انطلاق منافسات "فورمولا 1 للزوارق السريعة" بجدة    الأمين العام لمجلس الشورى يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أمينًا عامًا للمجلس    الأمين العام لمجلس الشورى يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أمينًا عامًا للمجلس    الجبير يستقبل الأمين العام السابق للأمم المتحدة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يستقبل وزير الدولة الإسباني لشؤون البيئة    تجمع الرياض الصحي الأول يعزّز جاهزية الرعاية الصحية في معرض الطيران السعودي 2025    محافظ مرات يكرم المشاركين بموسم شتاء مرات ( 6 )    بدر الشهري مديرًا لإدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة    قبل ديربي حائل.. ماذا قدم الطائي والجبلين في دوري يلو؟    السيف العقارية تستحوذ على أرض صناعية في الظهران بمساحة مليون م2 وبقيمة تتجاوز 430 مليون ريال    المملكة تقيم مخيمًا جديدًا لإيواء الأسر التي فقدت مُعيلها في قطاع غزة    بدء أعمال السجل العقاري ل 31 حيًا بمناطق الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 750 كرتون تمر في مديريتي الضليعة وغيل بن يمين بمحافظة حضرموت    القبض على شخص لترويجه (17) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر بعسير    هيئة تنظيم الإعلام تحيل 6 أشخاص إلى النيابة العامة بسبب نشر محتوى يؤجج الرأي العام    بقيمة 3,8 مليار ريال دار وإعمار توسّع محفظتها التطويرية في الرياض عبر مشاريع سكنية جديدة واتفاقيات استثمارية خلال سيتي سكيب 2025    حوارات تحت سقف واحد.. بين الفردية وشراكة الحياة الزوجية    الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على مدينة طوباس لليوم الثاني على التوالي    "التخصصي" يستضيف قمّة التعاون في الجراحة الروبوتية بالرياض    العرض السعودي مزاد عاطفي يشارك في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    طالب من الطائف يشارك في المجلس الاستشاري للطفولة المبكرة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يطّلع على روزنامة "مهرجان جازان 2026    تثبيت سعر الفائدة الرئيسية في كوريا الجنوبية    فوز كاتبة فرنسية بجائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة    علماء صينيون يطورون لسانا اصطناعيا لقياس مستوى الطعم الحار    «مدينة القدية» تقدم ألعاباً عملاقة مبتكرة    تقمص هيئة والدته «المتوفاة» لأخذ معاشها    وسط تحذيرات إسرائيلية من تصعيد محتمل.. اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص    أبطال أوروبا.. ليفربول يسقط برباعية أمام آيندهوفن    في ربع نهائي كأس الملك.. الأهلي والاتحاد يواجهان القادسية والشباب    في خامس جولات كأس آسيا 2.. النصر يقسو على استقلال دوشنبه ويتأهل لثمن النهائي    «الثقافة» تعزز الهوية الوطنية في المؤسسات التعليمية    أكد أن مؤتمر «حل الدولتين» حقق نجاحاً كبيراً.. الدوسري: توظيف العمل الإعلامي العربي لخدمة القضية الفلسطينية    تقليد إلفيس بريسلي ينهي مسيرة قاض    وسط خلافات مستمرة حول بنود حساسة.. الكرملين يؤكد استلام النسخة الجديدة من «خطة السلام»    استعرضا عدداً من المبادرات والمشروعات التطويرية.. أمير المدينة والربيعة يناقشان الارتقاء بتجربة الحجاج    عبر منظومة