جامعة الملك سعود تنظم فعالية اليوم العالمي للطلبة الدوليين    ارتفاع صادرات السيارات في الصين بنسبة 15.7%    مقتل فتاة بهجوم روسي في شرق أوكرانيا    بيئه عسير توصيات تخدم صيادي مركز القحمة    استمرار برنامج "سُمو" الموجَّه لنزلاء دار الملاحظة    نائب أمير مكة يترأس الاجتماع الأول لمجلس نظارة وقف الملك عبدالعزيز للعين العزيزية    مركز الملك سلمان للإغاثة يشارك بالمعرض المصاحب لملتقى التسامح 2025م    دولة فلسطين ترحب بالقرار الأممي بشأن غزة    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    رفع الشكر والتقدير للقيادة.. الحقيل: 161 مليار ريال صفقات أولية في سيتي سكيب    من واشنطن وقلب البيت الأبيض.. محمد بن سلمان.. يرسم خارطة السياسة الدولية    «التحالف الإسلامي» يطلق برنامجاً لمحاربة تمويل الإرهاب بالنيجر    تعاون سعودي- أوزبكي لتطوير العمل النيابي    في ثاني ودياته استعداداً لكأس العرب.. الأخضر يواجه نظيره الجزائري على استاد الفيصل    بعد خروجه من حسابات كونسيساو.. الاتحاد ينوي إعارة «سيميتش» في الشتوية    مباريات حاسمة في تصفيات كأس آسيا 2027    ولي العهد يبدأ زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.. تعزيز الشراكة بين الرياض وواشنطن بمختلف المجالات    طالب بدعم الأبحاث العلمية.. الشورى يوافق على نظام براءات الاختراع    «الزائر الغامض» يقترب من الأرض    مدينة أمريكية تتيح سداد المخالفات بمواد غذائية    العقل والآلة    شيرين رضا تنضم إلى فريق «وننسى اللي كان»    إثراء يعيد رسم المشهد الإبداعي بالسعودية    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    الزهري الخلقي في أمريكا    إحباط تهريب 70 كلغ من «القات»    التجار النجديون في البحرين    العيش بدهشة مرتين    بحيرة طمية    الجوال يتصدر مسببات حوادث المرور في الباحة    «التخصصي» يعيد بناء شريان أورطي بطُعم من «قلب البقر»    الضمير الأخلاقي أهم مهارات المعالج النفسي    السعودية تعيد كتابة فصول مواجهة السكري    القادسية يتوّج بطلاً للشرقية في الجودو لفئة الكبار ب 18 ميدالية    المرأة روح المجتمع ونبضه    ماسك يتحدى أفضل الجراحين البشر    أكاديمية وزارة الداخلية لأمن الحدود تقيم دورة مدربي "الفلاي بورد    «الإعلام» تودع «أيام الثقافة المصرية» بحضور كبير..    حياتنا صنيعة أفكارنا    أمانة الشرقية توقع عقود استثمارية وتنموية ومذكرات تفاهم بتكلفة 5 مليارات ريال    ورحل صاحب صنائع المعروف    المفتي يستقبل وزير الحج والعمرة    أمير القصيم: محافظة عيون الجواء تشهد نموًا متسارعًا في كافة القطاعات    بنزيما: سعيد مع الاتحاد.. والدوري السعودي ينمو بسرعة لا تُصدّق    رينارد: أفتخر بتدريب «الأخضر» وسالم نموذج رائع    الاتحاد يفتح مدرجاته للأعضاء المميزين    فيصل بن بندر يطَّلع على تقرير «غرفة الرياض».. ويعزي الشثري    أوكرانيا تطلب 30 ألف نظام روبوتي أرضي لمحاربة روسيا    أمير المنطقة الشرقية يرعى انطلاق مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني    ولي العهد يغادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة عمل رسمية    بلدية مركز قوز الجعافرة تقدّم حزمة من الخدمات استعدادًا لموسم شتاء جازان    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    عدد من القيادات الحكومية يقدمون التعازي باستشهاد العمور    التسامح.. سكينة تزهر في القلب وتشرق على الملامح    التعاون مع رجال الأمن في الحرم ضرورة    في ملتقى نظمه مركز الملك عبدالعزيز.. نائب وزير الخارجية: المملكة تدعم الجهود الأممية لترسيخ الحوار    مختصون يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أناييس نن.. ماذا حدث للفرح في أمريكا؟
معطف فوق سرير العالم
نشر في الرياض يوم 27 - 04 - 2015

أنا مستلقية على أرجوحة من الشباك، في شرفة غرفتي بفندق ميرادور، مذكرتي مفتوحة فوق ركبتيّ، تسطع الشمس فوقها، ولا أنا أملك أي رغبة للكتابة. الشمس، الأوراق، الظلال، الدفء، جميع هذه الأشياء حية إلى درجة تخمد كل حواسي، وتهدأ خيالي. هذا هو الكمال. لا حاجة للوصف، لا حاجة للحماية. هذا أبدي، إنه يغمرني، إنه كامل.
