سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    أمير الرياض يؤدي الصلاة على عبدالرحمن بن معمر    البنك السعودي الأول يصبح أول بنك في المملكة يحصل على شهادة الاعتماد في الابتكار    برعاية ولي العهد.. انطلاق المنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض    فيصل بن نواف: قطاع البيئة يحظى بدعم من القيادة    وزير الإعلام يستقبل وزير العمل الأرميني    صحن طائر بسماء نيويورك    أول صورة للحطام الفضائي في العالم    وصول أمير الكويت ورئيس وزراء العراق إلى الرياض    جائزة الأميرة صيتة تُعلن أسماء الفائزين بجائزة المواطنة المسؤولة    ذكاء اصطناعي يتنبأ بخصائص النبات    تطبيق علمي لعبارة أنا وأنت واحد    ما هي الأعراض الحمراء للقاتل الصامت    متلازمة الإغراق إحدى مضاعفات «جراحات المعدة»    أول عيادة لمكافحة سمنة الأطفال    «بنات ألفة» يقتحم أسوان للأفلام    إدارة تعليم جدة تقرر تحويل الدراسة "عن بعد" غداً    الخليج والصفا.. تحدٍّ جديد في دوري اليد    عباس يحذر من التهجير: وضع غزة مؤسف    روسيا وأوكرانيا تتبادلان إسقاط المسيرات    أسير فلسطيني يفوز بالبوكر عن «قناع بلون السماء»    «الخارجية»: المملكة تعرب عن بالغ قلقها جراء تصاعد التوترات العسكرية شمال دارفور    الوسطية والاعتدال أبرز قضايا مؤتمر "تعزيز قيم الانتماء الوطني والتعايش السلمي"    الإجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي لرؤية ٢٠٣٠    الاتفاق يفتح ملف الفيحاء    حفلات فنان العرب مؤجله حتى إشعار آخر    حتى لا نفقد هيبة الأخضر في آسيا    "تاسي" يتراجع بأدنى تداولات منذ شهرين    أولى رحلات خطوط شرق الصين الجوية تصل السعودية    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزيرة خارجية المكسيك    ولي العهد وأمير الكويت يستعرضان أوجه العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين    رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي: السعودية شهدت تطورا يعكس طموحها الاقتصادي    افتتاح الملتقى السنوي الثاني للأطباء السعوديين في إيرلندا    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    أمير تبوك يواسي أبناء أحمد الغبان في وفاة والدهم    رسمياً.. الزي الوطني إلزامي لموظفي الجهات الحكومية    ساعة أغنى رُكاب "تيتانيك" ب1.46 مليون دولار    صدور الموافقة السامية علي تكليف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبد العزيز التميم رئيساً لجامعة الأمير سطام    السعودية ترسم خارطة جديدة للسياحة الصحية العالمية    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    270 دقيقة.. ويهتف «الشقردية»: نحن الأبطال    ختام بطولة أندية المناطق الأولى لرفع الأثقال البارالمبية للرجال والسيدات بالطائف    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر في المدينة المنورة بين القرنين 12 - 14 هجري
نشر في المدينة يوم 27 - 07 - 2011

