محامٍ يدعو لتصنيف الذكاء الاصطناعي كممارس صحي غير بشري لتفادي التبعات القانونية    مطار أبها يعتمد إجراءات جديدة لشحن السمن والعسل    السفارة السعودية في سوريا تتيح تراخيص السفر لرجال الأعمال السعوديين والسوريين    الخارجية الفلسطينية تُطالب المجتمع الدولي بإجراءات فورية لوقف حرب الإبادة في غزة    "الصحة العالمية" تُدين الهجمات الإسرائيلية على مقارها وموظفيها في دير البلح بقطاع غزة    أسواق التميمي وYellow Door Energy توقعان عقد تأجير محطة طاقة شمسية    البيئة تعلن تمديد مهلة الحصول على رخص استخدام مياه الآبار لمدة عام    تقارير.. الأهلي يرفض التواجد في السوبر    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    أكثر من 7 آلاف طفلٍ استفادوا من مركز ضيافة الأطفال في المسجد النبوي    'الحياة الفطرية' توضح حقيقة ظهور قرود البابون في الرياض    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في اليوم العالمي للعلاقات العامة 2025 م    تدمير 77 مركز قيادة للطائرات المسيرة الأوكرانية        جامعة جازان تُطلق برامج جامعية قصيرة ضمن مبادرات برنامج تنمية القدرات البشرية    الجمعية للثقافة والفنون بالشمالية تنظم مسرحية 'الراعي' بعرعر يوم الأربعاء    المسرح ورهانات المستقبل".. أمسية ثقافية بجمعية الثقافة والفنون بجدة    حرارة مرتفعة في الرياض والشرقية و رياح على معظم المناطق    أمير نجران يثمّن جهود الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    أمير القصيم يدشن مشروعين خيريين في البكيرية بتكلفة 10.5 ملايين ريال    أمير القصيم يزور مقصورة السويلم التراثية في البكيرية    أمير القصيم يطّلع على مشاريع تطوير البلدة القديمة    أمير القصيم يدشن مشاريع صحية في البكيرية    المنتخبات السعودية الجامعية تواصل مشاركتها في الألعاب العالمية بألمانيا    لا علاقة بين يوم الميلاد وشخصية الإنسان    تقنية تحسن عمى الألوان    الوحدة ليست وباء بل تجربة إنسانية    في كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق Gen.G Esports الكوري يحصد بطولة League of Legends    أكاديمية الإعلام السعودية تقيم اللقاء الافتتاحي لمسار "قادة الإعلام"    انطلاق موسم صيد الروبيان بالشرقية ب710 تصاريح    "الأمن العام" يكشف حيل المتسولين وأساليبهم المتنوعة    "واتساب" يدخل الإعلانات لحسابات المستخدمين    تصعيد متبادل بين الطرفين.. غارات إسرائيلية تستهدف مواقع الحوثيين بالحديدة    أكدت أن أمانات المناطق ترصد المخالفات.. "البلديات والإسكان": 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية ل»الاستثمار»    بدء التقديم على مقاعد دراسة التمريض في البحرين    حذر من مفترق طرق خطير.. المبعوث الأمريكي ينتقد تدخل إسرائيل في سوريا    دعونا نتحدث قليلًا عن تمكين المرأة    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي وزير الدولة لشؤون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية ويزور ثكنات ويلينجتون العسكرية    10 ملايين زائر للمواقع والفعاليات الثقافية في 2024    فيلم «الشاطر» يتجاوز ال 15 مليون جنيه خلال 4 أيام    المغنية الفرنسية Ghostly Kisses تشدو في موسم جدة    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الأخضر الأولمبي يفتتح مشواره في الدورة الدولية بمواجهة أوزبكستان    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    النصر يقلد الهلال    محامية تعتدي على زملائها ب" الأسنان"    مليون ريال غرامات بحق 8 صيدليات مخالفة    أكد رفع التنفس الاصطناعي خلال 4 أيام.. الربيعة: استقرار حالة التوأم "يارا ولارا" بعد عملية الفصل    "السينما.. فن المكان" شعار مؤتمر النقد السينمائي الثالث..    ناشئو أخضر اليد يبدأون معسكرهم في سلوفينيا استعداداً لمونديال مصر 2025    1.9 مليون مصلٍ في روضة المسجد النبوي    «تطوير المدينة» تُنفّذ 16 مبادرة لخدمة ضيوف الرحمن    استقرار حالة التوءم الملتصق السعودي يارا ولارا    تقرير المجاهدين على طاولة أمير جازان    أمير نجران يسلّم شاباً وسام الملك عبدالعزيز لتبرعه بإحدى كليتيه لشقيقه    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير دولة الإمارات لدى المملكة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنوب السودان.. طلاق رجعي أم بائن؟
نشر في المدينة يوم 13 - 01 - 2011

ثمة ملاحظتان لهما ما بعدهما، ونحن نعيش مشهد تقسيم أول دولة عربية منذ اتفاق سايكس بيكو الشهير قبل نحو مائة عام.
