الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    "جامعة أم القرى تهيّئ طلابها لجسور التدريب الدولي في لندن وهونج كونج"    اعتماد المواعيد الجديدة لفترتي تسجيل اللاعبين للموسم الرياضي المقبل 2025-2026    سكان المملكة ينفقون 13.62 مليارات ريال خلال أسبوع    مقتل 2 بسبب ارتفاع درجات الحرارة في فرنسا    نائب أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لغرفة جازان    أمير حائل يطلع على خطط الشرطة ومشاريع هيئة التطوير وبرنامج كفاءة الطاقة    أمير القصيم يكرّم أخصائيي الحوكمة والجودة في جمعية أبناء    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان.. الاثنين المقبل    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    وفد أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية السعودية التركية بمجلس الشورى يلتقي رئيس البرلمان التركي    أمانة الشرقية تطلق مشروع تطوير كورنيش الدمام بهوية ساحلية معاصرة تعزز جودة الحياة    المملكة وإندونيسيا.. شراكة تاريخية تعززها ثمانية عقود من التعاون المشترك    من أعلام جازان.. الأستاذ عبدالله بن عيسى إسماعيل الشاجري    دبي تستضيف النسخة السادسة من القمة الطبية لأمراض الدم لدول الشرق الأوسط وأفريقيا وروسيا    ارتفاع الأسهم الأوروبية    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمين القصيم يوقع عقد تأمين مضخات كهربائية لمحطات ومعالجة السيول بمدينة بريدة بأكثر من 3 ملايين ريال    أمانة تبوك تكثف جهود صيانة الطرق والحدائق وشبكات التصرف خلال النصف الأول ل 2025    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    ترمب: فلسطين وإيران محور مباحثاتي مع نتنياهو.. جهود دولية لوقف إطلاق النار في غزة    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    بدء صرف"منفعة" للأمهات العاملات    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    أصداء    العثمان.. الرحيل المر..!!    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التفكير في زمن التكفير “نصر حامد أبو زيد أنموذجًا”
نشر في المدينة يوم 13 - 10 - 2010

عندما يُغيب الموت شخصية فكرية ونقدية في مقام شخصية نصر حامد أبو زيد فإن الاشتغال الفاحص على سيرة هذه الشخصية وما أنتجته من فكر ونقد سيتضاعف أكثر، وعلى أثره تتوالد تساؤلات عديدة وتتباين مواقف يمكن من خلالها معرفة مدى قيمة هذه الشخصية وحضورها في اللحظة الزمنية المعاصرة، وإلى أي حد تمكنت من تحقيق مشروعها الفكري والنقدي، وما مدى فاعلية هذا المشروع في الدفع بحركة الفكر والنقد في مصر وسواها من الأقطار العربية التي تفاعلت معه سواء بالإيجاب أم السلب؟ إلا أننا سندع هذا كله لحركة البحث وقابلية قراءة ما أنتجه المفكر، ونقنع بالوقوف على ما اقترفه الواقع العربي الراهن في حق المفكر، وهو واقع لا شك في أنه لا يبتعد كثيرًا عن واقع التكلس والارتهان لعوامل الزيف والجهل المتوارثة على مدى مراحل زمنية متعاقبة، والتي أفضت إلى حالة جمود رهيبة لا تنحصر في المستوى الفكري فحسب وإنما في مستويات مختلفة منها المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي.
إن غياب المفكر والناقد العربي نصر حامد أبو زيد في لحظة زمنية يمكن وصفها بالارتهان لقوى رجعية لا تؤمن بحرية الفكر وقبول الآخر وجدوى الحوار في التقريب بين وجهات النظر المتباينة يعد فاجعة لأولى الفكر والرأي والاجتهاد الذين يؤمنون بالمنهجية وتناول الأشياء بأسلوب علمي يستند إلى مبدأ النظر والفهم والتحليل والتعليل والنقد، وهم قلة ينقبون خلسة عن هواء الفكر النقي في بيئة يلفها دخان التطرف والإقصاء. ومع الحماس الشديد الذي يبدونه في التنقيب وقدرتهم على ملامسة الحجة وتوظيفها بمنطق علمي إلا أن بعضًا منهم يختنق برائحة الدخان، أو بالأحرى أن الأيادي التي تشعل فتيل الدخان تمتد لتصفيتهم، متجاهلة أن الاختلاف الدافع لفعلها هو اختلافٌ كما يقول فرج فودة أحد ضحايا هذه الأيادي في السياسة والفكر والرأي ولا صلة له بالدين والعقيدة والإيمان، هو اختلاف في ممكنات الحياة لا عقائد الدين.
هكذا يدعنا المفكر الفذ حامد أبو زيد ونحن نعتصر الألم المر بفعل الفكر المتطرف الذي يتصاعد دخانه في عالم اليوم، وتتضاعف الأحضان التي تتلقفه ويترعرع في كنفها بشكل مرعب، فالأمر لم يعد مقصورًا على تكفير الفكر من على منبر يتحدد مكانه هنا أو هناك، بل تجاوزه إلى منابر أكثر سعة وفاعلية، ومنها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وبدعم سخي لو وظف في مكانه الصحيح لكانت الأمة أحسن حالًا. يظهر ذلك بجلاء في حجم الكتب التي توزع مجانًا لشرائح كبيرة من العالم العربي أو الكتيبات والمنشورات التي تهدف إلى نشر الكراهية والتطرف وإقصاء العقل عن فعل التفكير وجبره على قبول ما يطرح دون فهم أو تحليل أو استنباط أو نقد، وكذلك تضخم وسائل الإعلام بمختلف صورها بمواد وبرامج تصب في خدمة التوجه ذاته.
