جامعة القصيم تصدر كتابًا عن سياسة المؤسس في استصلاح الرجال    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع اتفاقية لتقديم المساعدات لجنوب السودان    وزير الخارجية ووزير خارجية باكستان يرأسان اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين    بدء تسجيل الطلاب والطالبات المحتاجين في تكافل .. الأحد القادم    أمير منطقة تبوك ينوه بالجهود والإمكانيات التي سخرتها القيادة الحكيمة لخدمة ضيوف الرحمن    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والسيول في باكستان إلى 41 قتيلاً    موافقة سامية على تشكيل مجلس أمناء جامعة الملك عبدالعزيز    للبلطجة عناوين أخرى حول ضربة إيران لإسرائيل    مدرب تشيلسي غاضب من لاعبيه بسبب شجار على تنفيذ ركلة جزاء    الأخضر تحت 23 يستهل حُلم "باريس" بمواجهة طاجيكستان    عودة "فيرمينو" و ماكسيمان لتدريبات الأهلي قبل "الكلاسيكو"    القيادة تعزي سلطان عُمان في ضحايا السيول    الدفاع المدني يقيم حفل معايدة بمناسبة عيد الفطر المبارك    الفرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية    "القوات الجوية" تشارك بتمرين "علم الصحراء"    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    علاج جديد يعيد الأمل لمرضى السلّ    ارتفاع أسعار الذهب    استمرار التوقعات بهطول الأمطار مع انخفاض في درجات الحرارة ب3 مناطق    تحرك مشترك وآليات للتنسيق الخليجي لمواجهة التطورات    أمير تبوك يستقبل وزير الحج والمهنئين بالعيد    سعود بن جلوي يستقبل منسوبي محافظة جدة    نائب أمير مكة المكرمة يستقبل منسوبي الإمارة    ورود وحلويات للعائدين لمدارسهم بعد إجازة العيد    المرور: لا حاجة للتسجيل لخفض قيمة المخالفات 50 %    «البنك الدولي»: %5.9 نمو اقتصاد السعودية في 2025    اقتصاد حائل يولد 28 مليار ريال في السياحة والتصنيع    بعد غياب.. شاكيرا تعود للجولات العالمية    الهلال يتحصن من «العين»    تركي آل الشيخ يعلن أسماء أبطال العالم المشاركين في بطولة العالم للملاكمة    كيف تصبح أكثر تركيزاً وإنتاجية في حياتك ؟    5 أكلات تريح القولون    ثلث النساء يعانين من صداع نصفي أثناء الدورة الشهرية    تعزيز التبادل الثقافي واستلهام التجارب الناجحة.. انطلاق المهرجان السينمائي الخليجي    أحد الفنون الشعبية الأدائية الشهيرة.. «التعشير الحجازي».. عنوان للفرح في الأعياد    الكشف المبكر لسرطان الثدي    يتنكر بزي كيس قمامة لسرقة المنازل    ماذا بعد العيد ؟    «إمكان التعليمية» تواصل دعم طلاب منهج «كامبريدج»    ارتفاع أسعار العقارات السكنية وانخفاض التجارية    «ماسنجر» يتيح إرسال الصور بجودة عالية    السراب وراء غرق «تيتانيك»    مراحل الوعي    25.187 ترخيصا للأجهزة السلكية الخاصة    المنطقة الشرقية تستضيف منتدى التكامل اللوجستي    أكثر من 380 ألف طالب وطالبة بتعليم جازان ينتظمون في 2,659 مدرسة    البكيرية يتغلب على هجر بهدف في دوري يلو    قوة الاقتصاد السعودي    13 فكرة من آداب استخدام «الواتساب».. !    أزمة نقل ركاب الجوف.. !    السلام.. واتس !    لا تظلموا الهويش والمعيوف!    الوضع في منطقتنا.. خياران لا ثالث لهما    وزارة الحج والعمرة تكمل استعداداتها لإطلاق النسخة الأولى لمنتدى العمرة والزيارة    انطلاق فعاليات مهرجان محمية الملك سلمان بالقريات    فهد بن سلطان ينوه بدعم القيادة لقطاع الحج والعمرة    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنسوبي الإمارة بمناسبة عيد الفطر المبارك    أمير تبوك يواسي أبناء الشيخ علي بن احمد بن رفادة في وفاة والدهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفكرون: انتهازيون يسرقون الشعوب.. ومختلسون يقتلون براءة الربيع العربي..!!
نشر في المدينة يوم 25 - 11 - 2011

يشهد العالم العربي تغيرات ثورية ما زالت تدور رحاها حتى هذه اللحظة، حيث باتت الثورات حديث الشارع العربي من نخب فكرية وثقافية وسياسية مختلفة، وحتى العامة من الناس، لكن السؤال الأبرز هو ما النتائج التي سوف تحدثها هذه الثورات على الصعيد السياسي والاقتصادي على وجه التحديد، إذ أننا نرى واجهات تطل علينا متمثلة في المجالس الانتقالية الوطنية، ونخب سياسية وفكرية مختلفة لتمثيل صوت تلك الثورات، فهل من الممكن أن تحمل هذه المجالس الانتقالية هموم شعوبها الثائرة والمتعطشة للتغيير، خصوصًا إذا ما علمنا أنّ القائمين عليها من نخب سياسية وفكرية وثقافية قد تخرجت وتعلمت وعاشت في العالم الغربي؟، والتساؤل الآخر الذي يلوح في الأفق يتمثل في كيفية الحفاظ على مكتسبات هذه الثورات وضمان عدم تضيع ثمرتها؟ وما إذا كان من الضروري تبني استراتيجيات فعالية لمرحلة الحسم فيها وتحقيق الهدف الإستراتيجي من ورائها ألا وهو إسقاط النظم الفاسدة بشكل كامل وتفويت الفرصة على أي فرصة أو محاولة لاغتيال الثورات أو الالتفاف عليها؟، علاوة على ذلك كيف يمكن الجمع بين حماسة الشباب التي صنعت الثورات وبين الأحزاب المعارضة التي تحمل أيديولوجيات وأجندات مختلفة ومتعارضة، أليس من الأجدر أن تترك هذه الأحزاب أمر القيادة في هذه المرحلة للشباب وأن تخلع وتتخلى عن كثير من أجنداتها وأيديولوجياتها الحزبية الضيقة، خصوصًا وأن المنطق الحزبي الضيق لم يعد ملائمًا لطبيعة المرحلة ومتطلباتها الشعبية؟، تساؤلات عديدة تطرحها «الرسالة» على المفكرين والمثقفين والمحللين السياسيين في إطار التحقيق التالي:
مصطفى أبو عمشة-جدة
في البدء أرجع الباحث السياسي الأستاذ مروان شحادة، قيام الثورات العربية إلى فشل الأنظمة المتساقطة في قيادة الشعوب، وفشل السياسات الضيقة التي كانت تتبعها تلك الأنظمة مما أدى بالشعوب العربية إلى الانتفاضة عليها، وأضاف قائلًا: هذه الشعوب لا تفكر بالعواقب الاقتصادية بقدر ما تفكر بالجوانب السياسية والاجتماعية، ومن الوارد أن تعيق تلك الثورات العملية السياسية والأمنية والاقتصادية بعض الشيء حيث إنها مرتبطة جميعها ببعضها البعض، فالأمن إذا لم يكن مستتبًا في دولة معينة فإنّه حتمًا سينعكس بالسلب على وضعها الاقتصادي، والشعوب العربية وصلت إلى حد اليأس والإحباط لدرجة أنّها لم تعد تعير اهتمامًا للجانب الاقتصادي بقدر اهتمامها بالجانب السياسي والاجتماعي الذي حرمت منه لعقود طويلة.
