اختتمت في كييف أمس الأول - الجمعة - أعمال قمة متندى رابطة الخيار الديمقراطي وهو لقاء تأسيسي لمنظمة إقليمية كانت جورجيا وأوكرانيا مبادرتين لطرح فكرتها والسعي لتحقيقها بحيث تكون بديلا عن رابطة الدول المستقلة عمليا والسعي لتعميق تجمع مناهض لروسيا حتى ان بعض التصريحات الجورجية الرسمية لم تخف أن هذه المساعي تجري لتوحيد نشاطات من يرغب في الابتعاد عن فلك موسكو. وقد أثارت هذه الدعوة تعليقات حادة في روسيا التي تفهم المقاصد جيداً من وراء هذا التحالف المفاجئ وطبيعة التوجهات السياسية للدول المتحمسة لتكريسه حيث أعلن عن مشاركة رؤساء دول البلطيق وأوكرانيا وجورجيا ورومانيا وسلوفانيا وهنغاريا وبلغاريا وممثلين عن دول أخرى وكذلك رئيس منظمة الأمن والتعاون الأوربي ورئيس الاتحاد الأوربي والهدف المعلن هو تطوير سبل دعم الديمقراطية في المنطقة (التي تشمل بحر البلطيق وبحري قزوين والأسود والبلقان) وتطلق على نفسها مبدئياً منظمة أو رابطة الخيار الديمقراطي. ولعل من أهم ما يلفت النظر في اهتمامات هذه المنظمة الوليدة أنها تعلن كذلك سعيها للمساهمة الفعالة في تسوية الإشكالات المجمدة (ويقصد بالدرجة الرئيسية إشكالات جورجيا مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وإشكالات ملدوفيا مع بريدني ستروفي). ويبدو بوضوح أن الحماس لإنجاح عمل هذه الرابطة - المعادية لروسيا - أكبر من إمكانياتها على أرض الواقع فقد أعلن منذ الآن أن القمة الثانية ستعقد في رومانيا مارس القادم ثم اللقاء الثالث في مايو في ليتوانيا يعقبه لقاء رابع في جورجيا نفسها وهي فترات مسرعة لا يمكن فيها إعداد أية وثائق أو إجراءات جدية ناهيك عن عدم إمكانية تنفيذ ما يستحق المناقشة كإنجاز عملي على أرض الواقع خاصة أن المبادرين يطرحون فكرة انضمام دول جديدة تشاركهم في تطلعاتهم الديمقراطية (ونفورهم من روسيا). وإذا كانت روسيا تقود عمليا رابطة الدول المستقلة بثقلها الجيوسياسي والعسكري والاقتصادي فإن دور القيادة في رابطة كهذه سيوكل لأوكرانيا التي لا تستطيع بحال من الأحوال مجاراة روسيا في هذه القدرات (نشير هنا إلى أن مطالبة روسيا أوكرانيا مؤخرا بدفع ثمن الغاز الروسي وفق التعرفة الدولية يمكن أن يشكل حالة شبه كارثية للاقتصاد الأوكراني وهي قضية شائكة يمكن كذلك أن تخلق أزمة جدية بالنسبة لمصادر الطاقة الأوروبية). ويرجح معظم المحللين أن تكون عملية تأسيس رابطة كهذه نوعا من الابتكار الجديد لأوراق نوعية ضاغطة على موسكو التي باتت تحمي أوزبكستان وبيلاروسيا وللولايات المتحدة والغرب عموما حساسيات رهيفة معهما، وردا مبطنا على الدور الروسي الذي بات يعيق المشاريع الأمريكيةالغربية الساعية لتحقيق مزيد من الثورات الملونة في المجال السوفييتي السابق. ولم يكن صدفة أن يعبر رئيس الأركان الروسي الجنرال بالويفسكي في وقت متزامن مع انعقاد هذه القمة عن امتعاضه من مساعي الناتو لما أسماه محاولات شد بعض دول الرابطة للتعاون معه والابتعاد عن روسيا .