تابعت باهتمام كبير كتاب المجلة العربية الصادر مع العدد 407 - بتاريخ ذي الحجة 1431 ديسمبر 2010، والذي بعنوان (الشعر في المدينة المنورة بين القرنين 12 – 14 هجري) للدكتور عاصم حمدان الذي يسلط الضوء على الشعر في المدينة المنورة من خلال دراسة وافية تعرِّف بالشعراء، وتحلل إبداعاتهم، وتوضح مناسبة القصائد، وما قاله كبار الأدباء والنقاد والصحفيين في هذه الأعمال الإبداعية الخالدة. وقد بدأها الدكتور عاصم بالحديث عن تميز الحركة الأدبية في المدينة المنورة بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر من خلال بروز تيار شعري همّ حديثه الشأن السياسي الذي كانت تعاني منه بيئة المدينة المنورة، وبعدئذ تحدث عن رواده الشعراء مثل جعفر البيتي (1110 هجري - 1182هجري) الذي يعود نسبه إلى بيت مسلمة من أعمال تريم في حضرموت. وقد جمع بين نظم الشعر والاشتغال بعلم الطب المعروف في زمانه، وهو حنفي المذهب تولى منصب كتابة الشريف ووزارته في المدينة المنورة، وهيأت له صلاته المتعددة السفر إلى بلاد الروم واليمن. وصف بمتنبي زمانه كما وصف برافع لواء النظم بل أميره. وإذا كان البيتي قد عرف بمواهبه الشعرية، فإنه أيضًا قد اشتغل بصناعة النثر الأدبي، وقد تجاوز في كتابه المخطوط -أيضًا: (مواسم الأدب وآثار العجم والعرب) التأريخ إلى جانب الأدب، وعلم الآثار إلى الترجمة. وقد تعرض الدكتور عبدالرحمن الشامخ بشيء من التحليل الأدبي لنثر البيتي، وخاصة رسالته الأدبية التي كان يوجهها إلى معاصريه، فالشامخ يصف الأسلوب الذي كتب به البيتي رسالته إلى الخطيب محمد أبي الخير المدني قائلًا: (لقد تميز أسلوب البيتي بجزالة التعبير وسلامة التركيب، كما اتسم بالثراء اللغوي والقدرة على استنباط المعاني والصور. ولا شك في أن الموهبة الشعرية قد هدت الكاتب إلى ألا يجعل رسالته مجرد قوالب تعبيرية وتقليدية بل أنه يضفي عليها من ذاته ما يجعلها تنبض بالحياة وتحفل بالمتعة الفنية). ويأتي بعدئذ التعريف بالشاعر عبدالجليل برادة (1240 – 1327 - هجري المغربي الأصل والذي هاجرت أسرته من مدينة فاس المغربية إلى المدينة المنورة سنة 1145 هجرية ونظم الشعر في الخامسة عشرة من عمره ودرس في المسجد النبوي في العشرين من عمره. تعمق برادة في العلوم الدينية حتى عدَّ من علماء الحديث النبوي المعتمدين. حيث روى عنه صاحب أشهر ثبت علمي في رواية الحديث وهو الشيخ عبدالحي الكبير الكتاني، إلا أن سمة الأدب قد غلبت عليه، لهذا وصفه الكتاني، عند ذكر شيوخه الذين تلقى عليهم الحديث المسلسل بالأولية وهو: (الراحمون يرحمهم الله)، فقال عنه (أي عن برادة): وحدثني به أديب الحجاز المفلق المعمر الشيخ الجليل بن عبدالسلام برادة المدني سماعًا منه بمكة المكرمة عام 1323 هجري، ويبدو أن برادة الذي كان معاصرًا أيضًا للأديبين إبراهيم الأسكوبي ومحمد العمري قد اتخذ (وكما يذكر مؤرخ المدينة وأديبها السيد عبيد مدني، هو وبعض علماء المدينة وأدبائها) ندوة أسبوعية يعقدونها كل يوم ثلاثاء في بستان الأبارية الذي كان يقع قرب المسجد النبوي الشريف من الجهة الشرقية الشمالية. ويستطرد السيد المدني عن آثار هذه الندوة قائلًا: (واستطاعت هذه الندوة التي كان الشيخ عبدالجليل من مناراتها الشامخة أن تعيد ذكريات تلك المدارس العلمية التي شاعت في القرن الرابع الهجري كمدرسة سيف الدولة الحمداني والصاحب بن عباد). ويشير الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري إلى حادثة تدل على الشاعرية الفذة التي كان يتمتع بها الأديب برادة، بأنه بعد الحرب التي خاضتها الدولة العثمانية ضد اليونان كان هناك (شعراء من عدة أقطار عربية ومنها الحجاز ممثلًا في شخص عبدالجليل برادة راعهم انتصار بني عثمان على اليونان فنظم كل منهم قصيدة غراء في