الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    "باحث": لا يوجد أدلة على أن الاستمطار يحدث هطول أمطار شديد    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    80 شركة تشارك بمعرض المنتجات الوطنية السعودية بقطر    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    الإيرادات تقفز بأرباح "تداول" 122%    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    لتقديم أفضل خدمات وحلول التمويل.. شراكة استراتيجية تجمع «بان» و«أبعاد»    «السبع» تتخلى عن مصادرة أصول روسيا    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    الأرصاد: توقعات بهطول أمطار على أجزاء من منطقة الرياض    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    يسله وجيسوس يحذران المهددين من «الإنذارات»    «مهندس الكلمة» عاصر تحولات القصيدة وغيَّر أبعاد الأغنية    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    «الجمارك»: استيراد 93,199 سيارة في 2023    لا تظلموا التعصب    أنقذوا «سلة الحقيقة»    معالي الفاسد !    «كاكا» الصباغ صرخة سينمائية مقيمة    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    القيادة تعزي رئيس الإمارات وتهنئ رئيس بولندا    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    مفاوضات هدنة غزة.. ترقب لنتائج مختلفة    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    70 % نسبة المدفوعات الإلكترونية بقطاع التجزئة    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    مجلس الشؤون الاقتصادية يشيد بالنمو المتسارع للاقتصاد الوطني    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    "زرقاء اليمامة".. أول أوبرا سعودية تقدم تفسيراً لإحدى أقدم الأساطير    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    انطلاق فعاليات «شهر التصلب المتعدد» بمسيرة أرفى    سفير خادم الحرمين في الفلبين يستقبل التوءم السيامي وأسرتهما    طريقة عمل بسكويت النشا الناعم بحشو كريمة التوفي    النملة والهدهد    «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف»    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
نشر في الندوة يوم 05 - 02 - 2009

قبل أيام كنت قاصداً المسجد قبل أذان العشاء بدقائق ، وكان الناس والمحلات على حركتها والشارع على زحامه والأصوات على صخبها ، وشاهدت مما شاهدت خلافاً بين اثنين علا صوتهما وقد التف حولهما البعض لفك الاشتباك وترضية الخاطر ، واتضح أن الخلاف على مال احدهما يطلب حقا والثاني ينكر عليه ما طلب واتهامات متبادلة ، ولا أخفي عليكم فقد دنوت منهما ودعوتهما لذكر الله وأن يتراضوا ويستعدوا للصلاة ، ولكن واأسفاه لم تلن القلوب ولم ينطفئ الشر ، بل زاد فتركتهما إلى المسجد مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم وفي نفسي مرارة من حال البعض .. اسأل الله لنا وللجميع العفو والعافية والهدى والتقى.
المؤسف أن مظاهر كبيرة في الحياة باتت مخيفة ، وأحياناً أفكر إلى أين عباد الله ذاهبون وقد أصبحوا على ما هم عليه من تكالب على المادة ومتع الدنيا الزائلة وما أصبحت عليه القلوب من قسوة وجفاء وبيننا من لم يعد لديه وقت لذكر الله إلا من صلاة إذا أقامها نجده يخرج مسرعاً مهرولاً بعد التسليم لينتشروا في الأرض ، ولكن ما هكذا يكون السعي وابتغاء فضل الله على حساب إعطاء العبادة حقها ، وقد استثقلوا دقائق للصلاة بعد ساعات من نوم أو عمل .. مجرد دقائق لختام الصلاة أو قراءة آيات من القرآن الكريم والتزود بخير الزاد .. في المقابل نجد كثيرين ينتظرون أمام الأسواق في أوقات الصلاة وآثروا الانتظار أمام الأبواب حتى تنتهي الصلاة ، وما أن يدركوا انتهاءها يستثقلون الثواني انتظاراً لفتح المحلات ويبدون ضجرهم من أصحابها أو العاملين فيها.
ذات مرة قال لي صاحبي وقد شكا من تغير الدنيا ، فقلت: (بل أهلها هم من تغيروا ، فالدنيا هي الدنيا ، والحياة هي الحياة ، والعمر هو العمر في فقر أو غنى ، رضا أو سخط، قناعة أو جشع ، فالدنيا بأهلها وبما يفكرون ويتعاملون ، وقد أصبحت عند البعض أكثر همهم ومبلغ علمهم والعياذ بالله ، فقست القلوب كالحجارة أو أشد قسوة ، ولو تدبروا حال الدنيا الزائلة وتذكروا الموت والقبر والحساب والجنة والنار لجعلوا من حياتهم مزرعة للآخرة وأقاموا تجارة مع الله لن تبور ، فكم ودعنا من أحبة وأقارب وشيعنا من نعرف ومن لا نعرف. قال الله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون).
