على الرغم من الأهمية البالغة للفضائيات والصحف، ولاسيما الإلكترونية منها في المحافظة على الأمن الاجتماعي والدولة الوطنية كمظلة وحيدة لصيانة المجتمعات، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت سيولة ملحوظة في هيمنة أجهزة مخابرات وأمن، على المحتوى الإعلامي بالكثير من الوسائل بهدف بث الإشاعات ونشر الفوضى وتهديد استقرار الدول لصالح البعض. وفيما يحذر الخبراء من انحراف بعض وسائل الإعلام عن مسارها المهني لتصبح ألعوبة في ايدى المخابرات خشية النتائج الطبيعية لهذا النهج، ممثلة في اهتزاز الثقة بها وصعوبة القيام بأدوراها الأخرى، فإن بعض الخبراء يشيرون بوضوح إلى أن المخاطر باتت واضحة بالفعل بعد تحول بعض وسائل الإعلام إلى أدوات حرب رئيسية. وتتفاقم المخاطر وفقا للخبراء في ظل سيطرة هذه الأجهزة على 30 - 40% من وسائل الإعلام حاليا، مما يضع صدقية الإعلام بأسره على المحك من جهة، ويفسر من جهة أخرى اهتزاز الثقة في الإعلام والتحول إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي يختلط فيها الحابل بالنابل، ولا يمكن التمييز فيها بين الرأي والخبر والإشاعة. الشهري: صحف إلكترونية تحولت إلى وسيلة مخابراتية لنشر الشائعات والفوضى في البداية يشير الإعلامي سلطان الشهري إلى أن الفترة الأخيرة شهدت إقبال بعض الأحزاب وأجهزة مخابرات إقليمية على إنشاء صحف إلكترونية لبث الشائعات والأخبار الكاذبة لتحقيق أهدافها والتأثير على الخصوم، وتهديد بناء الدول الوطنية، وساعد على ذلك سهولة الإجراءات، مشيرا إلى العديد من المواقع التي تُتيح لمشتركيها إنشاء صحيفة إلكترونية، ومنها موقع Glossi المجاني، ويتم الاشتراك فيه عن طريق تعبئة البيانات المطلوبة أو الدخول من حساب الفيسبوك، وبمجرّد انتهاء الاشتراك يقوم الموقع بعرض خطوات متسلسلة لإنشاء الصّحيفة، بإدخال عنوان الصّحيفة، ثمّ الضّغط لاختيار الفئة التي يندرج تحتها عنوان الصحيفة، ويتم إدارة الصحف الإلكترونية المشبوهة بطريقة احترافية في نشر الأخبار المراد بثها حتى لا يصبح واضحا تبعيتها إلى جهات معينة، وللتمويه تنشر أخبارا عادية لكسب المتابعين ومن خلال ذلك تدس السم في العسل عبر بث شائعاتها كأخبار مماثلة لما سبق نشره ومن ثم تقوم الصحف الأخرى التابعة لهذه الجهات بإعادة النشر إما بأسلوب النسخ واللصق أو بإعادة الصياغة والإضافة ويستمر دعم الخبر لعدة أيام لإيهام المتلقي أن الشائعة صحيحة. ووفقا للشهري في تصريح سابق يُمكِن القول: إنَّ صحيفة (هيلزنبورج داجبلاد) السويديَّة هي أوَّلُ صحيفة إلكترونيَّة في العالَم تُنشَر إلكترونيًّا بالكامل على شبكة (الإنترنت) عام 1990، وتوالى بعْدَ ذلك إنشاءُ الصحف الإلكترونيَّة، وخاصَّة في الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة، لافتا إلى أنه في عام 1992 أَنشأتْ «شيكاجو أونلاين» أوَّلَ صحيفة إلكترونيَّة على شبكة أمريكا أونلاين. وبحسبِ رأي أكاديميِّين، فإنَّ موقع الصحافة الإلكترونيَّة الأوَّل على (الإنترنت) هو موقع «بالو ألتو أونلاين Palo Alto »، الذي انطلق عام 1993 في كلية الصحافة والاتِّصال الجماهيري في جامعة فلوريدا، ثم أُلْحِق به موقعٌ آخَر في 19 يناير 1994، هو ألتو بالو ويكلي؛ لتصبح الصحيفةُ الأُولى التي تُنشَر بانتظام على الشبكة. وبدأت الصحافة عبر (الإنترنت) تتطوَّر في الولاياتالمتحدة والغَرْب، خاصَّة مع توفيرِ خِدمة (الإنترنت) المجانيَّة،وزاد عددُ الصحف اليوميَّة الأمريكيَّة التي أنشأتْ مواقع إلكترونية من 60 صحيفة نهاية عام 1994، إلى 115 صحيفة عام 1995، ثم إلى 368 في منتصفِ عام 1996وتُعدُّ صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكيَّة هي أوَّل صحيفة تُنفِّذ مشروعًا