خدمات لضيوف الرحمن.. الحج: 13.9 مليون مرة أداء للعمرة خلال جمادى الأولى    الجيش يطالب بانسحابها من المدن.. قوات الدعم السريع تنقض الهدنة    أكد أهمية دور الأسرة.. رئيس جمعية حقوق الإنسان: تعزيز الحماية الرقمية يحد من العنف ضد المرأة    «المالية»: نظام الرقابة المالية نقلة نوعية    خلال المؤتمر العالمي ال48 في جنيف.. السعودية تحرز 18 جائزة دولية عن تميز مستشفياتها    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح أوروبا    40% يضعون الطاقة الشمسية ضمن خياراتهم    نشر 500 عنصر إضافي من الحرس الوطني في واشنطن    أمير تبوك يستقبل قنصل الفلبين    مبابي يسجّل ثاني أسرع «هاتريك» في تاريخ دوري أبطال أوروبا    محافظ الأحساء يطلع على جهود مركز عبدالله بن إدريس الثقافي    تصاعد الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن: جهود مكثفة لإنهاء حرب أوكرانيا    ملف الرفات وتحديات الهدنة: تبادل هش ومصير معلق في غزة    إتاحة التنزه بمحمية الطوقي    المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب يعقد أعمال دورته ال21    الأمن العام يدعو ضيوف الرحمن إلى الالتزام بالممرات المخصصة داخل الحرم    13.9 مليون إجمالي مرات أداء للعمرة خلال شهر جمادى الأولى    تعديل بعض مواد نظام التسجيل العيني للعقار.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظامي الرياضة والرقابة المالية و«إستراتيجية التخصيص»    «الجوازات» تصدر 25,646 قراراً بحق مخالفين    خالد بن سلمان يرأس وفد المملكة باجتماع مجلس الدفاع المشترك.. تعزيز التعاون العسكري والدفاعي بين دول التعاون    موسكو تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال    أمير تبوك يستقبل سفير دولة الكويت لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



2+2 لا تكون إلا أربعة مهما استجدَّ في الزمن من متغيِّرات!!
نشر في المدينة يوم 28 - 05 - 2010

مواجهة المواجهةِ بإنصاف وانتصاف (3) أحمد حجازي والشعر العمودي مُلَخّص رأي الشاعر الوديع أحمد عبدالمعطي حجازي عن أدب الحداثة في مداخلته الكريمة ما يلي: 1- ثنائية التقسيم بين حداثة جماهيرية، وحداثة نخبوية [الذي يُرضي فصحاءنا نُخبيَّة] ..والأولى قادها أمل دنقل، والثانية للصفوة من المثقفين. 2- أن الثقافة في مجملها وعي يبدأ بما يحدث حولك؛ لتغيير الجانب السلبي. 3 - أن الثقافة في مجملها هي الوعاء لتاريخ أي بلد، وهي البوصلة التي توجهنا. 4 - أن الشعر هو قلب الثقافة والذي [الصواب بدون واو؛ لأنه لا عَطْفَ بين الصفة والموصوف] تتضح به سمات الثقافة وملامحها بوضوح. 5 - الشعر هو الفكر والفن والإبداع والحرية والوضوح. 6 - الشعر أيضاً قيمة أخلاقية فنية؛ لأنه حَتْم على الشاعر أن يكون له مثل أعلى.. إلا أن المثل الأعلى لا يوجد في الواقع؛ فالشاعر يبحث عنه فيما وراء الواقع. 7 - الشاعر الذي مرت صفته يجمع بين الأصالة المطلوبة والحداثة. 8- في خلال الحديث عن العقاد رحمه الله تعالى ذكر الأستاذ حجازي أن الشعر يكون تفعيلة وعمودياً ونثراً. 9- لا يهتم كثيراً بالحب والهجر.. إلخ ، ولكنه يهتم باللحظات الإنسانية ذات الخصوصية الشديدة، وصفتُها الصدق الخالص. 10- ذكر أشياء لها حديث يأتي إن شاء الله عن قصيدته (مرثية لا عب سيرك). 