منذ مدة ليست بالبعيدة تلقيت بريداً الكترونياً من موظفة في منشأة مالية غير حكومية تحكي عن حادثة وقعت لها ولزميلاتها داخل مبنى المؤسسة أو الشركة. الرسالة كتبت بحروف متأثرة وقلب محروق على موقف حز في خاطر تلك الموظفة وآلمها . تقول تلك الموظفة إنه أثناء دوامها رن جرس الإنذار في المبنى محذرا من احتمال وجود حريق في المبنى ، وتبعا لقواعد السلامة المتبعة دوليا فإن إخلاء المبنى ممن فيه هو أول خطوة يجب أن يقوم بها الجميع لحين التأكد من سبب الإنذار. وهذا ما حاولت القيام به الموظفات بعد سماعهن لجرس الإنذار . لكن المضحك المبكي أن رجال الأمن حاولوا منع الموظفات من الخروج من المبنى بحجة أنه إنذار كاذب وأنه لا داعي للخروج خصوصا وأنه لا دلالة على وجود حريق ! لكن الموظفات لم ينصعن لتطمينات حراس الأمن وأصررن على الخروج أسوة بزملائهن الموظفين الذين سبقوهن في الخروج والانتظار خارج المبنى لحين الكشف على المبنى أو استدعاء الدفاع المدني. والغريب في القصة أن هذه الغيرة الرجولية على نساء المبنى من قبل حراس الأمن قد توجت بموقف مشابه من مدير أو مسؤول كبير في المؤسسة بعد أن طلب من الموظفات الدخول وعدم البقاء خارجا لأن وقوفهن خارج المبنى بعباءاتهن السوداء يعتبر أمرا غير حضاري وهو الذي أغرى مارة الطريق والفضوليين بالتجمهر والتقاط الصور التذكارية وتفعيل استخدام كاميرات الهواتف النقالة ! الحقيقة أني لم أستغرب القصة ولا مواقف المعنيين فيها لأنها تكاد تكون شبه متوقعة، فحراس الأمن اعتمدوا وبكل ثقة على حواسهم وأنوفهم لتقييم الموقف. والمدير رأى في الخروج من المبنى وتجمهر الناس حولهنن إهانة لسمعة المؤسسة وتشويه له! ومن المؤسف انه لم يدر بذهن أي منهم فائدة إجراء الإخلاء السريع للمبنى لو أن الحريق فعلا كان موجودا أو أنه كان في بدايته. لأننا كمجتمع لم نعتد ثقافة قواعد السلامة والإخلاء عند الخطر، لم نتدرب عليها في مدارسنا ولم نعهدها يوما في حياتنا العامة لذا نستنكرها ونستهجنها. مثلها في ذلك مثل مبادئ أخرى للسلامة ظلت مغفلة لسنوات إلى أن أنعش بعضها الإعلام وتيقظ المسؤولون لها! ولو كنت مكان تلك الموظفة لما تأثرت ولا تحسرت على موقف جميع أولئك الرجال من خروجها هي وزميلاتها من المبنى لأنهم تربوا على ثقافة (الفشيلة) التي تجعل من كل ما هو متعلق بالمرأة وأخبارها أمرا معيبا وربما مستهجنا . كما أنها عادتنا التي ألفناها كمجتمع وكمؤسسات حكومية وغير حكومية بالتواكل والتهاون بأخذ الأسباب لحين ظهور بوادر الخطر . كم هي الأخطاء التي دفع ثمنها الأبرياء نتيجة تهاون أو تساهل المعنيين فيها بالالتزام بقواعد السلامة العامة والتدقيق على الإجراءات الوقائية بشكل دوري لتلافي المآسي والخسائر في الأرواح والممتلكات؟ حوادث الحريق أو الغرق أو الكوارث الجوية جميعها أقدار قدرها الله جل وعلا على الإنسان لكنه قبل ذلك علمه كيفية اتقائها والتخفيف من آثارها . فمتى سنرى المتهاونين وهم يحاسَبون قبل وقوع الحوادث لا بعدها؟!