السكان الأصليون هنا لم يتعلموا بعد من الرجل الأبيض اكتشافه للسفر بعيدًا عن الحاضر، قدرته العلمية على تحليل الدفء إلى مواد كيميائية، قدرته على تلخيص البشر إلى رموز. اخترع الرجل الأبيض النظارات، والتي تجعل الأجسام تبدو قريبة جدًا أو بعيدة جدًا، اخترع الكاميرات، المناظير، اخترع الأجسام التي تضع الزجاج بين الحياة والرؤية. إنها الصورة التي يسعى للحصول عليها، وليس النسيج، الدفء الحي، القرب البشري. هنا في المكسيك لا يرى السكان سوى الحاضر. هذه الطائفة من الأعين والابتسامات تثير النشوة. في نيويورك يبدو الناس وكأنهم لا يريدون رؤية بعضهم. فقط الأطفال هم من ينظرون بفضول ودون خجل. يا لتعاسة الرجل الأبيض، يتجول ضائعًا في تملّكه المغرور لبعد تصبح فيه الأجسام غير مرئية للعين المجردة، وكأن التحديق فعل وقح. هنا أشعر بأنني متجسدة وأشعر بحيازة جسدي بشكل كامل.
إقليم جديد من اللذة. خضرة أوراق الشجر ليس كأي خضرة؛ إنها أعمق، إنها مطلية ورطبة. الأوراق أثقل وأكثر امتلاءً، الأزهار أكبر. تبدو مرسومة بالعصارة، تبدو أكثر حيوية، وكأنها لا تحتاج إلى أن تغلق ثانية في وجه الصقيع، أو حتى في وجه ليلة باردة. وكأنها لا تحتاج إلى النوم. على الشاطئ جاءت نحوي طفلة تركت مجموعة من الأطفال وفي يدها قارب صغير مصنوع من الأصداف. أرادت أن أشتريه منها. كانت تبدو أصغر من عمرها، بالضبط كمجسم مصغر لطفلة، كما هم الأطفال المكسيكيون دائمًا، كائنات مشكّلة بنعومة وبأيادٍ وأقدام صغيرة وأعناق ضامرة، لينة، هشة، وجذّابة. في كل مكان توجد غيتارات. حالما يبتعد غيتار ما، يأخذ مكانه صوت غيتار آخر، لتستمر هذه الشبكة من الموسيقى التي ترتفع بالإنسان في رحلة تنقذه من الحزن، وتعلقه في مملكة من الاحتفالات. احتفالات. حفلات. عطلات. تنفجر بالألوان والسعادة. احتفالات جماعية. طقوس. أعياد هندية وأعياد كاثوليكية. أي سبب يكفي هنا لإقامة احتفال. حتى الفقراء يعرفون كيف يتأنقون في مدينة من قصاصات الأوراق الملونة الراقصة في الريح. ماذا حدث للفرح في أمريكا؟ الأمريكيون في الفنادق يقضون كل وقتهم في الشرب قرب أحواض السباحة. الرجال يذهبون لصيد طائر النحام، يطلقون عليه النيران للمتعة. أو يذهبون لاصطياد الأسماك ويزنون غنائمهم ليربحوا الجوائز. أعين المكسيكيين مليئة بالحياة الملتهبة. يجلسون القرفصاء وبجانبهم سلال مليئة بالفواكه والخضروات مرتبة بحس تصميم جميل، بفن زخرفي متناغم. أوتار من الفلفل الحار معلقة بالأعمدة الخشبية. رائحة الزعفران، وإيقاعات شاغال الملونة، ملابس الغسيل المعلقة كلافتات تتدلى من النوافذ، وفي الحدائق. الحرارة تسقط من السماء كلحاف من الصوف. حتى الليل يأتي دون أن