الداخلية: ضبط (20882) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    استشهاد 13 فلسطينيًا في قصف على غزة    المركزي الروسي يرفع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الروبل    أمطار رعدية وبرد ورياح مثيرة للغبار على جازان وعسير    الإعلان عن علاج جديد لارتفاع ضغط الدم خلال مؤتمر طبي بالخبر    أسماء لمنور وعبادي الجوهر يحييان ليلة طربية في موسم جدة    إلا إذا.. إلا إذا    إدراج منهج الإسعافات الأولية للمرحلة الثانوية لتعزيز مهارات السلامة    من العيادة الاجتماعية    شمعة تنفذ لقاء تعريفي عن طيف التوحد الأسباب والدعم    جمعية التنمية الأهلية بأبها تختتم مشروع "رفد للفتيات" بدعم المجلس التخصصي للجمعيات وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق برنامجي عناية وقناديل    أمانة القصيم توفر 290 منفذ بيع عبر 15 حاضنة بلدية لتمكين الباعة الجائلين    الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مجلس الجامعة العربية يُحذر من مخاطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط    "الأخضر تحت 18 عاماً" يتأهّل لنهائيات بطولة العالم للكرة الطائرة الشاطئية    «سمكة الصحراء» في العُلا... طولها يعادل طول ملعبَي كرة قدم    كأس السوبر السعودي للسيدات : الأهلي يضرب موعداً مع النصر في النهائي    إيطاليا تستهل حقبة جاتوزو بخماسية ضد إستونيا بتصفيات كأس العالم    غرينوود على رادار النصر مُجددًا    مبابي وأوليس يقودان فرنسا لبداية مظفرة لتصفيات كأس العالم    ترمب: أميركا ستستضيف قمة مجموعة العشرين 2026 في ميامي    الاتحاد يتعاقد مع البرتغالي"روجر فيرنانديز" لاعب سبورتينج براجا    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    حين تتحول المواساة إلى مأساة    الذهب يسجل مستوى قياسيا بفضل توقعات خفض الفائدة    هيئة الموسيقى و«فيلهارموني باريس» يوقعان برنامجًا تنفيذيًا للتعاون في مجال الموسيقى    إنزاغي يُسجل ثنائي الهلال الأجنبي في النخبة ويتمسك باستمرارهم    حقيقة تحمل الهلال راتب ميتروفيتش في الريان    خطيب المسجد النبوي: الظلم يُذهب الأجر ويقود للهلاك    خطباء المملكة يخصصون خطبة الجمعة للحديث عن مكانة كبار السن وحقوقهم    خطيب المسجد الحرام: الحسد من أعظم ما يُنغص على العبد طمأنينته    التربية بين الأنْسَنة والرقْمَنة    ملامح عامة في شعر إيليا أبو ماضي    مفردات من قلب الجنوب 19    حملة الدراسات العليا بين الموارد والتعليم    من قلب الأحساء إلى العالمية... حكاية اللومي الحساوي    هل الروبوتات أكبر خطر يُهدِّد البشريّة؟    كل عام وأنت بخير    كيف ستغير رسوم الأراضي البيضاء مسار السوق العقارية ؟    الرواية.. سحر الحكاية وشغف القراء    اضطراب المساء عند كبار السن (متلازمة الغروب)    النوم عند المكيّف يسبب الخمول    الجوف تشهد انطلاقة أعمال السجل العقاري    محافظ الخبر يدشن المؤتمر الدولي الخامس لمستجدات أمراض السكري والسمنة    ضبط 26 مخالفًا لتهريبهم (450) كيلوجرامًا من القات المخدر    السعودية تفرض قيوداً على لعبة روبلوكس لتعزيز الأمان الرقمي    غرفة الرس تستعرض منجزاتها في الدورتين الثالثة والرابعة    استخدام الإنترنت في السعودية يقفز ل 3 أضعاف المعدل العالمي    أوروبا تعتبر لقاء بوتين وشي وكيم تحدياً للنظام الدولي.. لافروف يتمسك ب«الأراضي» وكيم يتعهد بدعم روسيا    لا أمل بالعثور على ناجين بعد زلزال أفغانستان    احتجاجات إسرائيلية قرب منزل نتنياهو للمطالبة بصفقة غزة    القيادة تعزّي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان    حُسنُ الختام    اليوم الوطني السعودي.. عزنا بطبعنا    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    ميلاد ولي العهد.. رؤية تتجدد مع كل عام    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.بوشوشة: الأدب المغاربي ما عاد يستسيغ البقاء في محيط الهيمنة المصرية
نشر في المدينة يوم 22 - 02 - 2012

على مدى أربعة أيام في مدينة الباحة حضورًا لمهرجانها الشعري المصاحب لإعلان جائزتها الثقافية في دورتها الأولى الذي أقامه ناديها الأدبي، كنت أطرح هذه الأسئلة على الناقد التونسي الدكتور بوشوشة بن جمعة.. ثم تبلورت فكرة تدوين كل ذلك في حوار مكتوب عند قرية ذي عين الأثرية.. ما طرح من أفكار ورؤى في هذا الحوار لا تفك مغاليقها الإشارة باللمح العابر، فدونكم هذا الحوار..