الصراع المرير
وقال: الثورات العربية استطاعت التغلب على النظام السياسي، لكن يتوقع أن ينشأ صراع بين النظام الجديد السائد وبين مخلفات النظام السابق، فستحاول قوى سياسية أن تختطف ثمار هذه الثورات، وأن تكرس مفاهيم جديدة بعيدة عن ثقافتنا وقيمنا السائدة، مشيرًا إلى أنّ بعض الأحزاب السياسية تهدف إلى الإبقاء على الطابع العلماني والحداثي، كمحاولة بعض الساسة الإسلاميين توجيه رسائل تطمينية إلى الغرب بأن أحزابها تؤمن بالمشاركة والتعددية وأسس المواطنة والمساواة وحقوق المرأة وبمكتسبات الحداثة، وعلى أثر ذلك سوف تدخل الثورات العربية في مخاض ربما يستمر إلى سنوات عديدة، فالمجتمع الدولي بنظامه ومؤسساته يريد أن تبقى الدول العربية تبعية له، ولن يسمح هذا النظام الدولي إلاّ بوجود علاقات مبنية على مبدأ وأسس التفاهم وتضمن من خلالها عدم الخروج على ذلك النظام، معتبرًا بأنّ الهدف الرئيسي لهذه الثورات العربية قد تحقق من خلال التخلص من الأنظمة السائدة وبقاياها، لكنّ هذا الهدف لن يكتمل إلاّ بعد امتلاك هذه الشعوب الإرادة السياسة المستقلة البعيدة عن الضغوطات الدولية والخارجية.
الدراية والخبرة
وحول قدرة الشباب العربي على تسلم دفة القيادة السياسية وإدارة مؤسسات الدولة أشار شحادة إلى أنّ الحكم السياسي للدول يحتاج إلى خبرة ودراية كافية بشؤون هذا العمل، والشباب العربي غير قادر أو مؤهل للاضطلاع بالاعتماد على نفسه، وخلص إلى القول بأنّ البلاد العربية بعد الثورة تحتاج إلى النخب المثقفة وصاحبة الخبرة لقيادة مؤسسات الدولة، حتى تصل بها إلى حالة من الاستقرار، لكن في المقابل لابدّ من مراعاة مطالب الشباب والعمل على تحقيقها باعتبار أنّهم كانوا المحرك الرئيسي للثورات.
النماذج الثورية
وبدوره رأى المحلل والخبير السياسي الدكتور محمد أبو رمان أنّ مستقبل الثورات العربية ليس مضمونًا لكنّه ضروري لتحديد مستقبل الدول التي قامت فيها الثورات، والتي جاءت كنتيجة طبيعية للرد على استبداد الأنظمة العربية واستئثارها بالسلطة، وأكد على عدم وجود ضمانات في المرحلة القادمة للحفاظ على الثورات، ولكن هناك مؤشرات بأنّ الشعوب العربية تعمل على رسم تاريخ جديد لها، فهي لأول مرة تضع مبدأ الحرية شعارًا لها في الحياة، وترفض الشعور بالاستبداد، وتتحدى الذل والهوان قبل تحدي الجيش والدبابات، وتعدّ هذه الثورات بحد ذاتها انقلابًا في المفاهيم والمبادئ، مشيرًا إلى أنّ النماذج الثورية التي حدثت في تونس ومصر وليبيا واليمن تشير إلى أننا لن نشهد نماذج مستنسخة ومتشابهة في مرحلة ما بعد الثورة، إذ أنّ لكل دولة ومنطقة ظروفها الخاصة التي تحملها على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.
أنظمة ديمقراطية
وأعرب عن اعتقاده فيما يتعلق بإعطاء الفرصة للشباب في قيادة هذه المرحلة أنّ الحالة الراهنة التي تعيشها الساحة السياسية في العالم العربي بعد الثورات ليست دائمة وليست مؤقتة، فالأحزاب التقليدية لربما تشهد حراكًا سياسيًا وثقافيًا، فالقوى الشبابية والسياسية التي انتفضت سوف تجد لنفسها آليات تمثل نفسها بنفسها أو تجد من يمثلها، والأحزاب المعارضة لن تبقى على أطروحاتها السابقة وسوف تسعى إلى التجديد في أفكارها وأطروحاتها، كما أنّ الإستراتيجيات السياسية لهذه الأحزاب واضحة ولكن الطريق لتنفيذها يختلف من دولة لأخرى، وأما بالنسبة لأهدافها فهي تسعى إلى إيجاد أنظمة ديمقراطية فيها قدر كبير من العدالة الاجتماعية والسياسية والمساواة في الحقوق، وإعطاء حق المواطنة الكامل، مع التأكيد على أنّ أطروحات وأفكار الأحزاب تختلف من منطقة إلى أخرى لكنّها تتفق جميعها في الأهداف التي ذكرت في السابق.