11- قصيدة التفعيلة هي الشكل الأساس للشعر العربي منذ القِدَم، والقصيدة العمودية كرد فعل لها [الصواب بدون كاف قبل (رد)؛ لأن المراد الوصف المطابق لا التشبيه المقارِب]. 12- القصيدة النثرية استجابة لكل عصر له خصوصيته الذاتية. قال أبو عبدالرحمن : أما العقاد رحمه الله فله حديث يأتي إن شاء الله، وحكمي فيه مِن وجهٍ لا يعني الحكم فيه من كل وجه.. وقبل السجال الودي مع الشاعر الفاضل حجازي ومنه أتعلم أود أن أذكر تفصيل رأيي بإنصاف وانتصاف مع الحداثة معتمداً على تجربة عريضة في قمتها العطاء الموسيقي، واللذة الفنية (وهي شاملة الفن للفن، والفن للحياة) ، وارتباط النص الفني بالفنون الجميلة، ومعاناتي للشعر عربية وفصيحة باللحن المحدِث الوزن لا بالتقطيع البصري في عروض الخليل.. واعتمدت أيضاً على قيمتي الحق والخير؛ فلا أَخْلط بين الهُوُيَّات.. مقدراً في الوقت نفسه أُبوَّة الأستاذ الكبير الطُّلْعة الدكتور إحسان عباس رحمه الله؛ فكل زيارة له للرياض أسعد به في بيتي مدعوُّاً وزائراً، وأزوره أيضاً في الفندق، وأشاركه تَكْرِمَتَه لدى العلامة حمد الجاسر رحمه الله تعالى، وأَبَثُّه همومي العلمية والأدبية؛ فما وجدتُ مثل هذا الرجل عفَّة لسان، وكرم خلق، واكتفاء باللمحة الكافية بُعْداً عن تجريح عَلمٍ لا يُرضيه مذهبه الفكري أو الأدبي أو الانتمائي.. مع سعة ساحته في التراث والمعاصرة معاً؛ فالحديث مع الأستاذ الشاعر حجازي عن النص الفني عموماً، وعن الشعر خصوصاً، وكلاهما الأدب بالعرف الحديث، وقد رأيت تراكماً في كتب الأدب يُثير الغثيان وليس من الأدب في شيئ كتأليف دراسة عن أدب الطبيعة في الأندلس، ووصف الناقة في الشعر الجاهلي.. إلخ!!.. فهذه أمور ثقافية شواهدها من نصوص أدبية بغض النظر عن قيمتها الفنية كلها؛ فلذلك اضطررت إلى (تصنيف الأدب) في أحد كتبي .. منهجان نقديان ورأيت الأدب بصفته نصاً فنياً يقوم على منهجين نقديين متلازمين: أولهما: منهج (النقد التفسيري التعاوني الجماعي)، وهذا يُحقِّق صحة التصور وجَوْدة الفهم، وقد استخدمته في دراسات لي منشورة عن قَصَص اليهودي (فرانز كافكا)، وفي دراسة لي مطبوعة عن قصيدة أبي العلاء المعري (ياساهر البرق).. ويحقق ذلك المنهج أيضاً أن تلمس بيدك بواعث وينابيع الإبداع أو الاجترار لدى الشاعر، ويعينك على تصنيفه أدبياً، ويغذِّي خبرتك بما تحتاج إليه مما لم تتخصص فيه أو تطَّلِع عليه في أصله ، وأهم ذلك ينابيع الأدب الأفندي ، ومن أحاط بشيء منه بلغة ثانية فلا يحيط بكل اللغات؛ فلا بد من متابعة أكثر من ترجمة في موضوع واحد إن وُجِد ذلك التعدُّد، ولا بد من سياق الفكر الأدبي العالمي وقيمه في سياق الدراسات المترجمة والآداب المقارنة؛ وذلك أيضاً ينفي أوشاب ما علق بالأدب وليس منه. وثانيهما: (المنهج الجمالي)، وهذا ليس للتصور وحسب، بل للمعايشة والتفاعل وتنظيم الأحكام الجمالية المتعلقة بالنص الأدبي كما سيأتي بيانه.. والقيمة الجمالية إحدى قيم الوجود الثلاث، وهي متلازمة؛ فلا بد من عنصري الجلال والكمال (المأخوذين من قيمتي الحق والخير) في كل ما هو جمالي؛ فإن كان جمالاً مجانياً فلا بد من سلبية تنفي الباطل والشر.. ومع التلازم بين القيم الثلاث إلا أن قيمتي الحق والخير ثابتتان؛ 2+2 لا تكون إلا أربعة مهما استجدَّ في الزمن من متغيِّرات ، والصدق لا يكون خيراً حتى يكون