منذ عدة سنوات ومن خلال حديثي مع مئات الطلاب الذين تشرّفت بتدريسهم، لاحظت أن الأغلبيّة العظمى منهم لا يمتلكون أهدافا مستقبليّة بل إنهم لا يؤمنون بأهميتها أصلا وهذا مما يحز في النفس، فالإنسان بدون أهداف يسعى لتحقيقها كمركبٍ شراعي يجوب البحر دون شراع فلا مسافة يقطع ولا فائدة يصنع، فالأهداف هي البوصلة التي تُحدد مسارنا وهي الحقيقة التي تدور حولها أفكارُنا. ولو بحثنا في أسباب غياب ثقافة الأهداف لوجدنا أن كثيرا من الأُسر لم تغرس في أبنائها هذه المهارة ولو نظرنا إلى التعليم لوجدناه قد تجاهلها ولم يُشر إليها بإشارة أو أن يكون الخوف من الإخفاق هو السبب لأن طبيعة الإنسان تُفضل البقاء في منطقة الأمان لذلك هو يخشى من التغيير حتى لا يتعرض للخسارة والإخفاق مع أن الإخفاق هو أحد أهم خطوات النجاح وهناك سببٌ آخر وهو ازدراء الآخرين لأهدافنا والتقليل من شأنها أو وصفها بالمستحيلة ولا يُمكن تحقيقها والنتيجة أن صاحب الأهداف قد يُصاب بالإحباط ويتخلى عن أهدافه لذا من الأفضل أن لا يُفصح الإنسان عن أهدافه إلا لأقرب الناس حتى يشجعوه إذا تكاسل ويذكروه إذا تجاهل. عندما نتحدث عن وجود الأهداف في حياة الناس هذا لا يعني بالضرورة أن كل من امتلك أهدافا سيحققها بل ربما تجد الكثير من هؤلاء الأشخاص قد بذلوا قصارى جهدهم وعملوا ما في وسعهم ولكن إرادة الله حالت دون أن تتحقق تلك الأهداف ولكننا سنكتشف أمرا مُهما ربما يوازي في أهميته تحقيق الأهداف وهو أن هؤلاء المناضلين امتلكوا حياةً لها قيمة ومعنى حياةً مليئة بالتفاؤل والطموح والإيجابية والوضوح. أثبتت الدراسات أن الإنسان بمجرد امتلاكه لهدف يطمح لتحقيقه تقفز إمكانياته قفزةً إلى الأعلى ويزداد نشاطه وتتحرك دافعيته ويتيقظ عقله وتبدأ الأفكار بالتدفق عليه كي توصله لهدفه المنشود وذلك طبيعي لأن النجاح يتطلب هدفا واضحا ومعرفة بالثمن الذي سيدفعه لتحقيق ذلك الهدف والاستعداد لدفع ذلك الثمن. وأختم بمقولة رائعة ذكرها (براين تريسي) في كتابه: الأهداف هي وقود مدفأة الإنجاز وكلما كانت أهدافك كبيرة وواضحة ازداد شوقك لإنجازها وكلما فكّرت أكثر بأهدافك ازداد وعيك الداخلي ورغبتك في إتمامها.