إن هذه الوضعية التي أسهمت في تشكيل ملامح الأمة وأصبحت في حكم المتعارف عليه أو ما يجب توارثه بين الأجيال تعد الدافع وراء محاولات عديدة لبعض المفكرين قديمًا وحديثًا من أجل تجاوزها أو الإشارة إلى مظاهرها السلبية وما تنتجه من هدم وتدمير لبنية الإنسان المعرفية، وبنية المجتمع في مختلف مكوناته وصوره. ومن المفكرين المعاصرين الذين وقفوا على هذه الوضعية وتناولوها بتكنيك علمي نصر حامد أبو زيد، حيث أوقف حياته العلمية لمبدأ التفكير وإشهاره في وجه مبدأ التكفير، وقد أفضى هذا الفعل إلى تعرضه إلى حملة تكفيرية شعواء لم يشفع له في حضرتها منهجه العلمي أو تألق أسلوبه الإبداعي في مواجهة الحجج الواهية التي تستند إليها قوى التكفير، لكن عزاءه الأوحد أنه استطاع أن يتقدم خطوات في مشروعه الفكري والنقدي الذي رسمه لنفسه وأبان عنه في كتابه “التفكير في زمن التكفير (ضد الجهل والزيف والخرافة ص23)، وحصره في ثلاثة محاور: (دراسة التراث دراسة نقدية) و (نقد خطاب “الإسلام السياسي”؛ لأنه يحول الدين إلى مجرد “وقود”)، والمحور الثالث هو محاولة تأصيل وعي علمي بدلالة النصوص الدينية”. والقرب من هذه المحاور من وجهة نظر التيار التكفيري يعد مخالفة لله ولرسوله وللمؤمنين، فضلًا عن تناولها ومناقشة عناصرها التكوينية.
وقد استهل نصر حامد أبو زيد مشروعه من خلال تناول قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، وذلك في أطروحته للماجستير تحت عنوان “الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة”، ومن المعلوم أن المعتزلة كان لهم أثر بين في إنضاج مفهوم “المجاز”، وتقدير قيمة العقل، وقد حاول في دراسته بيان العلاقة الوثيقة بين الفكر الاعتزالي والمجاز في القرآن، معتمدًا بصفة أساسية على المصادر الأصلية للفكر الاعتزالي دون غيرها من المصادر التي تؤرخ لهم أو تحكي آراءهم، ولا سيما مصادر القرن الرابع الهجري؛ لأنه يرى أن هذا القرن يمثل النضج النهائي للفكر الاعتزالي في عصر نهضته الثانية في بلاط الدولة البويهية. ولم يقف جهده عند تناول فكر المعتزلة بل وسع دائرة تناول التراث في مرحلة الدكتوراة من خلال تناول الفكر الصوفي، وهو موضوع محل اختلاف وجدل بين تيارات دينية مختلفة شأنه شأن الفكر المعتزلي، وجاء تناوله تحت عنوان “فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي”، واعتنى كثيرًا بالتأويل من حيث الوقوف على مفهومه الشائع في فكرنا الديني والفلسفي المعاصر، والذي يرى التأويل جهدًا عقليًا ذاتيًا.
إن بروز أي مشروع فكري أو سياسي يفسر حالة تراث الأمة البائسة ومقوماتها المعرفية وينتقد المغالطات الخطيرة التي تسوقها قوى الخرافة والجهل يواجه بعيون حمراء تترصده عن قرب وتترقب اللحظة الزمنية المواتية للنيل منه وتسريحه من الحياة حقيقة ومجازًا بشتى الوسائل المتاحة مشروعة كانت أو مخترعة، وهذا ما ناله المفكر والناقد نصر حامد أبو زيد، فما أن قدم بحثه (نقد الخطاب الديني) إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب، جامعة القاهرة؛ لنيل الترقية إلى درجة (أستاذ)، حتى كشرت ذئاب القوى المتخلفة أنيابها، وأحاطت به كإحاطة السوار بالمعصم، ليس في حرم الجامعة العلمي فحسب، بل في كل مكان، حيث نفثوا سموم جهلهم وظلت لعناتهم تلاحقه كالظل المرافق له، وانهالت عليه الأوصاف، ومما يؤسف له أن مجموعة كبيرة من قبيلة الأكاديميين أسهموا بشكل فعال في تحريك القضية والتدحرج بها نحو قاعة المحاكم الشرعية وإعلان حكم التكفير والإبعاد والتفريق بينه وبين زوجه، وعلى رأس هؤلاء الأكاديميين عبدالصبور شاهين توفي قبل أيام معدودة رئيس لجنة تحكيم البحث وتقويمه الذي نقل القضية من ساحة الفكر والرأي والاجتهاد إلى ساحة الدين والايمان وذلك من على منبر جامع عمرو بن العاص ومنه انطلقت حملة التكفير والمطالبة بتقديمه للمحاكمة.
هكذا تخرج ممارسة الاختلاف الفكري من دائرة البحث العلمي والمناقشة وحرية الرأي والاجتهاد إلى دائرة الحكم القضائي، ومن المفارقة أن عبدالصبور شاهين رائد حملة التشهير قد تعرض للموقف نفسه الجزاء من جنس العمل حين ألف كتابه “أبي آدم”.
إن ظاهرة محاكمة الفكر والرأي في المحاكم الشرعية لا تنفرد بها دولة عربية واحدة، وإن نالت مصر النصيب الأوفر من هذه التركة، فهناك: طه حسين وأمين الخولي ومحمد أحمد خلف الله ونجيب محفوظ وسواهم الكثير، ولا تزال الظاهرة اليوم ماثلة بقوة في مختلف الأقطار العربية وبتأييد سياسي غايته إقصاء من لا يؤتمن جانبه، وتتعدد صور المحاكمة والتشهير وتتطور بتطور آلة الزمن.
(*) باحث من اليمن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.