لا يختلف اثنان في أهمية تنظيم الوقت واستغلاله بكل نافع ومفيد، وقد اعتنى الإسلام بالوقت عناية بالغة، بل لم يعرف التاريخ أمة اهتمت برعاية الوقت وصيانة الزمن كهذه الأمة، لكن ما يؤسف له في زمننا الحالي هو أن كثيرًا من الشباب لا يقدرون أهمية الوقت وهو بالنسبة لديهم شيئًا لا يذكر وكأنه ليس من أهم الأشياء التي يجب الحرص عليها. ومع قرب الإجازة الصيفية نرى الكثير يشتكون من كثرة أوقات الفراغ لديهم وأنهم لا يعرفون أن يقضوا أوقاتهم، “الرسالة” ناقشت الأمر مع عدد من المختصين وسعت إلى معرفة أهم الجوانب التي يمكن الشباب أن يستغلوا أوقاتهم فيها للوصول إلى النافع المفيد. بداية بين أستاذ الشريعة بجامعة القصيم الدكتور خالد بن عبدالله المصلح أن مرجع كثير من المشكلات الدينية أو الاجتماعية أو الأخلاقية والسلوكية في فترات الإجازات الصيفية ذلك الفراغ الهائل الذي يخيم على أكثر الناس في هذه الفترة فما الإجازة عند أكثرهم إلا كمٌ كبيرٌ من الوقت الفارغ الذي لا يحسن استعماله ولا تصريفه فهي أوقات ضائعة وطاقات معطلة من خير الدنيا أو الآخرة ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). وطالب المصلح الشباب والفتيات مع قرب موعد الإجازة الصيفية بالانتباه لعدة أمور وقال: عليهم أن يذكروا في بالمقام الأول أنهم عماد الأمة ورصيدها وزخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم ومن أهم عوامل تحقيق صلاحكم واستقامتكم وعيكم بواجبكم وملؤكم أوقاتكم بالنافع المفيد وها أنتم أيها الشباب تستقبلون إجازتكم السنوية فإياكم وإياكم إياكم والفراغ والبطالة فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال. فعليكم استغلال أوقاتكم في هذه الإجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا وألا تتركوها نهبًا لشياطين الإنس والجن وقد يسر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة تستغلون من خلالها أوقاتكم وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم بل إيمانكم فمنها حلق القرآن الكريم المنتشرة في المساجد فإنها من رياض الجنة وفيها خير عظيم. وأبان المصلح أنه يجب على الوالدين أن يعلموا أن الله سبحانه وتعالى حملهم أمانة عظيمة وهي مسؤولية تربية أبنائهم وحفظهم وتنشئتهم على العبادة والطاعة كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فعليهم معرفة أن ما يقومون به اليوم من حسن التربية والرعاية والحفظ والصيانة لفلذات أكبادكم يجنونه ثوابًا وأجرًا عند الله في الآخرة وبرًا وإحسانًا في الدنيا وقد كلفهم الله وأمركم بحفظهم ووقايتهم قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ). متسائلًا بقوله: الأب الذي أدار ظهره لأولاده وبيته فلم يجلس فيه إلا ساعات قصارًا في نوم أو أكل وقد أخذت مشاغله بتلابيب قلبه وشغلت لبه وقلبه فلم يلتفت لأولاده ولا لتربيتهم وإصلاحهم هل قام بما أوجب الله عليه؟ والأب الذي ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكورًا وإناثًا يخرجون متى يشاؤون ومع من يريدون، يسهرون إلى الفجر وينامون أكثر النهار ويصاحبون أهل السوء ويهاتفون أهل الشر هل قام بحفظهم ورعايتهم؟ فالجواب على هذه الأسئلة هو ما ترونه من أحوال أبناء هؤلاء لا ما تسمعونه. جريمة قتل الوقت من جانبه أوضح الداعية علي حريصي أن هناك عدة أمور على الشباب معرفتها وهي إذا كان من مزايا الوقت المدركة أنه سريع الزوال، وأن ما مضى منه لا يمكن أن يعود أو يعوض، وأنه أنفس ما لدى الإنسان حتى إنه يعتبر رأس ماله الحقيقي، بل هو الحياة حقًا؛ فإن على المسلم واجبات نحو وقته يجب أن يعيها وأن ينقلها من دائرة المعرفة والإدراك إلى حيز العمل والتنفيذ، يجمعها الحرص على الاستفادة من الوقت فيما ينفع في أمر دينه ودنياه، وما يعود على أمته بالخير والصلاح. وبين حريصي أنه مما يؤلم القلب ويزيده أسىً وحسرات وزفرات ما يلحظ اليوم عند كثيرٍ من الناس من إضاعة للأوقات تجاوزت حد التبذير إلى التبديد، ووصلت إلى مراحل من السفه البالغ؛ حتى إنك لتسمع كثيرًا عبارة تدور على ألسنة بعض المغبونين الذين يحيون حياة الأنعام، ويعيشون عيش الطغام، هي عبارة: (قتل الوقت هنا وهناك) وما علم