وصف هذا النصر وملابساته الخ). ولعل المؤرخ أمين مدني أراد الإشارة إلى قضية التتريك التي عانى منها العالم العربي والإسلامي خصوصًا في الحقبة الأخيرة من عهد الدولة العثمانية، فقد أبعد التركزي إلى مصر والبرادة إلى الآستانة وذكر الزركلي خلفية الإبعاد عن المدينة المنورة بأن البرادة صنف كواحد من شعراء بداية اليقظة العربية. ويعتبر الكاتب إبراهيم بن حسن الأسكوبي (1246 - 1331 هجري) امتدادًا لمدرسة شيخه الجليل عبدالجليل برادة، فقد ولد ونشأ وتعلم في المدينة المنورة، حيث درس الفقه والحديث والتفسير والمنطق وعلم الأدب والهيئة على جملة من علماء المدينة المبرزين في تلك الحقبة التي كانت تعاني منها الأمة، ويوضح الدكتور عاصم شاعرية الأسكوبي بقوله: كما يبدو أن شاعرية الأسكوبي المتميزة دفعت بالشخصيات السياسية في تلك الحقبة لتقريبه منهم، ولهذا نجد في مقدمات بعض قصائده ما يشير إلى أنه في سنة 1319 هجرية كان برفقة أمير مكة الشريف عون الرفيق، وأنه كان أيضًا في صحبة أميرها الشريف علي باشا سنة 1323هجرية، والجدير ذكره أن شهرة الأسكوبي كشاعر لم تأت من ارتباطه بالمؤسسة السياسية في الحجاز.. لا، ذاك بل أتت من شعره التجديدي الذي وجه فيه نقدًا حادًا للدولة العثمانية، وكذلك من شعره الذي ضمنه وصف المخترعات الحديثة، حيث ألف مزدوجة ضمنها مفاخرة بين وابور البر ووابور البحر، وبسبب هذه الانعطافة الجديدة في مسيرة الشعر التقليدية آنذاك وجدنا الناقد عبدالله عبدالجبار يرى أن شعر الأسكوبي (يمثل الإرهاصات التي سبقت مولد الأدب الحجازي الحديث خاصة، وأدب الجزيرة عامة. ومن الشعراء محمد أحمد العمري الواسطي (1280 - 1365هجري) الجزائري الأصل المولود بمدينة بسكرة، والذي قدم في مقتبل عمره إلى المدينة المنورة في حدود سنة 1300 هجرية، ونشأ في أسرة دينية فقد (حفظ كتاب الله على قراءة ورش كما حفظ بعض متون الفقه المالكي وألفية ابن مالك وهو في العشرين من عمره، ثم أزمع لرحلة الدراسة واستكمال المعلومات في معهد الزيتونة، ولما وصل تونس حسن له زملاؤه مواصلة الرحلة إلى مكة المكرمة، فواصل هو ورفاقه السير إلى مكة عام 1300 هجري وبعد أداء الفريضة قصدوا المدينة المنورة). على أن دراسة العمري لم تقتصر على مذهب فقهي واحد حيث نجد في ترجمته أنه درس على العلامة الحنبلي السلفي المحدث الشيخ عبدالله القدومي النابلسي، كما درس على الشيخ حسن الأسكوبي علم الهيئة والميقات وبعض العلوم الرياضية، ويبدو أنه زامل الشيخ إبراهيم الأسكوبي في دراسة الأدب والبلاغة على يد الشيخ برادة، وكلاهما أي الأسكوبي والعمري تأثرا ببرادة في مجال تعاطي الشعر السياسي. ويرى الأستاذ الأنصاري أن شخصية الشاعر محمد العمري تنطوي على شيء من شذوذ العباقرة فقد كان عبقريًا فريدًا في شاعريته، وهو يشعر بعبقريته هذه الفذة المهملة فكان هذا الشعور المكبوت يضفي عليه طوفانًا من الألم وعصبية المزاج. وينهي الكاتب الفصل الأول بالشاعر الأديب المؤرخ عبيد عبدالله المدني (1324 – 1396 هجري) الذي أدرك ثلاثة عهود: العثماني والهاشمي والسعودي مثله في ذلك مثل أنداده من أدباء وشعراء المدينة المنورة. ويجد الأستاذ الأنصاري في دراسة خاصة له عن شعر عبيد مدني أن الدور الحقيقي الذي قام به في بيئة عرفت بأنها من أكثر بيئات الجزيرة العربية احتفاء بالشعر منذ العصر الجاهلي، فيعتبره بحق وحقيق أول ناشئ في المدينة