العداء المكشوف
وقال الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور عوض القرني: إنّ الثورات العربية جاءت استجابة لمثيرات وعوامل موضوعية تراكمت عبر السنين تتمثل أولًا: في أنّ الأنظمة التي خلفها الاستعمار أعلنت العداء المكشوف لقيم ومبادئ المجتمع، وثانيًا: حكمت الشعوب بالحديد والنار والاستبداد والظلم، وثالثًا: الفساد المالي والاقتصادي المتمثل في الأنظمة والذي فاق كل تاريخ الأمة على مر العصور ولم يشهد مثيل له، ورابعًا: تواطؤ الأنظمة مع الاستعمار والاحتلال، هذه العوامل الأربعة هي التي جعلت الشعوب تثور وأدت إلى هذه الثورات الحاصلة، منوهًا على أنّ هذه الثورات تعدّ بمثابة المرحلة الانتقالية، فالوضع السياسي والاجتماعي لا يمكن تغيره بين عشية وضحاها، ملمحًا في الوقت نفسه إلى وجود ضغوطات خارجية تحاول أن تربك مسيرة الثورة، لكنّ وعي وإصرار الشعوب واستجابة النخب السياسية والفكرية والاجتماعية لقيادة الشعوب نحو آمالها وتطلعاتها من شأنها أن تفشل هذه المخططات وتحقق هذه الآمال ولو بعد حين.
التكاتف والتعاضد
وشدد القرني على ضرورة الابتعاد عن تكرار الأحكام القديمة في الأمور الحياتية، إذ أنّه من المفترض وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته أعدّ جيشًا تحت إمرة أسامة بن زيد وكان لا يزيد عمره عن سبعة عشر عامًا، وولى معاذ وهو لم يتجاوز عمره الثلاثين عامًا، كما ولى النبي عليه الصلاة والسلام صحابة تجاوزا مرحلة الشباب، ونوه إلى أنّ القضية مرتبطة بأهمية وجود تكاتف وتعاضد بين الجميع ليكملوا جهود ودور بعضهم البعض، فحماسة الشباب لا بدّ بأن تنضبط بحكمة الشيوخ حتى تكون النتائج أفضل، معتبرًا بعدم صحة نظرية أنّ الشباب غير مؤهلين للقيادة، فقد أثبت الواقع بأنّ الشباب لديهم انتماءات للأحزاب، وأمر طبيعي أن يكونوا وقود هذه الثورات، وما يطرح في وسائل الإعلام من أنّ الشباب ليس لديهم أيديولوجيات ليس صحيحًا وإلاّ لما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه في الثورات العربية، وأضاف أنّ مرحلة ما بعد الثورة تعدّ بمثابة مرحلة إحلال للمرحلة الجديدة، وتنظيف للأوضاع القديمة، حيث سيحصل تراجعات وتقدم في الرؤى والأفكار، وكذلك سيكون الوضع أحسن حالًا منذ ذي قبل خصوصًا في ظل إجراء انتخابات حرة ونزيهة في المرحلة القادمة.
تسلل التطرف
ومن جانبه اعتبر المحلل والخبير السياسي، الدكتور فيصل زيدان، أنّه من المبكر الحكم على نتائج الثورات، فالمجالس الوطنية الانتقالية لم يتمخض عنها شيء واضح سواء في ليبيا أو سوريا، أو حتى في مصر وتونس، مشيرًا إلى عدم وجود شيء ملموس على أرض الواقع يبشر بأنّ الوضع سوف يسير على ما يرام، فكثيرًا من المناضلين وأصحاب الثورات قد تفرقوا عندما كانوا مجتمعين وما لبثوا أن تفرقوا.
وحذر من تسلل التطرف إلى الثورات العربية وذلك بسبب الانفجار الحاصل والكبت الاجتماعي، وأوضح أنّ تاريخ العالم الإسلامي لم يشير من قريب أو بعيد إلى أنّ العلماء والفقهاء حكموا الناس أو كان لديهم سلطة سياسية، فالحكام على حد قوله يجب أن يكونوا على باب العلماء وليس العكس، وأنّ أول حكومة حكمت من قبل العلماء والمرجعيات الدينية كانت في إيران.
تقسيم المنطقة
وحول توفر الإمكانية السياسية لدى فئة الشباب لقيادة الشعوب في المرحلة الحالية قال: معظم الثورات تختطف، والشعوب التي ثارت تتساءل فيما بعد لماذا ثارت؟ ونحن نتمنى ونرجو من الله أن تنجح هذه الثورات وتكون في صالح الشعوب، وأن لا تختطف من قبل فئات أخرى،، وشكك في صحة ما يروجه بعض الخبراء والسياسيين من أنّ هذه الثورات تعدّ بمثابة سايكس-بيكو جديد لتقسيم المنطقة مرة أخرى، بالقول: «نحن الآن في عصر التواصل الإلكتروني والانفتاح الإعلامي والمعلوماتي، فلم تعدّ هناك حدود تفصل بين الدول سوى الحدود الجغرافية والمعابر التي تسمح بدخول الأشخاص، إذ أنّ وعي الشعوب العربية قد ازداد، ولا يمكن حينئذ منع تدفق المعلومات في ظل الانفتاح المعرفي والإعلامي العالمي، وأنّ ثورات الشباب في العالم العربي صارت مضربًا للاستشهاد بها في كل مكان، فعلى سبيل المثال اقتبس الشباب الأمريكي فكرة مسمى ميدان «التحرير» كرؤية له في المستقبل.
احترام المطالب
وأكد المحلل والمفكر السياسي الأستاذ عوض العبدان على وجوب احترام مطالب الشعوب العربية كما يتحتم أن تحترم القيادات العربية رغبات التغيير والإصلاح وخاصة بعد أن تطور العالم وأصبح قرية صغيرة من خلال التكنولوجيا الحديثة فأصبح المواطن العربي يرى ويسمع الأحداث في أقصى بقاع الدنيا بعد لحظات من وقوعها ويرى مستوى الحريات واحترام حقوق الإنسان في تلك الدول ويتمنى أن تصل هذه الشعوب إلى ما وصلوا له، وأشار إلى أنّ الثورات العربية أنعشت الأمل لديهم بإحداث تغيير في بلدانهم ولكن ما حدث هو أنّ بعض الدول والمنظمات الخارجية استغلت رغبات التغيير للدخول والتغلغل في هذه المجتمعات وأصبح هناك احتلال عسكري أحيانًا وتدخل مكشوف في أحيان أخرى، وأنّ بعض الدول العربية حققت رغبات الدول الاستعمارية، وكنا نتمنى أن يكون التغيير والمطالب محلية في كل بلد حيث لاحظنا أيضًا أنّ نهاية الحاكم العربي دائمًا تكون سيئة ويصورها الإعلام بأشنع صورة.