إنجاز إيجابي
* ضمن ثلاثة حكمت جائزة الباحة الثقافية.. على أي الوجوه تقرأها وماذا ينقصها لتبلغ تمام الإشراق؟
يعتبر رصد النادي الأدبي بمنطقة الباحة لمثل هذه الجائزة الثقافية الكبرى، انجازًا إيجابيًا منتجًا، في زمن ينحسر فيه مدّ الفعل الثقافي عامة في عالمنا العربي، ومنه فعل الإبداع الأدبي في شتى تنويعاته الأجناسية، وذلك بسبب تعاضد العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ثم إن هذه المبادرة التي قام بها نادي الباحة، هي تحفيز لأقلام المنطقة حتى تكتب في نقد المشهد الشعري لشعراء الباحة، مثلما دأبت على الإبداع الشعري وذلك بغية تحقيق بعض التوازن بين المشهدين الإبداعي الشعري من جهة والنقدي الشعري من جهة ثانية باعتبار التفاوت الحاصل بينهما، إذ بقدر ما حقق الأوّل تراكمًا يتوفّر على النوعية، بقي الثاني محدودًا، وهو التفاوت الذي يكسب مثل هذه الجائزة الثقافية الكبرى للدراسات النقدية حول شعر شعراء الباحة، المشروعية أولاً، والإنتاجية النقدية ثانيًا، باعتبار ما ستسدّه مثل هذه الدراسات من فراغات، وما ستسند به هذا المشهد الشعري من تقويم وإضافة لمنجزه، ذلك أنه لا يمكن للإبداع الشعري أن يتجاوز منجزه ما لم تسنده حركة نقدية تمتلك شروط الوعي النظري للإبداع الشعري وطرائقه الإجرائية، وإلا سقط في التكرار؛ لأن جوهر أي إبداع - بما فيه الإبداع الشعري - هو التجريب والبحث عن المبتكر من أشكال الكتابة، وصور المتخيّل، ومستويات اللغة، وأنساق الأسلوب. ولئن خُصّصت هذه الجائزة في نسختها الأولى للإبداع الشعري لمنطقة الباحة؛ فإن نسختها الثانية ستكون خاصة بالإبداع القصصي والروائي. ثم ولئن اختصت بالمشهد الإبداعي للباحة فإن ذلك يعدّ خصيصة من خصائصها، باعتبار ما يزخر به الواقع المحلي لمنطقة الباحة من ثراء وتنوّع، في مختلف مجالات الإبداع الأدبي والفني.