الملاحظة الأولى هي حال البلادة، أو اللامبالاة سودانيًّا، وعربيًّا، وحتى إسلاميًّا، وإفريقيًّا بما حدث ويحدث في السودان، الذي تلفظ وحدته آخر أنفاسها، وتودّع أرضه آخر لحظات سلامتها.
أمّا الملاحظة الثانية فهي أن مَن شاركوا بالصمت، أو بالفعل.. بالخطأ، أو بالعمد، في مشهد تمزيق وحدة السودان، يتحدّثون في هذه اللحظات عن إمكانية قيام اتحاد كونفدرالي -لاحقًا- بين سودان الشمال، وسودان الجنوب!!
دعونا أولاً نرصد أعراض حال البلادة، وربما السعادة لدى البعض بتقسيم أول بلد عربي منذ مائة عام، فبينما كان الجنوبيون يقرعون طبول الانفصال أمام لجان الاقتراع، كان المنتخب السوداني يشارك في بطولة دول حوض النيل في القاهرة، فيما كان نادي المريخ السوداني يتوجّه إلى مصر لإقامة معسكر إعداد للدور الثاني من بطولة الدورى السوداني، بينما ينقل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عن الرئيس السوداني عمر البشير قبل يوم واحد من الاستفتاء استعداد الخرطوم لإعفاء الجنوب من حصته في ديون السودان الخارجية، إذا ما قرر سودانيو الجنوب الانفصال! أيّ أنه إذا وافق الجنوبيون على الانفصال، فسيتم مكافأتهم بإعفائهم من الديون، فإن لم يصوّتوا لصالح الانفصال فإنهم سوف يتحمّلون مع أشقائهم في شمال السودان عبء تسديد تلك الديون للمجتمع الدولي!!..
هل ثمة مَن سعى في السودان إلى “تخليص” الشمال من أعباء تنمية وتطوير الجنوب الذي لا يمثل المسلمون سوى 25% فقط من سكانه؟! ربما..!!.
أمّا عن أعراض البلادة أو اللامبالاة عربيًّا، فحدَّث ولا حرج، وإن كان أغلبها نتاج حالة انكفاء على الذات، وسط مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية في معظم دول الشمال الإفريقي مازالت تأخذ بتلابيب مصر وتونس والجزائر في توقيتات يمكن وصفها بأنها “مشبوهة”، فيما ينكفىء لبنان على محاولات البحث عن مخرج “شرعي” من مأزق المحكمة الدولية، بينما يواصل العراق رحلة البحث عن حكومة لم تكن نتائج الانتخابات كافية من وجهة نظر البعض لتحديد هوية مَن يقوم بتشكيلها، أمّا اليمن فهو يكابد حربًا ضد الإرهاب، وصراعًا من أجل الحفاظ على الوحدة، بينما تعصف رياح ارتفاع أسعار المواد الغذائية “عالميًّا” بفرص الاستقرار في معظم البلدان العربية الفقيرة.
كل ما تقدم ليس أعذارًا نسوقها لتبرير حال البلادة العربية إزاء مشهد تقسيم أول بلد عربي منذ ما يقرب من مائة عام، لكنه تشخيص لواقع عربي مؤلم، لا بديل عن التعاطي معه، واستخلاص العِبر منه.