خالصاً لا شائبة فيه من الكذب، والكذب شرُّ وإن خالطه شيء من الصدق يُرَوّج له.. وما استجد في الزمن علم يُغذي قيمتي الحق والخير ولا يغيِّر معاييرهما الثابتة ؛ فهو زيادة علم يزيد المعايير تصوراً أو أحكاماً في أشياء كانت غير معروفة قبل ذلك، إلا أن الأحكام المستجدَّة معيار ثابت.. وهذا غير العلم الجديد الذي ينفي اعتقاداً باطلاً، لأن كلامي عن معايير العقل الإنساني المشترك، وهو مرجع القيمتين الأخريين.. وأما قيمة الجمال فغير قارَّة ولا ثابتة؛ فقد يكون ما كان جميلاً أمس بارداً اليوم بمعيار (المَلَل)، وقد يكون غداً جميلاً بدافع الإلف والحنين.. إلا أن معايير الجمال ثابتة على نسبيتها من استقراء النشوة في الذات ومواصفاتها في الموضوع ؛ فبكاء الصعيدي على ليلاه بغنائه العامي، واهتزاز الراعي مع صوت شَبَّابته القصبية البدائية (البوق) دون ذوق صاحب التخت الشرقي ، وكلاهما دون ذوق ما أبدعه عبدالوهاب والسنباطي؛ فالمواصفات الجمالية في الموضوع والذات تصنيف للقيم الجمالية في سلَّم تصاعدي فئوي يبدأ بالطبقة الشعبية التي هي محدودة الثقافة والفكر، ويرتفع إلى النُّخب ذات الفكر والثقافة.. والإبداع والإحساس الجمالي مشترك، ولكنه يسمو ويتألَّق ويكون الإحساس مرهفاً بالثراء أدباً وثقافة وفكراً، ويبقى تصنيف المعايير الجمالية مضافاً إلى الذائقة عند كل فئة، وهذا معنى النسبية ؛ فاللذة حس جمالي يرتدُّ إلى معايشة جمال تاريخي ولو إلى أجل.. والشعر ذو هُويَّة لدى الأمم له نظام ، وله حظُّ من الفنون الجميلة وهو حظ كبير جداً كالموسيقى وإيقاع الرقص والصورة ، ولا بد من الابتداء بالشعر العمودي ؛ لأنه الأسبق في موروثنا الشعري.. شكل تاريخي ومن تجربتي رأيت أن الشعر العربي في شكله الذي قنَّن له الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى في أعاريضه شكل تاريخي محدَّد لأمة العرب انتهى بالألحان العربية التي سمعها الخليل بأذنه فوضع أوزانها؛ فاللحن هو الذي يُظهر الوزن، ثم يبقى الوزن الواحد قابلاً لأكثر من لحن.. وهذا أمر قطعي بتجربتي لشعر العامة الذين لا يعرفون الأوزان ولا يعتمدونها؛ وإنما يعرفون الألحان بالغناء، ويُفرِّقون بينها، ويميزونها بالأسماء، ومن خلال سماعي لألحانهم وغنائي بها أظهرتُ أوزان شعرهم عارفاً لكل لحن وزنه بدون زحاف ولا علة غير ثابتتين، وأما الثابتتان فيصدر عنهما وزن آخر وألحان أُخر، ووجدتُ أوزاناً غير مأثورة في الشعر العربي مثل: فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل كل ذينك للشطر الواحد، وهي قابلة لشعر فصيح، وقد سمعت أن الشاعر السوداني محيي الدين فارس نظم على أوزانٍ من ألحان جنوب السودان.. ووجدت أوزان الشعر الفصيح مثل البحر الطويل يُغنَّى عليه لحن جميل من أنواع اللحن الهجيني كقول الشاعر سليمان ابن شريم: (سرى البارق اللي له زمانين ما سرى) بل وجدتُ بحر الرمل ذا لحن يُعرف عندنا باللحن اللعبوني مثل : (مومناتٍ ما شباهن الدِّبقْ) ويُغنى على لحنه مثل قول بشار بن برد: (إن في برديَّ جسماً ناحلاً). وَقَدَرُ الشعر العربي التاريخي أنه على قافية واحدة وشطرين، وأن الشطرين متساويان كَمّيةً وترتيباً في البُنى.. تبدأ البنية بمتحرك وساكن، أو متحركين وساكن.. إلخ ، ويكون من البنيتين أو الثلاث تفعيلة واحدة ، ويكون الشطر من تفعيلات محددة العدد