عرس شعري
* جلست في مقعد الإنصات لثلة من الشعراء جاؤوا من رقع جغرافية مختلفة لملتقى الباحة، فما الذي خرجت به؟
بدءًا يعدّ جمع هذا الكم من الشعراء، من داخل المملكة وخارجها، في مدينة الباحة، حدثًا في حد ذاته؛ حيث احتضن عرسًا شعريًا، تنوّعت الأصوات التي أثّثته وتفاوتت فنيًا، بحكم تفاوت تجاربها الشعرية من حيث الموهبة والخبرة والوعي بمسالك الكتابة الشعرية وآلياتها. وهو تفاوت طبيعي لا يمكن أن ينقص من قيمة هذا المهرجان الشعري العربي الأوّل، فكل الأقلام الشعرية بدأت صغيرة قبل أن تكبر، ومرّت بمراحل بحث وتريب قبل أن تستقيم لها أدوات الإبداع الشعري، وإنّه لمن المهم أن تفيد الأقلام التي لا تزال تبحث عن خصوصية خطابها الشعري في المشهد الشعري السعودي المعاصر من تلك الهامات الشعرية التي تشكّل علامات نوعية كرّست تفردها محلّيًا وعربيًا وحتّى عالميًا من مثل: المنصف المزغنّي من تونس، وأحمد بخيت ومحمّد أبودومة من مصر؛ فالأكيد أنّ الإفادة حاصلة من خلال تفاعل التجارب الشعرية مع الإلماح إلى وجود مواهب شعرية سعودية واعدة بمسيرة إبداعية متميزة محلّيًا وعربيًا، ستشكّل روافد إغناء وتنويع، وعلامات تحوّل نوعي في المشهد الشعري السعودي المعاصر.
اتجاهان متجاذبان
* من واقع البحوث التي اطلعت عليها في هذه الجائزة ومتابعاتك السابقة.. هل تكونت لديك صورة واضحة عن المشهد النقدي السعودي.. وهل تراه واكب الانفجار السردي الهائل في السنوات الماضية؟
سمحت لي البحوث النقدية التي تقدّمت للجائزة الثقافية لنادي الباحة الأدبي، فضلاً عن اطلاعي المسبق على العديد من الكتابات والمؤلّفات النقدية في المجالين الشعري والسردي، بالوقوف عند اتجاهين يتجاذبان الخطاب النقدي السعودي؛ أولهما محافظ منشدّ إلى التراث البلاغي والنقدي القديم، إذ يرى فيه النموذج / المثال لمقاربة النص الأدبي، من خلال نظرة صفوية للمنجز النقدي العربي القديم، مقابل نظرة دونية للمناهج النقدية الحديثة ومنجزاتها النظرية والإجرائية.. أمّا ثانيهما فهو الاتجاه الحداثي، الذي يسعى إلى الإفادة من منجزات المناهج الأدبية الحديثة، النظرية منها والإجرائية في تمثّل النص الأدبي وفهمه وتحليله وتأويله، بمنأى عن التعصب والأحادية.. والاتجاهان يتعايشان داخل المشهد النقدي السعودي تعايشًا يتحوّل أحيانًا إلى تجادل يدرك الاختلاف بفعل اختلاف مرجعيات كل اتّجاه ومقوماته النظرية والإجرائية ومقاصده. كلّ هذا؛ ويبقى النقد السعودي الحديث والمعاصر دون ما حقّقه المشهد الإبداعي / الأدبي في شتى تنويعاته الأجناسية من تراكم في مدوّنته النصّية؛ الشعرية منها والسردية، لا يخلو من تجارب نوعية أثبت أصحابها امتلاكهم لشروط الوعي النظري بالممارسة الإبداعية وآلياتها الإجرائية.. وبناء عليه يتجاذب هذا النقد اتجاهان؛ أولهما تقليدي / قديم يرى في التراث اللغوي والبلاغي والنقدي القديم النموذج المثال، وثانيهما النقد الحداثي المنفتح على منجزات النقد الغربي النظرية منها والإجرائية، والساعي إلى استثمارها في مقاربته للأعمال الأدبية. وهو النقد الذي أفاد المشهد الإبداعي، وشكّل إضافة نوعية له، أسهمت في دفع العديد من أعماله إلى إعادة النظر في مفهوم الإبداع / والعمل الأدبي، وما يستوجب من شروط وعي نظري وطرائق إنشاء إجرائي.