قبل نحو سبع سنوات سقطت بغداد عاصمة الخلافة العباسية في قبضة الاحتلال الأمريكي، لم يكن مشهد السقوط مفاجئًا، فالجميع -عربًا وغير عرب- لم يتوقعوا بالطبع سقوط واشنطن في قبضة الاحتلال العراقي، لكنّ أحدًا لم يكن يملك تغيير النتيجة، أو يرغب حتى في الحد من سرعة إيقاع الأحداث، فأقصى ما انشغل به الجميع هو السعي لتأمين الذات، ومحاولة لجم التداعيات الإقليمية لسقوط بغداد، والآن فيما ينفصل جنوب السودان، وتخسر الأمة العربية سبعمائة ألف كيلومتر من أخصب أراضيها، وعمقًا إستراتيجيًّا لها في قلب إفريقيا، لا يبدو أن أحدًا في العالم العربي يتطلّع إلى ما هو أبعد من “تأمين الذات، ولجم التداعيات”.
ما حدث في العراق، ثم في السودان يطرح بدوره سؤالاً مؤلمًا: لماذا يعجز النظام الإقليمي العربي عن لجم التدهور، وحماية التراب الإقليمي العربي؟! ومتى يمكن الاطمئنان إلى قدرة هذا النظام على حماية وحدة أعضائه؟! وما هي البدائل في حال لم يمكن التوصل عبر النظام الإقليمي العربي إلى آلية للحماية؟!
المشكلة الحقيقية في اعتقادي “قيمية” بالأساس، ولا ذنب لمؤسسات العمل العربي المشترك فيها، وأذكر أنني سألت الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى: لو كان النظام الإقليمي العربي حاسب صدام حسين على مذبحة حلبجة، وعلى التنكيل بمعارضيه، هل كان يمكن أن تسقط بغداد؟! ساعتها أومأ الأمين العام برأسه، ثم انتقل سريعًا إلى موضوع آخر، مشيرًا إلى أن ثمة نقاشًا عربيًّا رفيع المستوى في الطابق السفلي بمقر الجامعة حول تطوير برامج التعليم في العالم العربي. إلاّ أنني تابعتُ: لو كانت المواطنة مصانة في العراق والسودان، وفي غيرهما بالطبع لما آلت أحوالنا إلى ما آلت اليه، فنحن مَن نوفّر الذرائع لمن يكيدون لنا، ونحن مَن يهيئ الفرص للراغبين في تمزيق صفوفنا، كنا حتى مطلع الألفية الثالثة نكافح من أجل وحدة الصف العربي، أمّا اليوم فالمشهد الراهن يقول إن بلدانًا عربيةً تكافح من أجل الاحتفاظ بوحدة نسيجها وترابها الوطني.. لو اضطلعت الجامعة العربية بدور في حماية قيم المواطنة، والسعي لتكريسها في كل قطر عربي لما آلت أحوالنا إلى ما آلت إليه. أعرف أن غالبىة أعضاء النظام الإقليمي العربي لن ترحب، ولن تقبل بسهولة بمثل هذا الطرح، لكن طرحه يظل واجبًا على كل مَن يخشى على وحدة وسلامة أراضي هذا الوطن العربي الكبير.. فالعدل هو الحصن الحصين لكافة الأوطان.
الجنوبيون الذين يرقصون على إيقاع الطبول الإفريقية ابتهاجًا بالانفصال عن السودان، ما كانوا ليفعلوا ذلك لو شعروا أنهم مواطنون على قدم المساواة في الوطن الواحد، وأنهم ينالون ذات الفرص في التعليم والعلاج والرعاية الاجتماعية والتنمية المستدامة والأمن والمناصب العليا، من خلال نظام يحترم المواطنة بغض النظر عن الدِّين واللون والعرق والمذهب واللغة، لكن مَن استكثروا عليهم ذلك على مدى أكثر من نصف قرن، يتحدّثون اليوم عن طروحات كونفدرالية، آملين أن تتيح مثل تلك الطروحات “طلاقًا رجعيًّا” لا “بائنًا” بين شمال السودان وجنوبه، أمّا الجنوبيون المأخوذون بلحظة “الانعتاق” فلسان حالهم يقول: فات الميعاد.. لا عودة عن الطلاق، ولو بألف محلل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.