أثبتت العديد من القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية أن الطائفية والاستجابة للتدخلات الخارجية لهما الأولوية في برامجها السياسية ليس فقط فوق المصالح الوطنية ، وإنما أيضًا فوق المصالح الحزبية ، وهو ما يتناقض تمامًا مع مفهوم بناء الدولة الحرة المستقلة الذي تدعى تلك القوى أنها تسعى إلى تحقيقه ، وهو ما تمثل أمس الأول في تأييد التيار الصدري لترشيح الرئيس العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي لمنصب رئيس الوزراء عن التحالف الوطني ودعوة مجلس النواب للانعقاد في أسرع وقت ممكن للتصويت على تسميته مجددًا رئيسًا للوزراء . اللافت أن تأييد التيار الصدري لترشيح المالكي جاء رغم الحملات القتالية الشرسة التي سبق وأن شنها على مدينة الصدر. لكن بالرغم من أن هذا الاتفاق الذي يعتبر مؤشرا على إمكانية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي طال انتظارها ، إلا أنه لا يزال هنالك عراقيل تقف على طريق تحقيق هذه الغاية ، يأتي في مقدمتها أن الاتفاق الجديد تم في غياب المجلس الإسلامي العراقي وحزب الفضيلة ، إلى جانب تأكيد القائمة العراقية التي يمثلها د. إياد علاوي والتي فازت بأعلى نسبة في الانتخابات البرلمانية على عدم المشاركة في أي حكومة عراقية يشكلها المالكي ، وهو ما يعني أن التحالف الوطني في غياب هذه الأطياف السياسية العراقية الفاعلة لا يمكنه تشكيل حكومة بدون التحالف الكردستاني . ورغم أن الأكراد أبدوا استعدادهم بدعم من يرشحه التحالف الوطني ، إلا أن هذا الدعم لا يمكن أن يتم بدون ثمن ، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من تكريس الانقسام بين القوى العراقية السياسية. المفارقة في تطورات الشأن العراقي ما نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز الجمعة من أن استمرار المالكي في حكم العراق يخدم كل من المصالح الإيرانية والأمريكية ، وهو ما يثبت أن العراق لا يزال يفتقر إلى الإرادة السياسية الحرة ، وأنه لا يمكن الاطمئنان على مستقبله إلا بتشكيل حكومة شراكة وطنية تشارك فيها كافة الأحزاب العراقية التي فازت في الانتخابات البرلمانية : حكومة قادرة على الاضطلاع بمهمة المؤسسات الأمنية والسياسية والاقتصادية وبسط السيادة والأمن والاستقرار على كافة ربوعه بعيدًا عن التدخلات الخارجية والممارسات الطائفية.