إشكالية الوطن
* كيف للإبداع أن يحلّ إشكالية «الوطن» في زمن البوّابات التي لا تعرف أقفالاً؟
سؤال مهمّ يكشف عن السمة الإشكالية التي أصبحت مقترنة بلفظ «الوطن»، الذي يفيد في الأصل الانتماء إلى «أرض» لها هويتها الجغرافية، و»ناس» لهم هويتهم اللغوية والدينية والتاريخية والحضارية الخاصة، ممّا جعل الوطن عنوان «هوية» الأنا في علاقته بالآخر، منه يستمد الشعور بالانتماء إلى «الجغرافيا» /الوطن: الأرض، وإلى «المجتمع»، الوطن، الناس.. الآن في واقعنا المعولم تحوّل الوطن إلى اغتراب، وصارت بلدان الغربة أوطانًا بفعل نزوح الناس عن أوطانهم الحقيقية إليها بحثًا عن سبل حياة أفضل انتظروها طويلاً في أوطانهم؛ بل إنّهم عاقروا انتظارها دون جدوى، فكان تعمّق اغترابهم وإحساسهم باللاانتماء إلى الأوطان الأم، وقد همّشتهم طويلاً، فكان رحيلهم عنها إلى أوطان جديدة، قد تكون أرحم بهم وأرحب لهم.. كل هذا جعل مفهوم الوطن يكتب دلالات جديدة تجعله ينزاح عن دلالته المتعارف عليها، وهو ما تجلّى في أجناس الإبداع الأدبي، الشعري منها والسردي، والتي يحضر فيها الوطن تيمة أساسية من تيماته، باعتبار العلاقة الجدلية القائمة بين الذّات المبدعة والوطن، فعندما يخسر الوطن رهاناته على التاريخ ينعكس ذلك سلبًا على الذات المبدعة؛ حيث تخسر بعضًا من رهاناتها على الحياة / الوجود.
مأزق شعري
* على أيّ شيء يراهن المشهد الشعري العربي المعاصر؟
إنّ الإبداع الأدبي في شتى تنويعاته الأجناسية، ومنها الشعري، يمثّل في جوهره نوعًا من رهان الذات الشاعرة على تغيير الواقع الراهن، في مختلف مستوياته المحلّي والقومي وحتّى العالمي، من خلال تعرية المتهافت من مظاهره، وإدانة السلبي من مواقفه تجاه الذّات في علاقتها بذاتها، والآخر/ المجتمع والعالم. فالكتابة الإبداعية في شتّى صور تجليها هي بالأساس رؤية للكائن، وموقف منه، واستشراف للممكن.. من هنا يتحوّل خطابها إلى خطاب نبوءة، في ضوء ما تعكسه من طاقات استشرافية للآتي. وهو ما يجعلها رهانًا ذاتيًا / ومجتمعيًا / وإنسانيًا / ممّا يكسبها مشروعيتها وإنتاجيتها. أمّا ما يتّصل بالإبداع الشعري؛ فإنه يعيش مأزقًا حقيقيًا على الصعيدين المالي والوظيفي، في هذا الواقع المعولم، ممّا يحتمّ إعادة النظر في راهنه، في ظلّ منافسة أجناس أدبية له، وفي طليعتها الرواية؛ حيث نلمس تحوّل الكثير من الشّعراء والشواعر - على حدٍّ سواء - من مدائن الشعر إلى مسالك الرواية، التي تواصل هيمنتها على سائر الأجناس الأدبية، باعتبار ما تتميز به من رحابة وقدرة تجعلانها قادرة على استيعاب إشكاليات الراهن المستجدة، والتي يعجز الخطاب الشعري عن احتوائها، لكونه يبقى خطابًا ذاتيًا / انفعاليًا، يختزل الحالة أو المشهد أو الموقف أو الحدث، دون أن يجوس في خلفياته، أو يحلّل تجلياته، أو يكشف عن انعكاساته. ما عدا تلك التجارب الشعرية التي كرّست حضورها في المشهد الشعري العربي المعاصر بعد أن برهنت عن امتلاكها شروط الوعي النظري بالكتابة الشعرية، وآليات إنجازها عبر تجريب مغامر، وبحث دؤوب توقًا إلى تحقيق المغايرة للسائد الشعري، فإنّ الكثير من التجارب الشعرية الأخرى سقطت في التكرار والاستنساخ والمحاكاة، ممّا جعل إبداعية نصوصها الشعرية ضامرة، وهو ما يستدعي من أصحابها إعادة النظر في مجال اشتغالهم الشعري بقصد تجاوز مأزق الإبداع، بوعي جديد بالعملية الشعرية تصورًا وإجراءًا.
