حول العالم، والدليل أن مكالمات غريبة ورسائل احتيال عجيبة ترد تباعاً لجميع أرقام الاتصال وبيانات التواصل المسجلة رسمياً تحت اسم عميل واحد. [email protected]