المنورة جنح نحو الأدب الحديث وأسلوب الأدب الحديث، ومنهج الأدب الحديث في المدينة المنورة. أما الباحث إبراهيم المطوع فيرى أن بيئة المدينة المنورة كانت آنذاك سباقة لحركة البحث في نواح وجوانب عدة، ومنها الجانب الأدبي، حيث يقول في دراسته عن شعر السيد المدني: (حظيت المدينة بانبثاق حركة البحث منها وتبناها مجموعة من شعراء المدينة المخلصين، ووصلت إلى مكة برغم انقطاع السبيل بينهما) إلا أن الأمر عاد لسيرته الأولى بعد توحيد الجزيرة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وينتقل شاعرنا إلى مكة المكرمة حيث اختير عضوًا في مجلس الشورى عام 1356 هجري واستمر في عمله هذا حتى عام 1373 هجري، وفي مكة التي كانت تعج بحياة فكرية وأدبية صاخبة التقى بشخصية كانت تمثل محورًا للأدباء والشعراء وهو الشيخ محمد سرور الصبان -رحمه الله- وأضحى المدني يتعاطى ذلك الفن الشعري الذي كان سائدًا في تلك الحقبة وهو فن المساجلات الشعرية وكان الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي واحدًا من هؤلاء الشعراء الذين تعاطى معهم شاعرنا ذلك السجال. ثم يتبين كيف كان شيخه العمري يشجعه على إبداع الشعر حيث يطلب منه تذليل أبيات معينة فإذا هو ينطلق من ذلك التذليل إلى نص شعري فيه من الجدة والابتكار في المعاني ما فيه إضافة إلى الديباجة الشعرية العربية الأصيلة. وفي الفصل الثاني يضعنا الدكتور عاصم حمدان مع نصوص شعرية لهؤلاء الشعراء ثم يذكر المصادر الأصلية لكل نص ومناسبة كل قصيدة. وبعدها ينتقل بنا إلى الفصل الثالث والذي محتواه: رؤية حول النصوص الشعرية، فنعرف من خلال الدكتور حمدان أن الشعر السياسي هو الذي يحرض على الحروب ويدعو الحكام إلى العزم وأخذ الحيطة من الأعداء في الداخل والخارج، كما تعرض نوعا من هذا الشعر الذي يعرض قضايا الأمة أمام الحكام ويطالب بإصلاحها للقضايا السياسية والوطنية الملتصقة بهموم الأمة وتطلعاتها. ويبرز كيف ساهم البيتي مع غيره في تسجيل كبريات الأحداث التي كانت تقع في قصائد مطولة، وتتسم -تلك القصائد- بالإيضاح والشمول حتى أنك تستطيع بكل سهولة ويسر أن تلم بكل حادثة منها بعد قراءة القصيدة الموضوعة فيها كأنك تقرأ قصتها نثرًا، وهذا ما دعا السيد عبيد مدني أن يطلق على هذا النوع من الشعر اسم (الملحمة). ونلاحظ -والقول للكاتب- أيضًا من ناحية نقدية تأثر البيتي في بعض مطولته بالقرآن الكريم، وتدليلًا على ذلك فإننا نورد المطلع الشعري لقصيدته والتي يقول فيها: المجد تحت ظلال سمر الذبل وظبا القواضب والجياد القفل الموريات العاديات ضوابحًا الصافنات الزافرات الجفل. وإذا كان البيتي قد وصف لنا أحداث المعركة التي دارت رحاها بالقرب من المسجد النبوي الشريف، بمعنى أنها كانت حدثًا داخليًا، فإن عبدالجليل برادة -كما يقول عبدالقدوس الأنصاري- قد رمى بنفسه في آتون المعركة من خلال القصيدة التي نظمها بمناسبة انتصار الدولة العثمانية على اليونان سنة 1313 هجرية. ويرى الأنصاري أن الشاعر حاول اقتداء نموذج الشعراء القدامى (وذلك صنيع فحول الشعراء الأكرمين يتحدثون عن معارك أمرائهم وكأنهم يخوضونها معهم. ويتألق برادة شعريًا عند مدحه للسلطان عبدالحميد واستخدامه في المعركة ضد أعدائه أساليب الشد والإرخاء فيقول: لك الرأي بالحزم السديد مؤيد تعاملهم بالمكر إن لزم المكر فداو مريض الجهل بالحلم إن يفد وإلا فداء الشر يحسمه الشر.