هؤلاء أن من قتل وقته إنما يقتل نفسه. مضيفا بقوله: جريمة قتل الوقت وتبذيره من أخطر الجرائم وأشدها أثرًا في الأفراد والمجتمعات، فهو وراء كل مشكلة، وسبب كل معضلة، وخلف تورط كثير من الناس في المشكلات والأخلاقيات وغيرها، مما يتطلب من المسلمين جميعًا الإعداد والتخطيط والعمل لهذه القضية المهمة تشخيصًا وعلاجًا؛ لأن ضرر أصحابها ليس على أنفسهم فحسب وإنما على مجتمعهم بأسره، ألا فليعلم ذلك من يعمرون مجالس اللهو الخاوية، ومجتمعات القيل والقال، والفضول الفارغة، ومن يجددون الساعات الطوال في الليل والنهار فيما يضر ولا ينفع، دون شعورٍ ولا مبالاة، لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة، غافلين عن حقوق الله وحقوق عباد الله، معرضين عن واجبات الدين والدنيا، يبددون الأوقات في الأسواق والطرقات، والمقاهي والملاهي وعلى الشرفات، ويهدرون ساعات ليلهم بالسهر على إدارة مؤشرات الشاشات، والقنوات والفضائيات وما تبثه من سمٍ زعاف، في فراغٍ صارخ، وبطالة ممقوتة، أين قلوبهم حينما يسمعون بالحوادث والكوارث، أيظن هؤلاء أنهم مخلدون في هذه الحياة، ما جوابهم حين العرض على سؤال الجبار جل جلاله عن ضياع الشباب وتبديد الأعمار، نعوذ بالله من الخذلان. أهمية إدارة الوقت أما المستشار النفسي بمستشفى صامطة العام الأستاذ علي عشيري فقد نوَّه بأن هناك عدة أمور يمكن للشباب عملها كي لا يضيع وقتهم سدىً وهي مرتبة كالآتي: (التخطيط، تحديد الأهداف، تحديد الأولويات، التقييم والمحاسبة والرقابة، التركيز، التوازن، تجنب التشويش والارتباك، التغلب على التأجيل والمماطلة). وبين عشيري أن العالم توسع في كل الاتجاهات تقريبًا، فجميع الناس لديهم أيام تتكون من أربع وعشرين ساعة، ويتلقى أنجح الناس وأفشلهم نفس الحصة من الساعات كل يوم. موجهًا سؤاله للشباب أين يكمن الفرق؟ مبينًا أنه يكون في نظرتنا إلى قيمة الوقت ومجموعة الطرق والوسائل التي نستخدمها لاستغلال الوقت في هذه المساحة اليومية من الزمن. ونوه عشيري بأن أهمية إدارة الوقت ودورها الحاسم والاستراتيجي في هذا العصر الذي تعددت فيه مطالب المهنة، وتنوعت احتياجات العائلة، وتزايدت الضغوطات الاجتماعية، وبروز ثورة التقنية، وانفجار المعلومات، والتسارع المرهق في سوق المنافسة الضخم، والتبدل والتنوع الكبير في نزعات وأذواق المستهلكين، وتزاحم الدعايات المروجة للسلع والخدمات في الفضاء الإعلاني الواحد. واستطرد عشيري بقوله: لو نظرنا للأمور السابقة بتمعن وتركيز فإنه يتحتم علينا الاهتمام والتركيز على إدارة الوقت، وضرورة معرفة خطط واليات وطرق ووسائل إدارة الوقت، وإفراد مساحة لعرض أنواع إدارات الوقت وتطبيقاتها في مجالات مختلفة. مطالبا بمتابعة قصص الناجحين، وكيف حرصوا على تنمية أوقاتهم وإدارتها بكفاءة وفاعلية حتى وصلوا إلى قمة النجاح والتفوق. .. والشباب يبررون: لم نجد ما يشغلنا وأوقاتنا فارغة فلماذا ننظمها؟ وتوجهت الرسالة صوب مجموعة من الشباب وسألتهم عما يثار من إضاعتهم للوقت ففتحوا قلوبهم وتحدثوا بكل صراحة فكان الحديث التالي: تخطيط مؤقت بداية أوضح الشاب مؤيد الشميري أن مسألة الاهتمام بالوقت بكل صراحة “غائبة” عن معظم شباب الجيل الحالي، فأكثرهم عندما يريد تنظيم وقته وتخطيطه يكون لل24 ساعة القادمة فقط أي أنه يرتب من نهاره إلى ليله، وليس كما يفعل البعض من تنظيم أوقاتهم لمدة سنوات أو شهور، منوها بأن أهم الأسباب في ذلك هو أن الشاب عندما يريد تنظيم وقته يجد جميع المحيطين به غير مهتمين به وكذلك عندما يواعد شخصًا ما فإنه لن يجد ذلك الوقت الدقيق. أما الشاب سامي المرواني فقد عبر بأن الشخص كثير المشاغل هو من نجده يضع ذلك الاهتمام للوقت لأنه سينظم حياته، ويقول: نحن كشباب لم نجد الوظائف ونشكو من الفراغ القاتل ولن يفيدنا تنظيم الوقت شيئا، فجميع أوقاتنا فارغة ولا داع لترتيبها. اختلاف الشباب أما الشاب نايف الحداد أوضح أن تنظيم الوقت يختلف من شخص لآخر، فهناك أناس نجدهم يضيعون أوقاتهم بالساعات وهناك آخرون نراهم يستغلون كل دقيقة، وهنا نرى الفرق، فكما تختلف أصابع اليد الواحدة فهنا يختلف استغلال الناس لأوقاتهم ولا يمكن الحكم على الجميع بأنهم لم يستغلوا أوقاتهم.
