ما زال مُنيب يُعيد على مسامعنا تفاصيل سقوط معلمه فيصل كلما اجتمعت الأسرة، يبحث بين شفاهنا عن كلمة.. دعوة تؤنّس قلبه، وترتق شرخ الخوف في نفسه، ورغم مرور ثلاثة أسابيع عن الحادثة وتماثل أستاذه للشفاء ولله الحمد، إلا أن الحدث عالق بتفاصيله وبذات الإحساس في قلب مُنيب، يُعيده علينا بغصّة يُخفيها وعبرة يُقاومها في كل مرة يقصّ علينا ردات فعل زملائه في الفصل، وكيف لم يشعر بنفسه إلا وهو يستنجد بأُستاذه أحمد، وكيف هبّ زملاؤه إلى معلمهم يحاولون حمله وايقاظه، وكيف بكى أحدهم وتألم آخرون، وكيف اجتاح الخوف على أستاذهم والحزن حنايا قلوبهم الصغيرة.. ما زال منيب وأصدقاؤه يستعيدون تفاصيل الحدث، ليقص كل واحد منهم مشاعره حين سقط معلّمهم. كم أغبطك أيّها المعلم كونك تملك رسالة عظيمة خلقت لك مئات الأبناء، أحسنت واحتويت بعطائك وإخلاصك في مادتك ثم بحبك لأبنائك فصنعت مالم يصنعه التعليم الحديث الذي حوّل العلاقة بين المعلم والطالب إلى علاقة أنظمة وقوانين خلقت فجوة عظيمة يتجرّع مرارتها المجّتمع برّمته. عزيزتي المعلمة.. وجدتك كأمّ لطلبة من الجنسين الأكثر صرامة في تطبيق الإستراتيجيات والأنظمة والمطالبة بملفات الإنجاز والمطويات والأنشطة التي لا تضيف للطالبة علميا ونفسيا شيئاً يُذكر، لذا أرجوك قفي في وجه كل نظام وقرار لا يخدم العلم والتربية وإن ناقشتك مديرتك وموجهتك أخبريها أن كتاب ربك وسنّة نبيّك صلى الله عليه وسلم لم يأمراك بهذا العبء المضني، وأن رؤية 2030 تُريد منك عكس ما يُطالبونه منك، تطلب منك صنع مواطنة تعلم قيمة الثانية وأين تقضيها وقيمة الهللة وأين تنفقيها. أخبريهم أنك معلمة أجيال يحتاجها الوطن بقيمة إنسان.. لا بقيمة آلة!! أعلم أنّك غير راضية وتعانين لذلك، لذا قفي في وجه كل مالا يخدم رسالتك.. لم يحتج الأستاذ فيصل لشيء من الإستراتيجيات ليصنع إنسانًا، لكنّه بإخلاصه وحبه وشعوره بطلابه صنع طلابًا تخلوا عن مصروفهم الأسبوعي ليحضروا له هدية.. وحرصوا على توصية أمهاتهم بالدعاء لأُستاذهم، وجعل من كل واحد منهم مواطنًا صغيرًا يجسد صورة المؤمنين إخوة.