تتغير درجة الحرارة، أو نعومة الهواء. بإمكانك أن تثق بالليل. هنالك إيقاع للطريقة التي تحمل بها النساء جرار الماء على رؤوسهن، وللطريقة التي يمشين بها ويوازنّ ثقل الجرار. هنالك إيقاع للطريقة التي يحملن بها أطفالهن ملتصقين بشالاتهن، وسلالهن ممتلئة بالفواكه. هنالك إيقاع للطريقة التي يسحب الصيادون بها شباكهم في المساء، وللطريقة التي يسير بها الرعاة خلف أغنامهم وأبقارهم. في الليلة الأولى استحممت واغتسلت بسرعة، خشية أن لا يستمر جمال الليل ونعومته المخملية، كنت أخشى إن تأخرت، تحوّله إلى برد وإلى قسوة. السماء الفسيحة تبدو كلوحة قماشية غير محدودة، لا يستطيع البشر جلب الصور لها من ذاكرتهم، لأنهم سيكونون خارج النطاق مع البحر اللانهائي، والسماء اللانهائية والنجوم، والتي تبدو أقرب وأكبر. إذن الذاكرة غائبة، متلاشية. أستلقي الآن على الكرسي مسترخية لأراقب مشهد الغروب والفصل الأول لليل. الطبيعة قوية جدًا ومخدرة لدرجة إبادتها للذاكرة. النادي الليلي في الفندق، يستضيف فرقة جاز تعزف مع عدد من الراقصين، ولأن همس البحر يحمل بعض النغمات الزائدة بعيدًا، فإن نقرات الطبول تصبح أكثر روعة، كقلب ضخم يستمر بالنبض. الجاز موسيقى الجسد. الأنفاس القادمة من النحاس. إنها أنفاس الجسد، وأنفاس الأوتار، العويل والأنين أصداء لموسيقى الجسد. إنه اهتزاز الجسد الذي يتموج من الأصابع. إنه اللغز المحجوب، لا يعرفه إلا من يعزفون الجاز، كأنه لغز حياتنا السريّة. ولا نعطي للآخرين إلا ارتجالًا هامشيًا منه. أشعر بأنني في وطني هنا في المكسيك، لأنني تعلمت الإسبانية عندما كنت في الخامسة من عمري، هذه الحيوية تذكرني بطفولتي في إسبانيا، الغناء يذكرني بخادمتنا كارمِن، التي كانت تغني طوال اليوم خلال عملها. الفرح في الشوارع، رقص الأطفال، الزهور على الشرفات، الجدران البيضاء المغسولة، النوافذ الخضراء، وفرة الزهور، حيوية المارة، كل هذا يذكرني ببرشلونة وهاڤانا. أدركت أنني بعد أن قضيت سنوات من حياتي في أمريكا، تعلمت أخيرًا أن أخفف عاداتي وطريقة لباسي. مازلت أتذكر ذلك لأن أقربائي الكوبيين أرسلوا لي ذات مرة بعض الملابس -والملابس في كوبا كانت كما في المكسيك، احتفاليّة الطابع-، ارتديت فستانًا مخمليًا أحمرَ وذهبت لعملي كعارضة عند أحد الرسامين، لا أستطيع أن أنسى التعبير الذي طرأ على وجهه عندما رآني أرتدي ذلك الفستان عند التاسعة صباحًا. السير بوزن ثقيل على حذاء من الكعب العالي، هو ما تفعله الكوبيات والإسبانيات أيضًا، ابتساماتهن العريضة، هدايا قهر الحزن والقلق، النزعة الدائمة للسعادة، كل هذا مألوف بالنسبة لي ودافئ ومريح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.