سلطة الاسم
* بعض الناشئة من الكُتّاب يتجاوزن سلطة الاسم دون «قداسة» أو حتّى مجرد الاحترام أحيانًا.. ما الذي يدفعهم لذلك؟
تكرّست سلطة الاسم في مشهدنا الثقافي العربي عامة والأدبي منه بالأساس على مدى فترة زمنية ممتدة، فلوجود عدد من العوامل التي أسهمت في تكريسها؛ من مثل الإعلام، والانتماء الأيديولوجي، والسياقات السياسية و»الاجتما- ثقافية»، التي وجدت فيها، دون إغفال قيمة أغلب تلك الأسماء الأدبية الفاعلة في الخارطة الأدبية الحديثة، حيث كان لجهودها الفضل في تأسيس أدبنا العربي الحديث، وبلورة مساراته، اتجاهات وتحوّلات، واختياراته الجمالية والفكرية في آن.. إلا أنّ ازدراء عدد من الجدد لتلك الأسماء يبعث على التساؤل عن علّة مثل هذا الموقف وغايته، خاصة أنّه يصدر عن «مبدعين» من المفترض أن يكونوا أرقى من مثل هذه الممارسات. ثمّ إنّ اللافت للنظر أنّ الكثير من الكُتّاب المبتدئين الذين لم يتصالحوا في كتاباتهم مع قواعد سيبويه أو بحور الخليل العروضية كلّ منهم يتصوّر نفسه قمّة شعرية لا تقارن، وأنّ من سبقه من أعلام الأدب من الشعراء المرموقين والكُتّاب لا يرقون إلى مرتبته، بل يتحوّلون إلى موضوع ازدراء.. هذه الظاهرة خطيرة لقيامها على «الإقصاء» من جهة، و»الغلواء» في اعتبار الذات وتمجيدها، وهي لا تسهم في تطور الإبداع الأدبي بقدر ما تعوق مساره، لأنّ إقرار ذاك الكاتب أو هذا الشاعر ببلوغ الاكتمال هو إعلان عن وفاته مبدعًا، وهذه الظاهرة التي تسم مشهدنا الثقافي في شتى مجالاته علامة دالة على أزمة ثقافتنا العربية، وما تعيشه من مآزق.
ظاهرة عامة
* النقد الأدبي في الغالب ظلّ أسير الأسماء الكبيرة: أدونيس، محمود درويش... الخ، بينما تبزغ عشرات الأقمار الحقيقية في سماء الشعر العربي لم تجد غير التجاهل النقدي الحاد؟
أعتقد أنّ مثل هذه الظاهرة لا يختصّ بها الأدب العربي فحسب؛ وإنّما تجدها في سائر الآداب العالمية، وقد أوجدتها سياقات تاريخية وثقافية خاصة أسهمت في بلورتها وتكريسها، فضلاً عن خدمة عدد من العوامل لها منها الإعلام، ومنها العلاقات الشخصية، هذا دون الاستنقاص من قيمتها الحقيقية. وهي ظاهرة تشمل البلاد العربية من الماء إلى الماء؛ حيث نجد في كلّ بلد عربي تلك الشجرة التي تغطّي الغابة، في تونس - على سبيل المثال - لنا أبي القاسم الشابي الشجرة التي غطّت غابة الشعر، ومحمّد المسعدي الشجرة التي غطّت غابة الرواية.. وقس على ذلك في سائر البلدان العربية. ثمّ إنّ النقد أسهم في تكريس هذه الظاهرة من خلال تركيزه على الأسماء البارزة في هذا المشهد الأدبي، وإغفاله سائر الأسماء الأخرى، سواء تلك التي قطعت شوطًا في مسيرة الإبداع أو تلك التي لا تزال تتحسّس مسالكها إلى الإبداع، ممّا جعل الكثير من الأسماء تبقى في الظّل، رغم ما برهنت عليه نصوصها، أو تفضّل الانسحاب في صمت من المشهد الأدبي بعد أن اكتنف الصمت نتاجها الأدبي، كما أنّ المؤسّسات الرسمية أسهمت بدورها في تكريس مثل هذه الأسماء الكبيرة، لما تخصّه بها من عناية إعلامية من خلال تواتر حضورها في وسائلها السمعية والبصرية والمكتوبة، وتربوية من خلال إدراج نصوصها في برامج التعليم الرسمية، وهو ما أثّر سلبًا على بعض جوانب مشاهدنا الثقافية والأدبية العربية المعاصرة.