وأضاف أنّ بعض مطالب الشعوب مشروعة بعضها الآخر غير مشروع ويمثل أجندة خارجية، كما حدث في البحرين حيث أجمع المحللون أن ما جرى في هناك كان تعبيرًا عن نفوذ إيراني يحاول هدم مملكة البحرين وتمكين عناصر موالية لإيران من السيطرة عليها، وشدد على ضرورة أن الحذر في المطالب وتمنى على الحكام العرب أن يعوا بأنّ الأصوات سترتفع عاليًا يومًا بعد يوم مطالبة بالحقوق.
عاصفة عربية
وتابع قائلًا: بأنّ الربيع العربي الذي كنا نشجع قيامه منذ فترة طويلة انقلب إلى عاصفة عربية ستدمر كل شيء وسوف يشهد هذا الربيع حمامات دم عربية تسيل في كل بقعة من بقاع أرضنا العربية، وتوقع توافد الأجنبي كمحتل إلى بلداننا وكذلك تقسيم بلداننا العربية التي ربما تصل بعد فترة في عددها إلى أكثر من 50 دولة وهذا ما سيضيع كل ثمار هذه الثورات العربية وستذهب الدماء التي سالت من أجل الحرية هباء، فبدل أن نستفيد من هذه الثورات فإنّ جهات خارجية هي التي ستستفيد منها، مشيرًا وبكل أسف إلى اضطرار بعض الشعوب إلى التعامل مع الشيطان من أجل التخلص من حكامها ولذلك لأنّ الحاكم أحيانًا يكون أقسى من الشيطان نفسه لذلك فإنّ الثورات الحقيقية على حد تعبيره يجب أن تبدأ في داخل حكامنا أنفسهم، متمنيًا بأن يثوروا على أنفسهم وأن يغيروا فكرهم وأن يعلموا بأنّ العالم تغير فلم تعد السجون ولا الأنفاق السرية تصلح ولم يعد بالإمكان السكوت عن الإبادة الجماعية.
الحس الوطني
واعتبر العبدان أنّ الشباب استغل من قبل الأحزاب والجهات التي لم يكن لها دور يذكر في التغيير، والسبب الواضح لذلك هو الارتباطات الخارجية لهذه الأحزاب، أما الشباب فإنّهم خرجوا بحس وطني ثوري وبدون أي ارتباط وبالتأكيد لن يسمح لهم بأن يتصدوا للقيادة بحجة عدم التنظيم أو الخبرة، وقال: إنّ ما يحدث في عالمنا العربي اليوم هو كارثة حقيقية في ظل نشوة الانتصار الحالية التي تعيشها بعض البلدان، وما نتج عن ذلك من دمار وخراب، وألقى باللوم الشديد على النظام العربي الذي أجبر الشعوب على التصدي له والوقوف بوجهه وأحيانًا الاستعانة بالشيطان من أجل القضاء علي، وأكد على أهمية الحاجة إلى عقول الشباب لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة.
أزمات مركبة
وبدوره اعتبر رئيس مركز صقر للدراسات الإستراتيجية الدكتور مهند العزاوي بأنّ العالم العربي الإسلامي خضع لإرهاصات وأزمات مركبة أدت إلى ترهل سياسي ومؤسساتي وألقت بظلالها على الإصلاح السياسي وتأهيل شريحة الشباب وكذلك الخيار الاقتصادي العالمي الذي يخصخص ويترك المواطن أسير جشع الشركات مما يولد انفجار إنساني، وفي المقابل أصبح النظام الرسمي العربي عاجزًا عن معالجة الأزمات المتكررة، وكانت غالبية الثورات تخرج لأجل الإصلاح السياسي والحريات والتعددية السياسية وتحسين الواقع المعيشي، وأنّ هذه التغيرات السياسية جرى ركوب موجتها من الخارج، وشبه الوضع بتجربة العراق المريرة والدموية، حيث أصبح النموذج العراقي مثال للفشل الشامل، خاصة بعد أنّ ابتلعته إيران ومارست مجازر وجرائم ضد الإنسانية بحق شعبه، وارتكاب تلك المجازر كان عبارة عن أدوات سياسية صنعت في أروقة المخابرات الإيرانية، وأضاف أن تجربة العراق الدموية، أزاحت الدولة وحرمت المواطن العراقي من أبسط مقومات العيش، وقد نهب العراق وسرقت مؤسساته على يد من جاء من الخارج، وأكد أنّ الإصلاح من الخارج المتمثل في المجالس الانتقالية أثبت فشله بالعراق وفي الدول الأخرى، وهذا يعود إلى أنّ «أهل مكة أدرى بشعابها» وأهل الداخل هم خير من يديرون دفة التغيير والإصلاح السياسي بثورة ناعمة متوازنة تؤمن بقاء كيان البلد وتحقق العدالة الاجتماعية والتعددية السياسية والحريات بدلًا من أن تأتي على بساط المليشيات والصواريخ والمرتزقة.
قيمة الثورة
وأعرب العزاوي عن اعتقاده بأنّ غالبية الثورات جرى سرقتها من الانتهازيين الذين تسلقوا واجهة الأحداث تحقيقًا لمنافع شخصية، ودوافع انتقامية وأجندات خارجية، تمامًا كما حصل في العراق إذ أننا نشهد اختفاء طلاب الإصلاح والتغيير وتهميشهم، وقال: الثورة تأتي بجسد متكامل غاية وأهداف وبرنامج جميعها يندرج بمشروع وطني يعزز الإرادة الشعبية الوطنية، ويبدأ من حيث انتهى الآخرون وهذا ما لم نشهده وشهدنا بدلًا منه الانتقام والقتل والإقصاء والتشريد، وأضاف يبدو أنّ وصفة العراق الدموية والفوضوية صالحة للتطبيق في كل مكان، بالرغم من قيمة الثورة وأهدافها السامية، ولكن الانحراف القيمي والأخلاقي والانتهازي كان القاسم المشترك الذي يفرض نفسه في كل تجربة.
نظام تأهيل
وحول إمكانية ترك أمر القيادة في هذه المرحلة للشباب وتخلي كثير من الأحزاب السياسية عن أجنداتها وأيديولوجياتها الحزبية الضيقة، أكد العزاوي أنّ المشكلة تكمن في مصطلحات يتم تداولها ولم يعرف البعض أبعادها، وخصوصًا كلمة النظام لأنّ النظام السياسي ينتج دولة وفق نظرية الدولة وهو استثمار شعبي يعود لسنين أنفق عليه مليارات الدولارات، وإن ترهلت أو شاع الفساد والظلم فيها لا يجوز اجتثاثها وممارسة التكفير السياسي والمهني والطائفي بحق من خدم البلد، ويوصف وفق فلسفة التبسيط الدعائي باسم الحاكم أو الحزب، وهذا ما جرى في العراق حيث تمّ تفكيك الدولة وبيعها وأصبح الشعب فريسة للإرهاب والجريمة، أما الشباب فهم أمل المستقبل ولابد من نظام تأهيل سياسي لشريحة الشباب ليكونوا بناة المستقبل، في ضوء بوصلة وطنية يتجهون بها نحو التنمية والاستقرار والتقدم.