إلكترونيًّا صحفيًّا على (الإنترنت)، بملايين الدولارات. العباس: التركيز على الدول غير المستقرة وأسماء الصحف من جهته يقول العباس أحمد المختص في إدارة المواقع الإلكترونية: يتم اختيار أسماء الصحف المشبوهة بطرق مميزة عبر التركيز على الدول غير المستقرة سياسيا كاليمن وفلسطين وسوريا ولبنان والتسمية بأحد محافظاتها أو أقاليمها أو بأسماء مشابهة لأسماء صحف موجودة بالفعل مع تغيير بسيط في الاسم، من أجل استقطاب القارئ وتشكيل بيئة خصبة لترويج الأكاذيب على أوسع نطاق، ولفت العباس، إلى أنه مع مرور الوقت تتضح أهداف هذه الوسائل وينصرف الكثيرون عنها، مشيرا إلى انحسار جمهور الجزيرة بشكل واضح حاليا بعدما تبين أنها تعمل لصالح أجندة سياسية تغذي الإرهاب والتطرف في العالم، فيما تعادى الدولة الوطنية وتعمل على تقويض الثقة بها من أجل تفتيتها. غالب: تعمل في خدمة المشروع الإيراني تطرقت نورة غالب مدربة الحاسب الآلي إلى رؤية أخرى من الموضوع قائلة: تختلف أهداف الأحزاب والمخابرات بدول الشرولكنها في معظمها تخدم إيران والأحزاب التي تعمل لصالحها كحزب الله وأنصار الله والإخوان والعديد من الميليشيات الخارجة عن القانون. ولفتت إلى افتتاح شركة التلفزيون الإيرانية الرسمية قناة فضائية على غرار الجزيرة القطرية باسم (العالم) تبث باللغة العربية من محطات تقوية على طول الحدود العراقية لكسب تأييد العراقيين، وكان لها دور هام خلال الغزو الأمريكي للعراق حين توقف البث العراقي وبقيت تبث لسائر المدن العراقية ومنها يستقي العراقيون أخبارهم وتحليلاتهم، كما أن إيران دعمت إنشاء محطات تلفزيون فضائية موالية لها (مثل الفرات والفيحاء والأنوار) والعشرات من محطات الإذاعة المحلية، وتتحدث تقارير صحفية عن وجود 300 إعلامي إيراني بشكل دائم في العراق، وأكدت أن الهدف الإيراني بدعم العناصر الموالية له في العراق ماليا وسياسيا ومخابراتياً وعسكرياً، قد تحقق حتى الآن واستقوت تلك العناصر بذلك الدعم، وركزت إيران علي مخاطبة الرأي العام العراقي من خلال أكثر من عشرين محطة فضائية مثل: السلام والعدل ومحطتا أهل البيت والفرات والفيحاء وآفاق وبلادي والمسمار الأولى والثانية والغدير وكربلاء والفرقان والمهدي والعدالة الأولى والثانية، كما سعت إلى ربط شريحة واسعه من العراقيين بها تحت مسمى التشيع، وذلك من خلال إثارة الفتن المذهبية والطائفية والترويج لفكرة المظلومية. جبران والأمير: تتعمد الإساءة وأخبارها مخالفة للواقع وعن كيفية التعرف على هذه الصحف المشبوهة، أكد المعلم محمد جبران أنه يمكن التعرف عليها بكل سهولة عبر ما تبثه من أخبار مخالفة للواقع، ولعقل المتابع لها يرى انها لا تمس إيرانوقطر وأتباعها من أحزاب وميليشيات وأن مستها فذلك الأمر من أجل التمويه عبر أخبار ليست ذات معنى أو أهمية أو مأخوذة من قنوات موالية، وتركز هذه الصحف الإلكترونية على الإساءة للدول ذات التأثير الحقيقي في الشرق الأوسط والعالم بغية التشويش على ما تقدمه من خدمات للعالم العربي والإسلامي ولبقية دول العالم، ولعل في صدارتها السعودية ومصر، ولفت إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تسهيل محرك البحث العالمي جوجل نشر أخبار هذه الصحف المشبوهة، وكأنها مؤهله لنشر الحقيقة إما عبر استخدام ثغرات في جوجل أو اشتراكات وإعلانات لصالح محرك البحث. وتطرق خالد الأمير طالب جامعي تخصص هندسة حاسوب إلى 3 طرق أساسية لمواجهة الصحف المسمومة، تتمثل في تكريس التوعية الإعلامية بأهدافها ومخاطرها، والثاني الرد السريع عبر المتحدثين الرسميين، على الأكاذيب التي تتناولها أولا بأول، كما طالب بضرورة التصدي لهذه الأساليب الخبيثة من خلال تقديم البلاغات الإلكترونية بوجود محتوى احتيالي ورفع دعاوى