يا إخوان إن القبر موعدنا .. فهل أعددنا العدة وتزودنا بخير الزاد لرحلة أخرى لن يكون فيها للإنسان إلا ما قدمت يداه بالعدل والقسطاس (يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله). إننا لاشك نحزن على فراق الأحبة وتدمع العين على من فقدنا لأنهم رحلوا وغادرونا ، مع أن الحقيقة أننا سائرون على الطريق نفسه وإلى هذا المصير متجهون ونقترب مع كل يوم وكل ساعة تمضي من العمر ، فهل من متذكر.
فلكل بداية نهاية ، ولكل قوة ضعف ، ولكل حياة موت ، وهذه هي الحقيقة التي لاشك ولا جدال فيها .. يقول تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) .. وقال تعالى: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة). وقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على العظة من الموت وحثنا على زيارة القبور لردع النفس وتذكر الحقيقة الأكيدة ، فقال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات).
إن الإنسان لظلوم لنفسه ، فوسط مشاغل الدنيا ومغرياتها التي أحاطت بالناس في هذا الزمان وأنست كثيرين منهم دورهم ورسالتهم في الحياة ، فأقبلوا على متعها واتبعوا الشهوات. لذلك أذكر نفسي وقارئي العزيز بأن الذي يعيش وأمامه النهاية المحتومة لاشك أنه يتزود بالتقوى ويعيش راضيا مطمئنا بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فليس هناك أصدق من الموت عبرة ومن حياة القبور عظة.
يروى أن أبي الدرداء صعد درج مسجد دمشق فقال: (يا أهل دمشق: ألا تسمعون من أخ لكم ناصح ، إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيراً ، ويبنون شديداً ، ويأملون بعيدا، فأصبح جمعهم بوراً ، وبنيانهم قبورا ، وأملهم غرورا). وبقي في أهل دمشق سنين يخفف أثر هجمة المال ، ثم أورث هذه الفكرة أهله ، فكان الرجل منهم يأتي أم الدرداء يستنصحها فيقول: (إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء ، أجد قسوة وأملا بعيدا). فتقول رضي الله عنها: (اطلع في القبور ، واشهد الموتى).
دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال: يا أبا ذر أين متاعكم. فقال: إن لنا بيتا نتوجه إليه ، فقال: إنه لابد من متاع ما دمت ها هنا: فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا ها هنا. وكان عثمان بن عفان إذا وقف على القبر بكى حتى يبل لحيته ، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه).
ولأن الذكرى تنفع المؤمنين ، أقول: ما بال أقوام يسهون عن الصلاة أو يفرطون فيها .. وما بال من يتهاونون في أداء الزكاة .. وهناك من أخذتهم الدنيا وشغلتهم عن صلة الأرحام ، بل من يعق والديه أو يتطاول عليهما بدلاً من الرحمة والرفق بهما والدعاء لهما كما ربياه صغيراً .. وما بال أقوام يستمرئون الظلم وأكل حقوق الغير وخاصة العاملين في أشغالهم ومنازلهم .. وإلى كل من ينام عن صلاة الفجر .. ومن يجالس أهل السوء والغي والبغي .. وإلى من يغلو ويرهب عباد الله الآمنين ويزهق نفوساً حرم الله قتلها إلا بالحق ويسيء إلى الدين الحنيف .. وإلى كل من يهجر الصالحين ومجالس الذكر ، ويغفل عن ذكر الله تعالى: أما آن الآوان لمراجعة النفس وزجرها وحسابها ونهيها عن الهوى قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟.. أما آن الأوان أن نتدارك ما تبقي من الأعمار؟ .. أما آن الأوان أن ننتبه من الغفلة؟ .. أما آن الأوان أن نستيقظ من رقدتنا؟.
شيع الحسن جنازة فجلس على شفير القبر فقال: (إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإن أمراً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره).
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: (ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى عنك بعد الموت .. ثم بكي رحمه الله.
اللهم ارحم في الدنيا غربتنا وارحم في القبور وحشتنا وارحم موقفنا غدا بين يديك ، واجعلنا من عبادك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
حكمة:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.