التحمل البشري
من جانبه أشار المفكر والداعية الإسلامي محمد شاكر الشريف إلى أنّ الثورات العربية التي تمر بعالمنا العربي ما كانت لتستمر أو تنجح لو كانت تلك النظم المتحكمة في البلاد تقدر آدمية الشعوب وتحرص على كرامة الإنسان وأمينة على ثروات بلادها، فالشعوب قد تتحمل الجور على بعض حقوقها السياسية وتتحمل بعض الضائقات الاقتصادية التي تمر بها ولكن في حدود التحمل البشري، وعندما تتمادى الأنظمة وتظن أنّ الشعوب قد رضخت وأنّه لم يعد بإمكانها القيام بأي شيء تجاه ظلمها وجبروتها، وتتصرف في الأمور كتصرف المالك في خالص ملكه من غير حسيب ولا رقيب فتعيث في الأرض فسادًا إذا بالشعوب تنفجر كالبركان الذي لا يبقي على شيء، وأكد على أنّ الوضع البائس الذي وضعت فيه الأنظمة شعوبها جعل من السهل الميسور تعبئة الناس للتظاهر والاعتصام ثمّ الثورة الشاملة التي تعم كل قطاعات الناس، فلقد بينت الأحداث التي تمر بكثير من البلدان أنّ صمام الأمان بالنسبة لأي نظام لا يكمن في تلبية مطالب الدول الطاغية التي تقبل مساعدة تلك الأنظمة ضد شعوبها في مقابل تحقيق مطالبها التي تكون على الضد من مصالح الشعوب، وإنّما الأمان كل الأمان أن تكون تلك الأنظمة في خدمة شعوبها، عاملة على تلبية مطالبها واحتياجاتها فتضع في بؤرة اهتمامها مصالح الشعوب وتقدمها على كل شيء فبذلك يأتلف الشعب والنظام على أهداف محددة يتفق عليها الجميع فتكون العلاقة بينهما علاقة تكامل لا علاقة تعارض.
يقظة الشعوب
وقال: المنتظر أن يكون لهذه الثورات التي قامت في العديد من البلدان تأثيرات سياسية واقتصادية على المدى القريب والبعيد، سواء في دولها أو دول مجاورة حيث تتعدى تأثيراتها الحدود الجغرافية، وقد بدأت مظاهر ذلك تلوح في الأفق ففي الناحية السياسية ستعمل على زيادة مساحة الحريات وإعطاء الناس بعض حقوقهم السياسية التي حرموا منها عدة عقود، وقيام انتخابات نزيهة بعيدة عن التزوير الذي كان سائدًا من قبل، بغرض إقصاء التيار الإسلامي، وكذلك تخفيف القبضة الأمنية ولجم الشرطة التي تغولت على شعوبها، وعلو الصوت الإسلامي المطالب بالرجوع إلى الدين وتحكيم شرع الله تعالى في خلقه، وقد ظهرت بوادر ذلك في فوز حركة النهضة ذات الأصول الإسلامية، في أول انتخابات تجرى بعدما أجبرت الثورة رئيس البلاد على الهرب، وأصبح في حكم المؤكد أن يشكل الإسلاميون الوزارة لأول مرة في تاريخ تونس من بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، ومثل هذه التطورات منتظر حدوثها في مصر وكذلك ليبيا، وأعرب عن أمنيته في الاستمرار في الاتجاه الصحيح الذي يجعل الوالي والرعية شركاء في الوطن، لا أن يكون الحكام بمثابة السادة والشعوب بمثابة العبيد الذين لا حقوق لهم تجاه ولاتهم كما كان موجودًا في بعض الأنظمة، وشدد على أنّ الوصول لهذه النتيجة مرهون بيقظة الشعوب وإصرارها على أخذ حقها كاملًا غير منقوص وعلى الاستعداد لدفع فاتورة الحرية كاملة من غير انتقاص.
الدروس والعبر
وحول الآثار السياسية المنتظرة لهذه الثورات و المردود المتوقع لها خارج حدودها، لم يستبعد أن تأخذ الأنظمة درسًا وعبرة مما حصل في البلدان المجاورة لها، وتحاول إزالة أو تخفيف كل أثر يدعو إلى الثورة واستدل على ذلك بقيام النظام الجزائري بإلغاء حالة الطوارئ، وأشار في نفس الوقت إلى وجود حالات تدل على أنّ بعض الأنظمة لم تستوعب الدرس ولم تأخذ العظة الكافية فتعاملت مع ثورات شعوبها كما كانت تتعامل معها في أول الأمر من ذلك نظام الرئيس اليمني علي صالح ونظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، لكن مجريات الأحداث تبين أنّ هذه الأنظمة ستلحق بالأنظمة التي سبقتها بفارق مهم وهو زيادة التضحيات التي يقدمها الشعبين اليمني والسوري لتحقيق الحرية والانعتاق من تسلط النظام الحاكم، واعتبر أنّ أسباب هذه الثورات كامنة في تعامل النظام مع شعبه، رغم ما تحاوله هذه الأنظمة من تصوير الثوار على أنّهم مجموعة من المرتزقة الذين ينفذون أجندة خارجية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار.
وأضاف وبالنسبة للجانب الاقتصادي في نتائج الثورات فينتظر على المدى القريب أن يكون هناك تراجع، وذلك نتيجة طبيعية لعدم الاستقرار أو ضعف القبضة الأمنية أو محاولة فئات كثيرة كانت مظلومة أن تستفيد من المناخ الثوري فتطالب بحقوقها عن طريق المظاهرات أو الاعتصامات أو الإضرابات التي تعطل دورة الإنتاج، لكنه وضع قابل للتغيير على المدى البعيد، لا سيما بعد الانتخابات التي تجرى في البلاد بطريقة نزيهة تأتي بممثلين حقيقيين للشعوب، يعملون على أن تكون مصلحة الشعب هي هدفهم، وكذلك رعاية مصالح الدولة وإيقاف النزيف الناتج عن السرقات الضخمة التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات في ظل الأنظمة البائدة.