قضائية إن عرف مالك الصحيفة ومكانها. الدوحة تنفق 9 مليارات دولار لشراء الإعلام ووسائل التواصل كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، عن تمويل قطر لبعض مراكز الأبحاث والدراسات وعلى رأسها معهد بروكنجز للأبحاث والدراسات في أمريكا، كما استحوذت على صحيفة الجارديان البريطانية لبسط سيطرتها ونفوذها على أكبر الصحف العالمية انتشارا، وتوجيه انتقادات حادة للحكومة العربية، التي تريد الحكومة القطرية استهدافها وعلى رأسها مصر والمملكة. ودفعت قطر ما يقرب من 15 مليون دولار في منحة على 4 سنوات من أجل إنشاء مركز بروكنجز الدوحة.. وبرز في السنوات الأخيرة دور المركز العربي للدراسات والأبحاث، لانتقاده دور الجيوش العربية في المنطقة وعلى رأسها مصر وسورياوالعراق، إضافة لتركيز أبحاث المركز على قضايا الأقليات بشكل كبير. وتدافع الدوحة عن تيارات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، عبر إمبراطورية مترامية فى لندنوقطروالولاياتالمتحدة، ومحاولة تبرئة تلك التيارات من الجرائم الإرهابية، التي ترتكبها بحق شعوب المنطقة. وأكدت مصادر خليجية أن دولة قطر أنفقت ما يقرب من 9 مليارات دولار في منظومة الإعلام الاجتماعي، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستجرام»، وذلك بعد وصول عدد مستخدمي الإنترنت إلى 3 مليارات، في حين وصل عدد مستخدمي الإعلام الاجتماعي 2 مليار. عبد العزيز: وسائل إعلام تحولت إلى أدوات قتال مباشرة قال ياسر عبد العزيز الخبير المصري في شؤون الإعلام أن السنوات الأخيرة شهدت تحول الكثير من وسائل الإعلام إلى أدوات قتال مباشرة في معارك سياسية وأمنية، مما أدى إلى إفساد البيئة الإعلامية وزعزعة ثقة الجمهور وارتكاب أخطاء مهنية قاتلة، لافتا إلى أن تدخل بعض أجهزة المخابرات في عمل وسائل الإعلام للتأثير على محتواها ظاهرة تعود إلى سنوات طويلة في الشرق والغرب، وتفاقمت مع بروز قناة الجزيرة في تسعينات القرن الماضي بعدما جعلت نفسها أداة سياسية واستخباراتية مباشرة. وأشار إلى الدور التركي المعادي لدول المنطقة الكبرى التي تستضيف منصات إعلامية إخوانية لتقويض الاستقرار وبث الدعاية الكاذبة والإشاعات، موضحا أن وسائل الإعلام إذا فقدت ثقة الجمهور، فإنها تفقد سبب وجودها ويصبح الاستثمار بها بدون أي جدوى. وأشار إلى أن الخطر يكمن بدرجات متفاوتة في المثلث الإيراني التركي القطرى بحسب التأثير واللغة والانتشار، مشيرا إلى أن من بين الأذرع القائمة قنوات العالم والمنار، وعشرات القنوات التي أطلقتها إيران بصبغة دينية تحت ستار سياسي. الزعفرانى: 30 % من وسائل الإعلام تسيطر عليها أجهزة مخابرات قال د.خالد الزعفراني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إن من 30 - 40% من وسائل الإعلام في المنطقة تسيطر عليها أجهزة مخابرات وأحزاب حكومية حاليا، مشيرا إلى أن هذا التوجه أمر خطير وله تبعاته على استقلالية الرسالة الإعلامية، وقال إن إسرائيل تعد من أوائل الدول التي وجهت المخابرات لإدارة الإذاعات منذ الستينات الميلادية من القرن الماضي، وأرجع بروز هذه الظاهرة إلى الصراعات التي تموج بها المنطقة العربية وظهور الإعلام كسلاح حاسم بجانب المعارك على الأرض، مشيرا إلى بروز قناة الحرة الأمريكية على سبيل المثال مع الاحتلال الأمريكي للعراق، كما لفت إلى الخبرة التركية في هذا المجال من خلال استضافة عشرات الأذرع الإعلامية التي تستخدمها في حربها ضد دول المنطقة العربية، ولاسيما في مصر، ولفت إلى أذرع إيران، سواء في اليمن أو سوريا ولبنان والعراق مما أثر على الثقة في الحكومات الوطنية وقوض من مصداقيتها لدى شعوبها على خلفية آلاف الشائعات المدمرة التي تنشرها هذه الماكينات المسمومة يوميا.