ويرى الدكتور إبراهيم الفوزان أن الاتجاه الأدبي التجديدي بدأ عند الشاعر عبدالجليل برادة إلا أن هذا الاتجاه قد تبلور عند الأسكوبي في شكل مدرسة أدبية تبعه فيه زملاؤه وتلامذته في سائر المدن الحجازية، بل يذهب إلى أبعد من هذا عندما يرى أن شعراء مكة المكرمة والمدينة قد تأثروا بهذه المدرسة ويذكر في مقدمتهم شاعر الغزل المعروف عبدالواحد الأشرم المكي. وتتجسد الرؤية الإسلامية لدى الشاعر في معظم أبيات القصيدة وكأنه يستشرف الأفق بأن البعد عن الدين سوف يرمي بهذه الدولة الإسلامية -فيما بعد- في أحضان النظام الغربي البعيد البعيد كل البعد عن النهج الديني. يقول الأسكوبي: تالله تالله إن لم تتبعوا الذكرا مالوا عليكم فلم يبقوا لكم ذكرا نعم الشفاء بقرآن الإله إذا قبلتموه وإلا فاسكنوا القبرا. إلا أن الأسكوبي في الوقت نفسه يرى ضرورة الأخذ بكل الأساليب الحديثة التي تجعل الأمة قوية بسلاحها، كما هي قوية بعقيدتها ومنطلقاتها وثوابتها.
وإذا كان جعفر البيتي أنشأ قصيدته في ظل الحالة الأمنية المتردية التي عاشتها المدينة في القرن الثاني عشر الهجري، وكانت الدولة العثمانية مسؤولة عن ضياع الأمن والديار المقدسة في تلك الحقبة، وإذا كان عبدالجليل برادة أنشأ هو الآخر قصيدته عندما كانت الدولة العثمانية تخوض حروبها ضد بعض الدول الأوروبية، وإذا كان الأسكوبي أنشأ قصيدته والدولة العثمانية تتعرض لحالة من الانهيار الداخلي سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وإذا كان محمد العمري أدرك هو الآخر محاولة الدولة العثمانية استعادة شيء من هيبتها أثناء الحرب العالمية الأولى، فإن مما يمكن استنتاجه من ذلك أن شعراء المدينة كانوا مواكبين للأحداث التي تمر بها الأمة العربية الإسلامية، وذلك بحكم موقع المدينة الديني، حيث تعتبر عاصمة الإسلام الأولى كما يمكن لنا معرفة الخلفية التي انطلق منها عبيد مدني في إنشاء قصيدته ووجهها إلى أستاذه العمري، والقصيدة كما هو مثبت في ديوان الشاعر، قد أنشأها سنة 1343 هجري، وهي الفترة التي سبقت انضواء المدينة تحت الحكم السعودي، وتحديدًا تحت تأثير أجواء الحصار الذي كانت تعيشه المدينة، وكانت سابقة على القصيدة التي أنشأها سنة 1343 هجرية والتي يقول فيها: هذه المدينة أصبحت ألعوبة صماء بين زعانف وغواة الحكم فوضى والمطامع جمة والشعب بينهما فريسة عاتي حال تذوب لها الضمائر لوعة والموت فيها أهون الحالات. ويرى الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري أن وطنية الشاعر وشجاعته دفعته لإبداع مثل هذه القصائد المدوية كدوي المدافع في أجواء المدينة قبل انضمامها إلى بقية أجزاء العربية، والتي توحدت فيها بعد تحت راية الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ويرى الأستاذ عبدالله عبدالجبار أن هذه القصائد كانت لها آثارها الإيجابية (حيث لقيت آذانًا صاغية وقلوبًا واعية إذ ذاك). يقول المدني طالبًا من أستاذه العمري القيام بدور تنويري في المجتمع: فثر فيه واترك لليراع سبيله فقد بات حينًا لا يبين ولا يخفي وبين لهم معنى الحياة فإنها نأت عنهم لكي تطل من السجف. وبعد الخاتمة يثبت الدكتور عاصم المصادر والمراجع من مخطوطات وكتب مطبوعة ومصادر إنجليزية ودوريات. بطاقة عرفان بالجميل والفضل للدكتور عاصم حمدان على إنجازه المعرفي التوثيقي والأدبي الإبداعي الجميل، وللمجلة العربية الرائدة كل الشكر والدعاء بالتوفيق والازدهار لما ترفد به المكتبة العربية من كنوز والأدب العربي المعاصر من موضوعات ومضامين ثمينة.
* عضو حركة شعراء العالم في تشيلي
عضو دارة الشعر المغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.