القيادات الحقيقية
وأكد الشريف على وجود تخوف من حصول التفاف على هذه الثورات وتفريغها من مضمونها حتى تكون نتيجتها النهائية مجرد تبديل أسماء بأسماء مغايرة مع بقاء السياسات نفسها، وهذا التخوف له ما يسوغه في ظل هيمنة الدول ذات التطلعات الاستعمارية كأمريكا وفرنسا وغيرهما على ميزان القوى العالمي ورغبتها في السيطرة على البلدان العربية والتحكم في خطواتها ونهب ثرواتها، والطامة التي تبتلى بها كثير من تلك الشعوب أنّك تجد من بين الثوار أو من يظهرون في موقف الثوار أنّهم على اتفاق أيديولوجي وتصور فكري مع تلك الدول الاستعمارية ومن ثم يكون التغيير شكليًا لا حقيقيًا وهذا مما يوجب على الشعوب اليقظة التامة وأن تكون للثورات قيادات حقيقية واعية لا تنخدع بمعسول الكلام أو الوعود الجوفاء الفارغة من مضمون حقيقي وهذا مما يعظم دور القيادات الحقيقية ويبين عظم المهمة وثقلها الملقاة على عاتقهم.
الثورة المضادة
وأضاف لا ينبغي على الثورات أن تقف عند حدود إسقاط النظام شكلًا عن طريق إسقاط بعض رموزه، ولكن ينبغي إسقاطه شكلًا وموضوعًا فتهدم كل سياساته السابقة هدمًا من جذوره، لكن عملية الهدم تحتاج بالضرورة إلى عملية بناء بديلة لأنّ حجم الفساد والتجريف الحاصل في المجتمعات أكبر بكثير مما يتصور حيث استشرى في كل أوصال الدولة، ولم يقف عند حدود الجماد بل تعداه إلى الإنسان، وأوضح أنّ عملية البناء عملية شاقة وطويلة وتحتاج لتكاتف الجميع لتحقيق الآمال، فعلى القوى الإسلامية وكل قوى عازمة على إعادة بناء بلدها أن تبادر إلى وضع خطط تضع البلد على الطريق المستقيم وفي الاتجاه الصحيح حيث لا وقت للتأجيل، وذلك لتفويت أي فرصة على الثورة المضادة التي تسعى إلى اغتيال الثورة وإفسادها أو الالتفاف عليها، وأضاف أنّ الجانب الاقتصادي مهم في حياة الشعوب فقد يكون من الأمور المهمة أن تبادر تلك الثورات بتبني خطط قوية قادرة على تحسين الوضع الاقتصادي للناس بعامة حتى لا ينقلب الناس على الثورة، وهذا يعدّ التزامًا أخلاقيًا وواجبًا دينيًا على الدول المستقرة التي بسط الله لها في الرزق أن تقف بجوار دول الثورات وتمد لها يد العون إلى أن تخرج من كبوتها.
وفاق مستبعد
وحول إمكانية الجمع بين حماسة الشباب التي صنعت الثورات وبين الأحزاب المعارضة، التي تحمل أيدلوجيات وأجندات مختلفة، اعتبر الشريف أنّ الشباب وإن كان هو المفجر الحقيقي لتلك الثورات وذلك نابع ولا شك من طبيعة مرحلة الشباب، إلا أن الشعب سرعان ما انحاز بكل فئاته لتلك الثورات فلم تقتصر الثورة على الشباب، فالملايين التي كانت تملأ الميادين كان منها الشياب والشيوخ والصغار والكبار وحتى الأطفال وكان منها الرجال والنساء أي أنّ المجتمع بكل شرائحه شارك في الثورة وهذا سر نجاحها وقدرتها على العصف برموز الأنظمة، لكن هذا لا يمنع من وجود إشكالية اختلاف الأيدلوجيات والأجندات، واستبعد حدوث اتفاق تترك بمقتضاه بعض الجماعات أو الأحزاب مكانها اختياريًا وتطوعًا لصالح الشباب، الذي له أيضًا ميوله الأيديولوجية وتصوراته الخاصة، وأوضح أن حل هذه الإشكالية يكون بواحدة من طريقتين إما الاتفاق على الجامع الأكبر بين فئات الشعوب العربية وهو الدين الإسلامي حيث يكون الفصل بين الرؤى والتصورات المختلفة بالاحتكام إليه وتأسيس النظام الجديد وفقًا له وهذا لا شك هو الحق من الطريقين، والخيار الثاني يكمن في العودة إلى رأي الشعب فيقبلوا به ولا ينقلبون عليه، ووسيلة ذلك يكون عبر صندوق الانتخابات الذي يعد أصدق تمثيل لرأي لشعب خاصة عندما تكون الانتخابات نزيهة.
حلم التحرر
في السياق ذاته أوضح الأكاديمي والباحث في شؤون حقوق الإنسان الدكتور محمد جميعان، أنّ العالم العربي يشهد تغيرات ثورية مازالت تجري رحاها حتى هذه اللحظة، وأنّ الحلم العربي، هو حلم التحرر من الاستبداد وتحرير لفلسطين وتجسيد إرادة الأمة بالوحدة، وأضاف لم نكن نتوقع أن يأتي الحلم بغتة على حين غرة، لسبب لم يكن في الحسبان، فإهانة بوعزيزي في تونس لم تكن هي الأولى في سجل التعدي على الكرامات والأعراض، حيث كان هناك ما هو أبشع من مظاهر الظلم والضيم والقهر والحرمان، وما صفعة بوعزيزي من تلك «الشرطية» إلاّ الشعرة التي قصمت ظهر الكبرياء الإنساني للأمة التي تفننت تلك الأنظمة في إهدارها، إلى أنّ قدر الله بأن تكون البداية هكذا في تونس لينطلق قطار الحلم العربي دون إنذار، ويأخذ في طريقه دهسًا تلك الأنظمة التي ما تورعت في الغي والظلم، ويستمر بسرعة رغم الدماء التي ما توانت تلك الأنظمة الأكثر دكتاتورية من سفكها في سبيل البقاء، ولكن هيهات، فالقدر هذه المرة اقترن بعزم الشعوب على التحرر والتحرير في نسق استهدف تحقيق العزة والكرامة والحرية.
