حوار - لطفي عبد اللطيف كان المشهد عاطفياً ومؤثراً فاضت فيه عيون بالدمع، وانطلق البعض بالتكبيرات، وانطلق الكثيرون يعانقون ويصافحون ويباركون لأخيهم "صلاح الدين" -الأمريكي دخوله في الإسلام، محتفين به داعين الله له بالثبات وأن يربط على قلبه. المشهد ليس غريباً بل متكرر ويكاد يكون شبه يومي في المسجد الذي يقع في الدور الثاني بمبنى الأمانة العامة بالندوة العالمية للشباب الإسلامي، حيث تنشط "إدارة الدعوة" في مجال دعوة الجاليات المسلمة، من خلال دعاة من سعوديين وجنسيات مختلفة في تعريف غير المسلمين بالإسلام، فهناك من يريد التعرف على الإسلام ، فتقدم له المطويات والكتب باللغة التي يتقنها. ولكن الفرحة بإسلام "صلاح الدين" كانت غامرة، ليس لأنه أمريكي الجنسية كما يعتقد البعض، وأكثر من يدخلون الإسلام عن طريق دعوة الجاليات من الفلبينيين، أو السريلانكيين أو الهنود، بل لأن "بيتر" بروفيسور اللغة الانجليزية بجامعة الملك سعود قال مخاطبا إخوانه في المسجد بكلمات عربية نطقها بصعوبة "أنتم إخوتي في الله"، معبراً عن دفء مشاعر الأخوة الدافقة، فحرص الجميع على تهنئته، فقال ل"الرسالة" إنه ولأول مرة يرى هذه المشاعر الإنسانية التي ذابت معها الأجناس والألوان والأشكال، لا فرق بين سعودي ومصري وسوداني وأردني وهندي وباكستاني. "الرسالة" التقت البروفيسور الأمريكي، الذي ولد نصرانياً، بروتستانتيا المذهب في ولاية كاليفورنيا، ولم يمض على وجوده في السعودية أكثر من أربعة أشهر، عرف خلالها الكثير عن الإسلام، واقتنع به، وأعلن دخوله في دين الله، وشهد "أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله "، مؤكداً أنه تصالح مع نفسه، ووجد إشباعاً لروحه، بعد أن كانت المادة تطغى على كل شيء في حياته، مشيراً إلى أنه تعرف ولأول مرة عن الإسلام بعد أن جاء للمملكة للعمل في تدريس مادة اللغة الانجليزية لطلاب السنة التحضيرية لطلاب البكالوريوس بجامعة الملك سعود، مضيفاً أن عائلته لم تعارض دخوله في دين الإسلام، وأنه سوف يلتقي بهم في إجازة الربيع في تركيا، ويتوقع أن يسألوه الكثير من الأسئلة عن الإسلام، مستبعداً أن يتعرض لأي مشاكل أو عقبات، لان كل شخص لديه الحرية في الاعتقاد، وأنه اختار الدين الذي يعتقده، وكشف عن الشخص الذي كان أول من عرفه بالإسلام وهو مسلم بريطاني من أصول هندية، يعمل معه ويقطن بجواره، ويلتقي به كثيراً. وفيما يلي نص الحوار. ميلاد جديد ماذا يمثل لك اليوم الذي أعلنت فيه دخولك في الإسلام على الملأ ونطقت بالشهادتين؟ هو ميلاد جديد لإنسان بحث كثيراً عن الدين وقرأ عنه، وهداه الله ليعرف الحق، والإسلام هو الدين الخاتم، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فأنا الآن أنتمي للإسلام، والمسلمين جميعاً إخوتي وأنا أحيهم في الله، وهذا يكفيني. ما التحول الذي حدث لك وقد كنت نصرانياً بروتستانتياً؟ الذي تغير أنني عرفت حقيقة الدين، فأنا ولدت في أسرة بروتستانتية محافظة، ونشأت في كنف هذه الأسرة، والجديد أنني عرفت أن الإسلام هو الدين الخاتم، فهو يعترف بعيسى عليه السلام ويقدره ويجله، كذلك وموسى عليه السلام، وعرفت أن هناك سورة في القرآن باسم سورة "مريم" والدة عيسى عليه السلام، فالإنسان مطالب بالبحث عن الحقيقة، وإذا وجدها وتيقن أنها الحقيقة عليه أن يلزمها، وهذا ما حدث لي. بلد متحضر انتقلت من كاليفورنيا إلى الرياض ، وجئت إلى بلد لم تطأه قدماك من قبل، هل تأثرت نفسياً بابتعادك عن بلدك واهلك؟ الإنسان بطبيعته قد يتأثر إذا سافر إلى بلد آخر غير بلده ، وترك أهله وأصدقاءه، ولكنني جئت إلى بلد وجدت فيه كل أسباب التحضر والرفاهية، وأنا على اتصال يومي بالأهل وكأنني أعيش معهم عبر الانترنت، ولكن لا دخل لإسلامي بابتعادي عن الأهل والأصدقاء أو الحضور لبلد آخر في منطقة أخرى في العالم. تغيير الديانة بالنسبة لشخص أكاديمي له تركيبة عقلية معينة ليس سهلا فكيف حدث ذلك؟ نعم. أن تتحول من دين إلى آخر فهذا أمر بالغ الصعوبة، ولكن أن يكون على علم ووعي وإدراك كامل، وفهم حقيقة ما تقوم به، واقتناع تام بالدين الذي تتحول إليه فهذا يجعل الأمر أكثر سهولة، لأنك اتخذت قراراً بكامل وعيك وإدراكك. أخوة غامرة من الذي أثر عليك بصراحة كي تدخل الإسلام؟ لا أحد أثر علي، إذا كان هناك من يستطيع التأثير في الآخرين فلماذا لم يؤثر على من يعيشون في المملكة وهم على دينهم، ومنهم أناس بسطاء من السهل أن تغريهم أو تؤثر عليهم؟ هناك أيضا من هم في وظائف مرموقة في شركات وجامعات ومصانع في السعودية وهم على دينهم. حدثنا كيف دخلت في الإسلام إذا؟ جئت إلى المملكة قبل أربعة أشهر للعمل أستاذا للغة الانجليزية في جامعة الملك سعود ضمن خبراء التربية، وبدأت في تدريس مادة اللغة الانجليزية لطلاب السنة التحضيرية، تعرفنا سوياً كعاملين في حقل التربية مع بعض الزملاء من جنسيات مختلفة، وارتبطنا بعلاقات اجتماعية كنا نخرج سوياً، ونقضي أوقات جيدة مع بعض، لم أشعر أنني مختلف عنهم. بالعكس كانوا فعلاً يغمروني بأخوتهم وأنا القادم من بلد رأس الرأسمالية في العالم. المادة تحكم أي شيء وتتحكم في كل شيء. لن أقول لك إلا أن "الأخوة" هي التي كانت مفتاح الإنسان ليعرف الكثير، سألت بعضهم لماذا أجد كل هذا التعاطف؟ فكان الرد أنهم زملاء وإخوة في عمل واحد، والواجب الديني يحتم عليهم أن يفعلوا ذلك. قلت لهم: أنا أمريكي ولست مسلماً؟ قالوا: ديننا لا يفرق في المعاملة الإنسانية بين مسلم وغير مسلم، أنت ضيف مغترب ولك حقوق علينا لأننا سبقناك إلى هنا. البحث عن الحقيقة تحديدا من هو الشخص الذي بدأت تطلب منه أن يعرفك على الإسلام؟ بعد أن سمعت هذه الكلمات عن الإسلام كان لي أن أبحث عن هذا الدين، وأول من سألته صديقي البريطاني وهو مسلم من أصل هندي، طلبت منه معلومات عن الإسلام ، فكان يعطيني بعض الكتيبات، وينصحني بالتروي والقراءة الدقيقة، فبدأت أقرأ ما يصل إلي من كتب وكلها كانت عن هذا الدين وماهيته، وماذا يعني الإسلام لي. حوارات هادفة هل هناك من ساعدك في التعرف أكثر على الإسلام؟ الحقيقة أن زملائي عندما عرفوا أنني اقرأ عن الإسلام، جاء كل منهم بما لديه من كتب بالانجليزية تتحدث عن الإسلام وتعاليمه، وحوارات المسلمين مع غيرهم، وكثير من الكتب التي استفدت منها. القراءة بمفردك عن دين جديد قطعاً أثارت لديك تساؤلات كثيرة، كيف كنت تجد الأجوبة عليها؟ نعم هذه صحيح، كانت هناك تساؤلات حول الإسلام كدين، ولم تكن الأمور واضحة تماماً أمامي، لذلك كنت ألجأ إلى أصدقائي وزملائي لعرض هذه الإشكالات. مما ساعدني على ذلك أنهم يتقنون اللغة الانجليزية، وهو ما سهل إجراء حوارات هادفة بيننا، كانت مثمرة جداً، ومن ثم فإن الوسط الأكاديمي الذي أعيش فيه يسر لي الكثير من الكتب والمراجع عن الإسلام، وبعض الأسئلة كانت سهلة وهناك أمور كانت معقدة جداً، وتحتاج لوقت للاقتناع بها . أليست فترة الأربعة أشهر قليلة جدا ليقتنع بروفيسور لغة انجليزية بالإسلام؟ ليست قليلة إذا أخذنا في الاعتبار أن معظم الوقت بعد العمل كان للدراسة والبحث والاطلاع والحوارات العلمية الهادفة مع الأصدقاء والزملاء في المسكن والعمل. هل كان هناك تدرج في تلقي المعارف؟ قطعاً التدرج مسألة مهمة جدا وهذا ما قمت به، فقد كان كل شيء يتم بمراحل حتى وصلت إلى درجة القناعة التامة بالإسلام كدين وأنه الدين الحق الخاتم. الجهل بالإسلام نعود إلى نشأتك في كاليفورنيا وتعليمك هناك هل قابلت مسلما من ذوي الأصول الأمريكية وتحاورت معه عن الإسلام أو عرفت شيئا عن الإسلام؟ لا. لم أقابل أي مسلم أمريكي، ولم أتحاور مع أحد عن الإسلام، كنت أهتم بالتعليم والدراسة، ولم أكن أعرف شيئا عن الإسلام سوى معلومات سطحية جداً كلها سلبي. هل تتوقع أن تكون أسرتك سعيدة بإعلان دخولك الإسلام وهي أسرة نصرانية بروتستانتية؟ الأمر لا يهمهم. أن أكون نصرانياً أو مسلماً أو غير ذلك، الموضوع خارج الاهتمام، لدينا حرية اعتقاد، وأنا متأكد أننا عندما نلتقي سوياً ويعرفون شيئاً صحيحا عن الإسلام سوف يسرون بذلك . ومتى ستلتقي معهم؟ اتفقنا مسبقاً على أن نقضي بعض الأيام في إجازة الربيع في تركيا، وبالتأكيد سأعرض عليهم قصة دخولي في الإسلام. وما هو أكثر الكتب التي تأثرت بها؟ كتاب "إسلام تحت الضوء" وغيره الكثير. تحول الاقتناع الديني من الاعتقاد بوجود آلهة متعددة "عقيدة التثليث" إلى الاعتقاد الجازم اليقيني بأنه إله واحد هو الله، هل كان صعبا عليك؟ كنت مقتنعاً تماماً أن هناك إلها واحدا، وأيضاً كنت على قناعة أن عيسى ليس إلهاً بل رسول، وكنت مقتنعاً أنه ليس للرب ولد، والأخيرة كانت مصدر حيرتي كيف يكون للرب ولد؟ الواقع والمفروض تعرف تماماً أن الإسلام كدين شيء وواقع المسلمين شيء آخر، فالإسلام يحث على التقدم والرقي والنهوض والشهادة على الناس والخيرية للأمة، وواقع المسلمين غير ذلك هل يقلقك هذا كمسلم جديد ويؤثر عليك مستقبلا؟ التزمت بدين له نظام وله أسس، علي كمسلم أن أطبق هذه النظم والأسس. أما تخلف المسلمين فهو شيء آخر، ولابد من علاجه، فالدين شيء والواقع الإسلامي شيء آخر، لا أعتقد أن ذلك قد يؤثر علي مستقبلاً. إلى من تنتمي الآن؟ أنتمي لأمة عددها مليار مسلم، ويكفيني ذلك. كيف ترى الخطوة الأمريكية بعرض المسلمين على أجهزة الكشف الحراري في المطارات؟ لا أخشى أي إجراءات قد تصادفني عند عودتي إلى أمريكا سواء التفتيش أو العرض على أجهزة تكشف الجسم. أنا مواطن أمريكي لي كل حقوقي ولا دخل في إسلامي أو عدمه بهذه الأمور. ما دمت لم أرتكب أي مخالفة نظامية أو قانونية ، فلا أحد سوف يسألني عن ديني أو عقيدتي أو رأيي. لكن على المسلمين أن يعرفوا الآخرين بدينهم، هناك تقصير في هذا الجانب، خاصة أن أصحاب الأديان الأخرى يعرضون أديانهم ورسالاتهم على الناس. عندي قناعة تامة أن الشيطان يبعد الناس عن طريق الخير والطريق الصحيح، لذلك علينا أن نجاهد أنفسنا ، ونتقرب إلى الله عز وجل كما أمرنا ربنا. كيف ترى جهود تقديم الإسلام بصورة صحيحة مغايرة للتي تروج لها وسائل الإعلام؟ تحسين صورة الإسلام في أمريكا أو غيرها من دول العالم مسؤولية كل المسلمين، ولا تقع على عاتق فرد واحد أو دولة واحدة، لأننا جميعا كمسلمين نحب أن تكون صورة ديننا صحيحة. هناك من يعمل جاهدا على تشويه صورة الإسلام ونرى ذلك بوضوح، ومن ثم تقع علينا المسؤولية، ولا نطلب من غيرنا أن يحسن صورة ديننا.