لابد أن نعي أن الصوت لا يحلق من خلال الجعجعات وسوق الألفاظ المتنافرة لأن الخلق الرائد منتظم التقنية أليف الأداة وهذا هو الفاصل ، والرائع أن يكون الوعاء لصيقاً بمحتواه أي موافقاً وسهلاً يعطيك معرفة ملائمة لطبعك بل يوقظ فيك الغبطة أو النشوة للتطلع .. وأعتقد ان مثل هذا لا يتوفر إلا في ذات العمق ونفاذ الملاحظة في داخل هذا البناء أما ما ينتهي بلحظته أو حتى زمنه فهذا له أمره. وخلاصة ما أود توضيحه هو أن الفرق بين الاهتمام بالأثر المتابع وبين عدم الاهتمام لا يكمن في الموضوع والفكرة على حد ما ذهب إليه بعض الدارسين ، وانما الفرق قد يكون ذوقياً محضاً لا علاقة بينه وبين أهمية الحدث أو الموقف .. وغير هذا من الممكن أن نرجع إلى آراء بعض النقاد المعاصرين لنرى ان الذوق أو الميل لازال يتحكم في العديد من نتاج أكثر من نابه وأكثر من مشهور فإذا سلمنا بهذه الحقيقة أدركنا كيف نقرأ وكيف نميز لا ان نسلم كلية بما يكتبه من يركض أو من يعمم على هواه. والشيء بالشيء يذكر فقبل سنوات مقدرة كان هناك اضافات وآراء ملموسة لنفر من أدباء العربية ، وكان هناك شوق لا ينقطع ومتابعة من المهتمين بالشعر خاصة وكان المتلقي في تلك الفترة كثيراً ما يجد نفسه بين الكتابات. إما ان يجد الخيط الذي يعينه ويسير بمتقضى ذلك السلوك - النشاط - أو يقرع الغافي من بله الذاكرة فيعيد التجميع ويجدد الحصيلة ، ولسنا هنا في معرض التعميم وخلط الآراء وإنما الواجب ان نتحرى الدقة وشرعية الملاحظة فمن المعقول ان نخالف آراء الكثير من الأدعياء والمتسرعين في طرح القضايا لأن الكلمة المنشورة لذات النشر ودواعي الشهرة أخذت الطريق المقروء وأظنها تكاد ان تبتلع كل المسافات المشرعة ومن ثم لا مشاحة إذا سمعنا عن العلامة ، أو الكاتب الكبير ، أو الموسوعي أو ما شابه هذه الألقاب .. اما إضافة هذا العلامة أو هذا الموسوعي فلا يهم ، المهم انه لازال يعرض نفسه ، ومتابعوه من هذه الوجهة لازال يحق لهم ان ينظروا من خلال هذا المفهوم مادام ان المسألة كتابة ومساحة يركض فيها من شاء!!. أما كيف كانت الكتابة التي أشرت إليها في مطلع حديثي وكيف كان القارئ يجد نفسه حينما يقطعها الثمين من وقته فهي: الكتابات التي برزت لتحدث هزة معقولة في الذهن كما قدر لها أولئك الرجال وكما أملته من الأحداث بين الفينة والأخرى أو تجاوزته من الردود المتباينة بين المتسائلين والمقتنعين .. ولن نذهب بعيداً أو نبحث عن الإعلاميين وإنما سنأخذ دراسات: كمال أبو ديب (بنيوية الشعر) أو بنائية الشعر كما تقرر العربية نطق هذه الكلمة - وكدلالة أبعدتنا عن الدوران حول ماهية الذوقيات ودلفت بنا إلى مضامين العطاء مباشرة كما جمعت إلى حسن الاختيار تعميق التجربة في ذات البناء. اما المثال الآخر فهو دراسة الأديب العراقي عبدالصاحب المختار وخاصة نظريته في أوزان الشعر التي آثر تسميتها ب(دائرة الوحدة) أو نظرية (دندن) ومهما يكن من التجاوزات إلا انها برزت من داخل الثبات الوزني للشعر العربي أو ما يسمى باكتشاف الخليل بن أحمد الفراهيدي .. مثل هذه الكتابات وإن لم يكن هذان المثالان من أندرها هي التي صرنا نفتقدها وإن رأيناها تطل علينا من داخل مسح طيبي الذكر أصحاب الألقاب فإنما يعني هامشية هؤلاء وعدم استيعاب المرحلة التي الهمت أولئك ومنحتهم ذلك العمق. محطة.. أبيات من إحدى قصائدي وأنا أخو مذحج: راقتْ ورقّت نعمة واللين في بنت المدينَةْ!! وتمازجت ألوانها إثر الملاطفة الأمينَةْ!! فسمت إلى أوج الهوى للنور عن بللٍ وطينَةْ!!