وأضاف: ليس هناك حلم بلا تحقيق، ما دام الإنسان حريص على تحقيقه، وما دام يعمل وفق منهجية ومثابرة، شرط أن يتخلى عن أنانيته وفرديته ونجوميته ونزعة الزعامة لديه، وفي المقابل ليس هناك حلم يمكن أن يتحقق بالآمال والعنتريات والخطابات أو بيد واحدة يلوح بها طالبًا التصفيق، بل بالتعاضد والتضامن والتوافق والعمل، فالجندي في جيش منتصر أعظم من قائد في جيش متقهقر، فالأول يحقق النشوة والمعجزات والأخير يبقى دومًا بين الحفر.
ضرورة التغيير
ومن ناحيته يرى الأمين العام للتيار الوطني الموحد بالعراق الأستاذ نور الدين الحيالي أنّ المجالس الانتقالية خليط من مكونات الشعب في الداخل والخارج، ومعظم الذين عاشوا في الخارج من النخب السياسية والفكرية خرجوا بسبب قمع العقول ومصادرة الحريات والملاحقات المستمرة والاعتقالات، لأنّ معظم الأنظمة العربية التي حدث فيها التغيير أنظمة معمرة، وكادت أن تورث الحكم وتوجد ما يشبه أن يكون «جمهوريات ملكية» إذا صح التعبير، والتغيير ضرورة سياسية واجتماعية واقتصادية ستحرر الشعوب العربية وستجعلها تتفوق على الحضارة الغربية التي أزفت ساعتها ودنا أجلها، وأضاف أنّ الشعوب العربية، وبسبب القمع والفساد كانت تخزن كل المظالم والتحديات ومظاهر الفساد والاستبداد وانتهاك كرامة الإنسان، إلى أن جاء الوقت المناسب واللحظة التاريخية التي فجر فيها «بو عزيزي» المواطن التونسي الذي لم يتحمل الاضطهاد المميت لإنسانيته وحقه في الحياة كمواطن فأحرق نفسه، ليحرق الأنظمة العربية الفاسدة، وتابع أن هذه الثورات ليست عبثية ولا اعتباطية وإنّما ولدت من قلب المعاناة، وستغير وجه التاريخ وتعيد مكانة الأمة وتأخذ دورها في قيادة العالم وليس الدول العربية والإسلامية وحسب.
القوى السياسية
وتحفظ الحيالي على وصف الثورات بأنّها شبابية، قائلًا: مع احترامي لكل الشباب الثائرين الذين كانوا وقودا للثورات، كانت شبابية لوجودهم في ساحات التحرير وميادين الأحرار، لكن هؤلاء الشباب لم يكونوا بمعزل عن القوى السياسية والفكرية التي تنظر وتكتب وتنتقد وتعارض وتصارع الأنظمة، فهم مرتبطون بشكل وآخر بالعقل الجمعي العربي والإسلامي الذي كان يهدف إلى التغيير، لكن حماس الشباب وإصرارهم على التصدي للأنظمة الفاسدة، إلى جانب القيادات العربية والإسلامية التي كانت تحرك الأحداث وترسم سيناريوهات التغيير من خلف الكواليس لأسباب سياسية ومنطقية جعلت الثورات تنجح وتحقق أهدافها، ولا خوف على هذه الثورات مهما حاولت القوى المضادة إجهاضها أو تحويل مسارها لأنّ الشعوب وصلت إلى درجة من الوعي يستحيل اختطافها أو التلاعب بها، كما أنّه ليس من السهل تجاوز الأحزاب التي كان لها دور كبير في التغيير، جنبًا إلى جنب مع الشباب، إذ أنّ الشباب أنفسهم لا يستطيعون إدارة الدولة بدون العمل الحزبي لأنّ العمل السياسي لا يمكن أن يتجاوز العمل الحزبي.
القمع السياسي
من جانيه يعتقد الداعية والأكاديمي الإسلامي الدكتور حذيفة الخطيب أنّ القمع السياسي والضيق الاقتصادي هما من أشد دوافع الثورة، وسيكون إصلاحهما -بلا شك- الهدف الأهم من أهداف الثورات بعد نجاحها، أما الجانب السياسي فهو الأوضح وهو الطريق لحل المشكلة الاقتصادية وغيرها من المشاكل، والمتوقع أن يتم الإصلاح السياسي، وذلك من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ثم حكومات منتخبة ثم حريات وازدهار اقتصادي، وهذا يتطلب وقتًا وصبرًا، وأكد على أنّ الثورات بحاجة إلى واجهة سياسية تحمل مسؤولية التمثيل والتنظيم والدعاية والقيادة، وبغير القيادة السياسة لن تؤتي الثورات أكلها، لأنّ الأمم لا تنتصر إلا بقيادة وجنود، وتعاون بين الجميع لتحقيق الأهداف المرجوة، وأما شبهة كون أعضاء المجالس الانتقالية تعلموا أو عاشوا في الغرب، فهذا لا يعيبهم خصوصًا إذا كانوا وطنيين، وإذا حافظ الشعب على النفس الثوري، وهذا ما يقطع الطريق على كل من يريد حرف الثورات عن مسارها الصحيح.
جذوة الثورة
وعن كيفية الحفاظ على مكتسبات هذه الثورات وضمان عدم تضييع ثمرتها، قال: الحفاظ على هذه المكتسبات يكون بالاعتصام بالله، ونشر الوعي بكل الطرق والوسائل، وإبقاء جذوة الثورة إلى أن تتحقق جميع الأهداف، أما حسم الثورات، فيكون أسرع كلما كان الوعي أكبر، وهذا ما سعت الأنظمة إلى محاربته، وهذا ما يجب على الثوار والمفكرين المخلصين التركيز عليه، لأنّ انتشار الوعي، يعني نجاح أي تحرك شعبي سواء كان مظاهرات أم اعتصامات أم إضرابات أم عصيانًا مدنيًا، فبمقدار الوعي يكون التفاعل، ويقترب الحسم.
واعترض على الرأي الذي يرى أنّ الثورات العربية هي من صنيع الشباب قائلًا: «ليس صحيحًا أنّ الثورات من صنيع الشباب وحدهم، وإن كانوا هم مادتها الأكثر عطاء، وليس صحيحًا ما يتشدق به البعض أن الثورة ثورة شباب وعلى الكهول أن يتركوا الساحة لهم، فالجميع شركاء في الثورة، والجميع يجني ثمرتها، وليس صحيحًا أنّ الأحزاب المعارضة التقليدية لا تصلح للثورة وما بعدها، بل إنها شريكة في الثورة وما قبلها وما بعدها، وهذا ما نراه على أرض الواقع في الثورات، وكل تشويه لمكون من مكونات الشعب والمجتمع إنما هو في حقيقته إقصاء من نوع جديد، لا يقبله ثائر عاقل مخلص لدينه ووطنه وأمته.