معروفة المكان تقديماً و تأخيراً.. والخليل بن أحمد رحمه الله تعالى لا يستطيع التقنين للَّحن كتابةً بغير الوزن الذي هو قالب لأكثر من لحن؛ لأن النوتة لم تُعرف؛ وإنما يغني اللحن الذي سمعه من العرب بوزن سليم من الزحافات والعلل غير الثابتة وفق ممارستنا الآن لألحان العامة، وللوزن نظام يرسخ في الذاكرة، وتتدرَّب عليه الأذن؛ فتدرك استقامته أو خلله بلا عناء.. ولكن الخليل رحمه الله وجد ضروراتٍ غنائيةً تُخِلُّ ببنية الكلمة بالنطق الفصيح؛ فَتُحرِّك ساكناً، وتسكِّن متحرِّكاً ، وتلغي المد من ممدود، وتمدُّ غير ممدود؛ فأثبتَ الكلمة بلا خلل لغوي ، وسمَّى الضرورات الغنائية زحافات وعللاً، وفرَّق بين غير الثابت وبين الثابت الذي يُكوِّن وزناً آخر، وألحاناً أُخر؛ ولهذا لا تقبل الأذن لا وزناً ولا لحناً (مستعلن) في البحر البسيط بمتحرك وساكن، ثم ثلاثة متحركات وساكن.. ولكن الغناء يحوِّرها بما أسلفت من تصرُّفات؛ فتعود إلى (مستفعلن) ؛ فإذا ثبت وزن (مستعلن) /ه///ه كان وزناً آخر قابلاً لأكثر من لحن.. ومن الضرورات الغنائية عادةٌ عربية في الفصحى -. في كلام ربنا وهذا التصرف موجود في كلام ربنا سبحانه كالاتكاء بالنبر على الهاء في مثل (عليهِ) ، وهي على وزن (فعولُ)؛ فيشبعون الكسرة في هاء (عليهِ) إشباعاً يظهر منها ياء ساكنة هكذا (عليهي) ؛ فتتحول إلى (فعولن).. ولما غابتْ ألحان العرب سماعاً صار الشعراء ينظمون على وزن ما رسخ في الذاكرة من سَمْت الوزن على تفاعيل ليس فيها زحافات ولا علل غير ثابتة ، ثم انقسموا إلى قسمين : القسم الأول وهم الجمهور كأبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري وقبلهما أبو تمام؛ فكانوا إذا نظموا على وزن البحر الثابت ولم يطاوعهم دائماً رجعوا إلى التقطيع البصري لعروض الخليل؛ فاستباحوا مثل (/ه///ه) ومعولات (//ه/ه/ ) ، والأصل مستفعلن ومفعولات.. وآخرون كانوا على منهج الأعشى (صناجة العرب)، وعلى وصية حسان رضي الله عنه في قوله: تغنَّ بالشعر إما كنت قائلَه إن الغناء لهذا الشعر مضمار وهؤلاء أمثال العباس بن الأحنف والبحتري والشريف الرضي ومهيار الديلمي وعلي محمود طه وجورج جرداق.. يغنون بألحان يبتكرونها، وبألحان يَأْثرونها.. وما لم يغنُّوه يبقى على السمت الأول.. وهذا شيء يتعلق بعموم اللحن الموزون الذي يسمونه موسيقى خارجية ، وأما الموسيقى الداخلية عند مثل البحتري والمهندس فلها شأن آخر. النغم المفقود وللخليل بن أحمد رحمه الله كتاب في أصول النغم مفقود (كما فُقد تأليفه في العروض)، وإنما سجلوه جملة وتفصيلاً بالرواية، وأنا على يقين بأنه غير قادر على تدوين الألحان؛ لأن النوتة لم توجد بعد؛ وإنما وُجِد بعد أكثر من قرنين نُبذ يسيرة من النوتة عند الرازي، والذي لا أتصور غيره أنه قنَّن للتغني لا للغناء من العادة العربية في النبر والإشباع، وتغيُّر النغمة حسب علامات التأثر؛ فنغمة التعجب ليست كنغمة الإنكار، ونغمة الهدوء في الإيضاح بتبسُّطٍ غير نغمة التهديد.. والنغمة تكون أنغاماً إذا توالت، ومقادير المدِّ، وهذه العادة العربية باقية إلى هذا اليوم.. منها شيء تلقائي كنغمات علامات التأثر، ومنها متوارث بالسماع، ومنها ما هو مدوَّن من السماع يحصل بالتعلُّم من التجويد لكلام ربنا سبحانه المتواتر برواية القراء جيلاً بعد جيل عن الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقنَّن له العلماء ؛ فمقدار المد في مثل (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) بحركة الأصبع حركة واحدة غير المد في مثل (أَوْليَاء) ويحكم مقادير المد ما بعد حرف المد مما يقتضي الإطالة أو القصر أو عدم المدِّ، وأعلى ما في المد ست حركات بالأصبع، وكذلك ضبط مخارج الحروف تطبيقاً همساً وجهراً ومساحة.. إلخ .. وهذا مع حلاوة الصوت؛ وذلك هو التغني المندوب إليه في القرآن الكريم ، وهو غير الألحان المحرَّمة في تلاوة كلام الله.. وكان الشيخ محمد رفعت قدس الله روحه، ونور ضريحه ذا ورع وعِفَّة، ولكنه متذوِّق للموسيقى العربية والخواجية ، وكان محبوباً عند أمثال محمد عبدالوهاب يسمرون عنده بعض الليالي ؛ فأدخل في التلاوة مقامات، وكان بعض المدِّ الذي مقداره ست
حركات لا يكاد ينتهي يستأنفه مراراً ويتموَّج به رأسياً وأفقياً حتى يتحوَّل إلى مجموعات أنغام.. غناء عبقري وللشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله تعالى تلاوة لسورة ليست من التغنِّي في شيء؛ وإنما هي غناء عبقري، وهو محرم في كلام الله ، وأما ترتيله في مثل إذاعة القرآن بالمملكة العربية السعودية فشيء يثب بالأرواح، ولقد حضرت تلاوته في القاهرة مراراً فكنت أطرب لها من غير خشوع ولا خشية.. ولما تركت سماع الطرب إلى غير رجعة إن شاء الله، وطهرت بيتي من الأشرطة أُغرمت بالشيخ محمد رفعت رحمه الله تعالى، واقتنيت كل ما هو موجود من أشرطته، وقضيت الأوقات الصامتة معه بكامل الإصغاء والتفاعل كمشيي على السير الكهربائي، وقضاء وقت للاستحمام، والاضطجاع من تعب لغير النوم ، وتنظيم مكتبتي، أو البحث عن كتب أريد جمعها ؛ فحصلت لي خشية وخشوع، وأرغمني على مراجعة مواضع من كلام الله كنت أُسجِّلها في دفتر صغير.. ثم حصلت لي وحشة، وخشيت أنني فررت من طرب إلى طرب ، فاقتصرت على تلاوته غير الملحَّنة مثل تلاوته لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) إلى مقدار ثلاث صفحات، وأسمع تلاوات الطبلاوي والمنشاوي وعبدالباسط التي لا محذور فيها.. واعترافاً بالنقص البشري يغلبني طبعي بعد أسابيع فأسمع للشيخ محمد رفعت رحمه الله تلاوته لمثل سورة الكهف، ولكنني لا أتمادى. قصيرة النفس وبقي من ألحان العرب مما هو تقريبي لا مطابق؛ لتغيُّر اللهجات، وإحياء الحروف الفرعية، وتداخل الألحان الجديدة فنَّانِ هما: الموشَّحات، والغناء الصوفي.. ولما وُجِدت النوتة حُفظ اللحن للأجيال بكل ماهيته إلا أن ماهية المسافة للأنغام قد تطول وقد تقصر وَفق المدى للطبقات الصوتية لدى المؤدي، وأضرب المثال بهذا المقطع: (تعالى نسهر سوى في نور بهاه) فتجد اللحن عند الموسيقار الملحِّن وعند المؤدية.. إلا أن الست لما تملكه من طبقات صوتية تتجاوز المدى في ذبذبات النغمة طولاً وتموجاً في مثل الألف من (بهاه)، وربما أدخلت حُلًى نغمية مع شيء مِن الشَّجن، وربما غيَّرت طلباً للسهولة مثل (سوه) بدلاً من (سوى)، ولكن ما استجد عند المؤدي تضبطه نوتة أخرى.. ويكاد العالم العربي يعجز عن أداء الشعر الفصيح والزجل باللغة الثالثة على مدى أمثال ألحان السنباطي، وهم في السعودية والخليج أعجز، بل همُّهم الشعر العامي المتقارب الإيقاع مع حُلىً نغمية قليلة قصيرة النفس.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.