* الأدب المغاربي يقبع في زاوية لا تتفاعل مع الساحة العربية إلا على استحياء.. فلم ذلك؟
إنّ مثل هذه الزاوية التي نظرت من خلالها لموقع الأدب المغاربي في المشهد الأدبي العربي في شتى تنويعاته الأجناسية يكرّس تلك النظرة المتجاوزة، والتي غالبًا ما سادت نظرة المشرق العربي ومثقفيه وأدبائه ومبدعيه عامة لهذا الأدب المغاربي على أنه ظلّ للأدب الغربي، وامتداد له، وأنّه ينتمي إلى المحيط التابع للمركز الذي تمثّله مصر. إنّها تلك القضية القديمة / الجديدة المتصلة بعلاقة المشرق بالمغرب، والتي تطرح إشكالية المركز والمحيط، وهي الإشكالية التي يجب إعادة النظر فيها بعيدًا عن كل أشكال التعصّب والوصاية. فالمشرق ممثّل في مصر يريد دومًا أن يبقى المركز، ومن ثمَّ يكرس سلطته وهيمنته على سائر الأقطار العربية التي يعدّها محيطًا؛ إلا أنّ المغرب العربي وفي ضوء ما حقّقته مشاهده الثقافية والأدبية والإبداعية والنقدية لم يعد يستسيغ أن يبقى موقعه في المحيط / الأطراف.. وكل مشاهده تلك تضاهي وتفوق في الكثير من المجالات التجارب التي تُؤثّث مشاهد المركز المصري. آن الأوان لإعادة النظر في هذه العلاقة وما تستند إليه من زوايا نظر للمشهد الثقافي المغاربي في شتى تنويعاته الأجناسية، وأحكام تلوّنها الذاتية والتعصّب والإقصاء، ومن ثمّ وجب النظر إلى هذا المشهد الثقافي رافد إغناء وتنويع مهمّ للمشهد الثقافي العربي في المشرق، وعدم تجاهل ما يزخر به من تجارب مختلفة لها العلامات الدالة على إبداعيتها، ومن ثمّ على خصوصيتها، وحتّى العذر الذي كان المشارقة يبررون به جهلهم للمشهد الثقافي المغاربي، أصبح باطلاً الآن في ظلّ تعدّد وسائل الاتصال، وتزايد سلطة الكتاب الإلكتروني، فضلا عن مواقع الشبكة العنكبوتية التي تزخر بالمصنّفات الصادرة بمختلف بلدان المغرب العربي.
زمن لإنضاج التجارب
* الساحة العربية تشهد تحوّلات سياسية كبيرة.. لو أنّك فتحت نافذة الاستشراف فعلى أي المآلات سيكون الإبداع الأدبي مستقبلاً؟
لا يمكن فصل التحوّلات السياسية التي تشهدها عدد من بلدان المنطقة العربية عمّا ستكون عليها مشاهدها الثقافية مستقبلاً، فالمؤكد أنّ لرياح التغير السياسي التي هبّت ولا تزال على المنطقة العربية تأثيراتها المستقبلية في أسئلة الإبداع الثقافي والأدبي والفكري التي ستثار، لكونها تشكّل شواغل المثقف والمبدع العربي.. أكيد أنّ امتداد هامش الحرية سيفرز طرائق كتابة مغايرة في التعبير عن إشكاليات هذه المرحلة التاريخية.. ولغة كتابة ستكون مفرداتها وصيغها الأسلوبية أكثر جرأة في التعبير عن الرأي والموقف.. أما الكتابة الإبداعية عن واقع هذه المرحلة وما تشهده من تحولات فإنّها بحاجة إلى مساحة من الزمن تسمح للمبدعين بالتأمل وتعميق الوعي.. وإنضاج الرؤية والموقف.. بعيدًا عن كلّ صور الانفعال التي تسم الكثير من الكتابات الأدبية، التي سعت إلى التفاعل مع التحوّلات السياسية وما تخلّلها من أحداث ووقائع.. حيث سقطت في المباشرة، ومن ثمّ عجزت عن تحويل هذه الهموم السياسية و»الاجتما- اقتصادية» والثقافية إلى قيم جمالية تتوفّر نصوصها على العلامات الدالة على أدبيتها. لابد في نظرنا من زمن تختمر فيه هذه التحوّلات السياسية قبل تحويلها من المعيش والمعايش إلى نصوص إبداعية مقروءة يتعالق فيها الجمالي والدلالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.