الدخيل: لا يمكن للمجالس الوطنية الانتقالية استغلال الثورات لصالحها
اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور خالد الدخيل، أنّ الثورات العربية هي بمثابة تحركات شعبية عامة، ولا يمكن للمجالس الوطنية الانتقالية التي تمثل الثورات أن تستغل هذه الثورات أو تجيرها لصالحها، فهذه المجالس تكونت نتيجة الثورات، ولا تستطيع أن تقف في وجهها، وبناء على ذلك تصبح الاستجابة لمطالب هذه الثورات هو بمثابة تحصيل حاصل في نهاية الأمر ولا يمكن تجاهلها.
وأضاف أن التحركات الشعبية فرضت نفسها على الجميع سواء كان معها أو ضدها، إذ أنّه على الدول والجميع أن يستجيب لمثل هذه التحركات، مشيرًا إلى أنّ بعض الدول العربية استجابت لهذه التحركات وقدمت إصلاحات سياسية واجتماعية مثل: الأردن والمغرب، وبناء على ذلك يتوجب على الأحزاب السياسية الموجودة والتي تحاول المنافسة على السلطة في مرحلة بعد الثورة أن تستجيب للظروف والتغيرات السياسية والاجتماعية الحاصلة في العالم العربي، كما لابدّ لها أن تنجرف مع متطلبات الواقع الشعبي؛ لأنّ هذه التحركات الشعبية ترتبط في طبيعتها بمطالب الشعب في الداخل سواء على الصعيد السياسي والاجتماعي، حيث لا تشير إلى قضايا عامة على مستوى العالم العربي والإسلامي كالقضية الفلسطينية أو العراقية، إنّما تتخذ طابعًا شعبيًا وطنيًا.
عشقي: سوف ينتج عن الثورات أنظمة ديمقراطية تحمل قيم العدالة الاجتماعية
توقع رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية، الدكتور أنور عشقي، أنّ تتمخض عن الثورات العربية أنظمة ديمقراطية تحمل قيم العدالة الاجتماعية، وهذا سيعتمد في المقابل على من سوف يتسلمون الحكم في مرحلة ما بعد الثورات، ورجح بأنّ الوضع يتجه نحو الأفضل لكن في المقابل هناك عدة تحديات ستواجه نجاح الثورات، فليبيا على سبيل المثال أزهقت الكثير من الأرواح والأموال، وسيسعى من يمثلون الشعب الليبي في مرحلة ما بعد الثورة إلى الإسراع في بناء البنية التحتية وإعادة بناء الاقتصاد من جديد، لكن السؤال هل سيبنى الاقتصاد الجديد على مقدرات الدولة أو على دعم البنوك الدولية وعلى أثر هذا سيكون هناك سيطرة خارجية ودولية على سيادة البلاد ولو من ناحية جزئية.
إملاءات خارجية
وأضاف التحدي الثاني الذي يواجه نجاح مرحلة ما بعد الثورة أنّه حينما تطبق عملية الديمقراطية ويتم فرز قوة سياسية لقيادة البلاد، فإنّه سيكون هناك تأثيرات خارجية على القرار السياسي لأنّ النخب السياسية الجديد ستجد نفسها أمام إملاءات خارجية، وأشار إلى أهمية الاستفادة من التجربة الماليزية في هذا الخصوص وتجارب الدول الأخرى في مرحلة بنائها بعد الثورة، حتى تسير الأمور في صالح العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد السياسي والاقتصادي.
وقال: إنّ الشباب الذي حرك الثورة سواء في مصر أو ليبيا أو حتى في اليمن، لا يمتلك أجندات سياسية ورؤى واضحة، وإنّما اقتصر دورهم على ما أسماه بتحريك المياه الراكدة، فيما يكون الدور في المرحلة المقبلة للنخب السياسية والثقافية والفكرية الواعية من أجل قيادة البلاد نحو مرحلة الآمان.
هاشم: النخب السياسية ستلامس هموم الشعوب العربية في مرحلة ما بعد الثورة
أعرب الأكاديمي والمحلِّل السياسي الدكتور وحيد هاشم، عن توقعه بملامسة النخب السياسية والثقافية لهموم الشعوب العربية في مرحلة ما بعد الثورة، بفضل ما لديها من وعي سياسي، وإلمام بشؤون وقضايا الحقوق السياسية، وأنظمة العدالة الاجتماعية، وما لديهم تأثر واضح بأنظمة الدول الغربية، وأضاف أنه على المستوى الاقتصادي ستكون هذه الدول في المستقبل أكثر انفتاحًا، وسيوجه الاقتصاد المحلي لخدمة المواطنين وليس لمصلحة الأنظمة السياسية أو لفئة قليلة محددة، مؤكدًا على الدول التي تحررت من وطأة الاستبداد السياسي سيكون لديها انفتاح على اقتصاديات جديدة وشبكات من العلاقات الدولية الواسعة التي ستسهم في التنمية الاقتصادية على مستوى هذه الدول.
الانفتاح والتقارب
وأشار إلى أنّه كلما كان النظام السياسي الجديد في مرحلة ما بعد الثورة منفتحًا كلما كانت الأجواء السياسية ما بين الآراء والأيدلوجيات والمرجعيات متقاربة، أما إذا كان النظام السياسي منغلقًا فإنّ الآراء والأيديولوجيات حتمًا ستكون قادرة على أن تتباعد وتتنافر فيما بينها، ملمحًا إلى أنّ الثورات بداية من ثورة العبيد في فرجينيا بأمريكا ومرورًا بالثورة الفرنسية والصينية والبلشفية والكوبية وأخيرًا الثورات العربية، من الطبيعي أن تكون جميعها قد مرت بأخطاء، وعلى أثر ذلك لا بدّ من إيجاد آليات لتصحيح هذه الأخطاء، ووضع مسارات جديدة ضمن إطار المصالح العليا للشعوب، وإعادة ترتيب الأولويات، واستدرك إلى أنّ الدول العربية التي حصلت فيها الثورات لم تتضح فيها بعد الرؤية السياسية الجديدة، ولم تفرز بعد برلماناتها ومؤسساتها الجديدة، وطمأن في الوقت نفسه بأنّ ثمار الثورات العربية لن تضيع، فعادة ما يكون هناك ثورات تصحيحية أخرى على الثورات الحاصلة من أجل تصويب الأخطاء التي وقعت فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.