وفي كيلو 14 أيضًا رأينا أزقة بائسة تدخلها السيارات، لكنها لم تر الاسفلت يوما عبر تاريخها، وربما لن تراه أبدًا، فهي عشوائية جدًا، وفيها من البشر ما لا يعلمه إلاّ الله. صحيح أن فيها مدارس ومستوصف وخدمات أخرى، لكنها تنتمي حتما لقرن ماض سحيق. في أحد شوارع هذا الحي رأيت آثار السيل الهائج الذي حمل عددًا من السيارات فضرب بها بيتًا في طريقه فدمره ودمّر معه محطة كهرباء مما تسبب في قطع التيار عن الحي طيلة 5 أيام، ورأيت يومها محطة كهرباء جديدة بديلة يجري تركيبها بعد أن شهدت عملية انتشال المحطة المدمرة. وللحق فالعمل (طبقًا لما رأيت) تم بأيد وافدة جزاها الله عنّا خيرًا، وجزى شركة الكهرباء التي كانت سبّاقة لإصلاح الخلل وحل المشكلة. وفي ذلك الحي، التقينا بثلة من الشباب السعودي المتحمس لخدمة المتضررين يمدونهم بالتموينات الأساسية اللازمة ويسجلون المشكلات التي واجهوها وما زالوا يواجهونها. هم يمثلون حملة (مواطنة)، وهي حقًا تحمل شعور المواطنة، بل هي إنسانية محضة تقدم العون للمواطن وغير المواطن على السواء. السؤال هنا إلى متى يظل مشروع مؤسسات المجتمع المدني حبيس الأدراج أو رهين الجدل الذي لا يكاد ينتهي! وفي الشارع نفسه، رأيت 4 مشاغل نسائية متلاصقة ومحلاً آخر لمكياج وكوافير السيدات، فعجبت كيف أن حيًا متواضعا كهذا يحتاج كل هذا العدد من المشاغل النسائية المتلاصقة جدارا بجدار! مجرد تساؤل قد يهم البعض، لكنه محير فعلاً! وكما في الحي وافدون كثر، ففيه مواطنون كثر كذلك.. عاش بعضهم أكثر من ربع قرن فيه وترعرع في جنباته أبناؤهم كما بناتهم. استغربت كيف يتأتى لهذا الجيل الناشئ في هذه البقع العشوائية تجنب مساوئها الاجتماعية والتربوية، وحتى الأمنية والأخلاقية!! اللهم احفظهم واحفظ ذرياتهم وذرياتنا وجنبهم الانحراف والضياع والشرور. لم أكن أتصور عشوائية بهذا الحجم، ولست أدري كيف نمت هذه العشوائية عبر السنين! تفسيري الوحيد هو استشراء العشوائية والارتجالية في كل أمورنا وأحوالنا، والله المستعان .