كم يُفرح الإنسان بعض التظاهرات التي توقظ في نفسه معنى التفاؤل حتى ولو للحظة من اللحظات .. وكم يفتخر في ذات الأمر إذا أحس من داخله أنه قد صار رقماً له شأنه في ذات المنظومة وان باستطاعته ان يرى ويشاهد بمعاينته هو ما يرضي به حلمه. لقد كان لمدينة الرياض في الأيام الفارطة موعداً مع أنبل وأبهج عرس ثقافي منذ عرفتها وهو معرض الكتاب الذي نظمته وزارة الثقافة - ولا أدري في هذه المناسبة متى يحس المثقف بأن له كياناً ، مرفقاً ، جهة ، اسمها الثقافة لا تقاسم ولا تضاف - أقول معرض الكتاب الذي كان مغايراً لكل ما سبقه سواء في التنظيم أو في المحتوى ، فالبروتوكول الذي كان من ضمن الفعالية كان معقولاً ومن ثم دافعاً لكل المراقبين كما ان الذين أشرفوا لهم حظوظهم مع الجمهور الذي ظل مندهشاً إلى أبعد حد ليس لأن المعروض هو كل ما يتمناه ويطمح إلى تبنيه ابن هذا الزمن ولكن لأنه قد قفز به إلى الأمام واعطاه الأمل في تذليل بعض التراكمات التي أغلقت المجتمع أو انغلق بواسطتها لعدة عقود ، وبمجرد رؤيتك لمسميات بعض دور النشر التي تجتهد في تسويق الكتب المفتوحة والتي تحاكي مثيلاتها في عالم اليوم كاف بغض النظر عن المتواجد في هذا المعرض من مقتنياتها ، وأنا عندما أتكلم أو أذكر هذه الدور التي تعتني أو تهتم بالكتاب الذي يحرك في القارئ تصاعدية المتابعة أدرك أنها من المألوفات في كثير من الأقطار المجاورة وان مسألة ارغام القارئ على قراءة كتب تختار له لم تعد من ضمن التوجه .. وما ازاحة الصورة الباهتة إن وجدت إلا من مهمة المتنورين الذين يعون المسار الحقيقي ومن ثم ايقاع المرحلة .. دعك من الرقيب الذي يريد ان يقرأ ويغيب ذهنية البشر أو ذاك الذي لم يع من الرسالة إلا مناكدة الغير لكي يرضي رغبته التي لم يبصر بها من الحياة إلا ما كان قاتماً ومشكوكاً فيه .. وليس خافياً على أحد ان المبدعين والمؤلفين قد صارت لغاية لديهم ان يطبعوا وينشروا أعمالهم خارج حدود الوطن. وفي هذا السياق لا أظن - بل أجزم - ان أياً كان ممن حضر المعرض سينسى ما أثاره البعض الأمر الذي يشيء بالفرقة والتأزيم ، والأمل في العقلاء ان ينتبهوا جيداً وأن لا يحرجوا مجتمعنا بمثل تلك الحركات الخارجة عن التاريخ ، كذلك بعض الاستطلاعات التي واكبت الافتتاح والآراء المصاحبة لبعض الكتاب تجاه المعرض. إن معرض الكتاب هذه السنة قد دفع بالمؤشر وترك أثراً جيداً وتهيئاً ملفتاً للجماهير كما أكد أن وزارة الثقافة قد تكون على مسافة من الرؤية المعاصرة وقد وفت مع مواطنيها الذين قد لا تسمح لهم الظروف بملاحقة كل جديد أو دعنا نقول وبأولئك الذين اختصرت لهم المسافة فأكبروا هذه الخطوة الحضارية ، وهذا القول لا يمنع من شحذ الهمم وزيادة الانفتاح خاصة وان المسؤولين قد وعدوا بالأفضل والأكثر تنوعاً وتنظيماً في السنوات المقبلة أو هكذا فهمت من بعض التصاريح التي رشحت أو واكبت تلك التظاهرة ، ولنتذكر ان المواطن مهما كان لا يساوم على وعيه فليمكن من الفرص التي تعينه على المعرفة في هذا الزمن المعلوماتي الهائل.