خيرات هطلت على الشعب السعودي كزخات المطر المنهمر، فتهللت وجوههم خيراً، وانتشت نفوسهم حبوراً بهذه الإصلاحات والقرارات الكريمة، التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا امتدت إليها. هذه القرارات التي شرحت صدر الصغير قبل الكبير، والميت قبل الحي، لكن هذه الفرحة تتساءل في خجل: هل ستصلها كل هذه الخيرات وفي أسرع وقت؟!. حقيقة هذا هو التساؤل الذي ينطق به لسان الكثيرين من المواطنين على الرغم من يقينهم من النية الصادقة لأصحاب القرار في إيصال كل تلك العطاءات للمواطنين، لكنهم متخوفون من تلك الأفواه الشرهة الأنانية التي بكل تأكيد قد سال لعابها حين سمعت بكل ذلك الخير، فهي لا تُفكِّر إلا في ملء بطونها بالمال الحرام، إنها مافيا الاحتيال والغش والخداع، إنها مافيا الثالوث المرعب المدمر الذي ينهش الخيرات ويسطو عليها بطرق خفية لئيمة، ويتمثل هذا الثالوث في: «الفساد المالي، الفساد الإداري، الجشع التجاري»، فالكل يأمل في إيجاد إستراتيجية فاعلة وسريعة للقضاء على كافة أوجه الفساد المالي، الناتج عن التلاعب بالعقود، والتحايل الدنيء لشرعنتها، وإكسابها صفة رسمية بطرق خبيثة وملتوية. ففي السنوات الأخيرة شهدنا وسمعنا بقصص وروايات الشركات الوهمية، وظهور فئة الهوامير، ولا أعرف لماذا يطلق عليهم هذا اللقب، إذ من المفترض أن يسمّوا باللصوص، فبدلاً من تقلصهم نجدهم أخذوا في التكاثر، لعدم وجود رادع قوي، يكف أيديهم الطويلة، وبطونهم العميقة التي لا تشبع. لا نريد أن تزداد الأفواه النهمة شراهة وثراء، ويظل المواطن يلهث للحصول على تلك المكرمة السخية، الحمد لله أن قرارات (أبو الشعب) كانت محددة بزمن، وهذا كفيل بمحاصرة الأطماع إلا إذا كان أولئك قد تعلموا فنون المخادعة والحيلة على الأزمنة وتغيير مسار عقارب الساعة. أما الركيزة الثانية من ركائز الثالوث المدمر فتتمثل في الفساد الإداري، وما أدراك ما الفساد الإداري؟.. إنه الفساد المنتشر في بعض الإدارات، بأشكال متعددة من بيروقراطية، وديكتاتورية، وواسطة وشللية، ما يعطل مصالح المواطنين ويؤخرها، بل يميتها ويزهق روحها، إلى جانب شيوع الظلم وتفشيه، نتيجة هذه السياسة الإدارية القاحلة التي لا تؤمن بقانون من أين لك هذا؟!. أما الركيزة الثالثة لذلك الثالوث المدمر فهي الجشع التجاري، الذي لا يشبع من مص دماء المواطنين، فإن بعض التجار أول ما يسمعون بأي مكرمة يُسارعون للمتاجرة بها، لانعدام الضمير، وانعدام المواطنة، فكل المكرمات يعتقدون أنها لهم، لذا تعلّموا خفة اليد، فقبل أن تصل إلى الجيوب أو الأكف الممدودة بلهفة، يُسارعون بخطفها وتحويلها إلى مصارفهم عن طريق رفع الأسعار، والتلاعب بها في ظل غياب الرقيب الأمين. والسبب في استشراء هذا الثالوث المرعب، هو انعدام الأمانة وانعدام الخوف من الله، وعدم إدراك معنى المواطنة الحقة.