من مظاهر شهر رمضان المبارك ذلك الاجتماع العائلي الذي يدخل البهجة والمسرة في النفوس، ولكن اختلفت مظاهر الاستعداد والاحتفال بشهر رمضان عن مظاهر الاحتفال عن ذي قبل، فلكل عصر سماته وعاداته ومظاهر خاصة به منها ما بقي ومنها ما اندثر، إلا أن هناك قاسماً مشتركاً بين الجميع وأن قدوم رمضان يحمل معه نوعاً من البهجة الخاصة التي تتباين أساليب التعبير عنها. ففي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كان المسلمون يحيون ليالي رمضان بتلاوة القرآن الكريم والصلاة والدعاء والذكر وفي ليلة القدر كانوا يجتمعون في المساجد لقراءة القرآن ويتوجهون بالدعاء إلى الله حتى الفجر. أما في العصرين الأموي والعباسي فمجالس الشعر والأدب وبالذات في عهد الرشيد والمأمون أضفت طابعاً مميزاً لليالي رمضان في تلك العصور. ويصف علماء الحملة الفرنسية رمضان بقولهم: إن المسلمين يحيون ليالي رمضان بالاحتفالات بينما يقضون النهار في دروس الوعظ بالمساجد بورع شديد ويتشاغلون بالعمل، أما في المساء فتبدو الشوارع مضاءة وصاخبة ويجتمع الناس في أبهى ملابس ليأكلوا وينعموا بكل أنواع التسلية والمرح، أما المحلات التجارية فلا تفتح أبوابها إلا متأخراً وينشد الرجال الابتهالات الدينية بصوت مرتفع مع دقات الطبول والمزامير. متغيرات ومفارقات،ولكن مظاهر الاحتفال برمضان في يومنا هذا تختلف اختلافاً كبيراً عن مظاهر الاحتفال قديماً واقتصر الاحتفال برمضان على بعض الأحياء الشعبية وإن التغيير الذي حدث في المجتمع بسبب ظهور وسائل إعلام جديدة بالإضافة إلي التغيرات الاقتصادية وزيادة أعباء الحياة وضغوطها واختلاف احتياجات الناس أدت إلى اختلاف تلك المظاهر فتحولت المشاعل والقناديل والمسحراتي والمنشدون إلي سهرات في أماكن عامة وخيام رمضانية، كل ذلك جعل الناس ينصرفون عن استلهام التراث وأصبح الصراع بين التقليدي والحديث. الصوم في جدة له طابع خاص يختلف عن سائر المناطق والمدن الأخرى فتزدحم جدة في هذا الشهر المبارك.. وكأنه بلد لا ينام فتجد على مدار اليوم الحركة في الشوارع لا تهدا وإن خفت في بعض الأوقات.. فمثلا تكون الشوارع مزدحمة قبيل أذان المغرب فتجد الزحام على بائعي السوبيا والفول والحلويات.. ولك أن تشاهد ذلك التزاحم العجيب على بائعي الفول لأن هذا الثلاثي العجيب الشوربة والسمبوسك والفول هي قوام المائدة الرئيسية عند الإفطار إذ لا تخلو المائدة من تلك الحلويات مثل الكنافة وغيرها.. وكذلك اللقيمات واللحوح، ولا تخلو المائدة أيضا من المشروبات وأشهرها السوبيا التي يقبل عليها الناس في رمضان رغم وجودها طوال السنة، وأشهر من يبيعها على مستوى المنطقة الغربية هو العم سعيد الخضري. وتهدأ الحركة عند آذان المغرب وكان هذا المكان لا يسكن به أحد ولكن سرعان ما تعود الحركة إلى تلك الشوارع قبيل أذان العشاء فتجد أغلب الناس تستعد لصلاة العشاء والتراويح إما في أحد المساجد التي يقصدونها بغرض من بها من قراء أو لأداء واجب الصلاة المفروضة وسنة التراويح. ولماء زمزم المبارك حضوره المميز على أغلب تلك الموائد فماء زمزم ماء خير يحب أن يرتوي منه الصائم بعد تلك التميرات التي تسبق أداء الصلاة. أما السحور فمن الناس من يعتمد على الطبيخ المعتاد في أيام الفطور كالخضراوات المطبوخة على اختلاف أنواعها واللحوم في أشكالها المختلفة كالكباب والمقلقل ولا تخلو مائدة السحور من الحلويات كالمهلبية والألماسية وغيرها. ومن العادات المحببة إلى النفس في هذا الشهر الكريم تبادل الجيران فيما بينهم للمأكولات التي يتم طبخها في المنزل. ومن مظاهر هذا الشهر أيضا في الشوارع كثرة بسط البليلة في الحارات والأسواق التي يقول بائعها وظهور ما يشبه المطعم المصغر على أرصفة الشوارع في أماكن معينه لتقديم أطباق الطعام المختلفة حيث يكون أكثر بائعي هذه البسطات هم من أبناء البلد. ومن أجمل مظاهر رمضان الشعبية المسحراتي ونقره على طبلهة لها إيقاع خاص خاصة عندما يقول (اصح يا نايم وحد الدايم) وهذه العادة لم تعد موجودة ولا يوجد له أي أثر. وتبقى عادة التجمع في المقاهي والمتنزهات حاضرة لدى البعض حتى يومنا هذا، ولكنها تجددت بعض الشيء، ففي الأيام الأخيرة من شعبان يبدأ الكثير في حجز جلسات وغرف خاصة لهم في المقاهي، تتسع لأكبر عدد، وذلك للجلوس فيها بعد الإفطار مباشرة، طوال ليالي شهر رمضان. وتبدأ السهرة الرمضانية، مع تبادل للأحاديث التي تدور بينهم طوال ليالي شهر رمضان، وتستمر تلك الجلسات في الكثير من الأوقات حتى إلى ما بعد تناول وجبة السحور.