نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    «الداخلية» تطلق خدمة الهوية الرقمية للقادمين بتأشيرة حج هذا العام    جميعة الدعوة نور تكرم المتطوعين والجهات بعد نجاح مخيم إفطار ودعوة 1445ه    أمير تبوك يدشن التمرين التعبوي "استجابة 14"    قمة البحرين ظروف استثنائية لحلحلة الأزمات    واشنطن مستمرة في دعم إسرائيل بالأسلحة    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء سنغافورة    أمير الرياض يطلع على تقرير السجون    خادم الحرمين يصدر أوامر ملكية    «الداخلية» تطلق ختمًا خاصًا للمستفيدين من «مبادرة طريق مكة»    فالفيردي: نلعب باسترخاء كبير في الوقت الحالي ونتطلع لنهائي دوري الأبطال    المدربات السعوديات يكتسبن الخبرة الإفريقية    الأهلي يتمسك بذهب السيدات    أمير منطقة تبوك يتفقد مبنى مجلس المنطقة وقاعة المؤتمرات    تحرك لضمان توفير السلع الأساسية واستقرار أسعارها    بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل يختتم دورة "تدقيق سلامة الطرق    ارتفاع أسعار النفط إثر انخفاض مخزونات الخام في أمريكا    انطلاق الملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد    حالة رئيس وزراء سلوفاكيا حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    4 أحزمة ملاكمة تنتظر من يحملها على أرض "المملكة أرينا"    القبض على مقيم لارتكابه أفعال خادشة للحياء    الأحزاب المصرية: تصريحات متطرفي إسرائيل محاولة يائسة لتضليل العالم    غوارديولا: لولا تصدي أورتيغا لكان أرسنال بطلا للبريميرليغ    محافظ القطيف: رؤية القيادة الرشيدة وضعت التعليم على سلم الأولويات    «البلسم» تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح و«قسطرة»    زيلينسكي يلغي جولة خارجية.. أوكرانيا تنسحب من خاركيف    زين السعودية تعلن عن استثمارات بقيمة 1.6 مليار ريال لتوسعة شبكتها للجيل الخامس 5G    تشغيل 4 رحلات أسبوعياً للخطوط الجوية البريطانية من هيثرو إلى جدة    الجامعة العربية تدعو مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات سريعة لوقف العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين    مدير تعليم الأحساء يكرم الطالبة الفائزة ببرونزية المعرض الدولي للاختراعات    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    ضبط 264 طن مأكولات بحرية منتهية الصلاحية    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر قبالة سواحل نيوزيلندا    «الصحة» تدعو الراغبين في الحج إلى أخذ واستكمال جرعات التطعيمات    فيغا يعود للتدريبات الجماعية للأهلي    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    أمير حائل يكرم عدداً من الطلاب الحاصلين على الجائزة الوطنية بمبادرة «منافس»    السوق السعودية ضمن أول 10 دول في العالم المملكة أكثر الاقتصادات تسارعاً آخر 6 سنوات    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    شرف الخدمة    مكانة بارزة للمملكة في عدد مقاعد «آيسف»    تمكين المواهب وتنشيط القطاع الثقافي في المملكة.. استقبال 2200 مشاركة في مبادرة «إثراء المحتوى»    محتوى الغرابة والفضائح !    ليس لأحد الوصول    اطلع على تقرير« مطارات الدمام» واعتمد تشكيل «قياس».. أمير الشرقية يؤكد على تجويد الخدمات ورضا المستفيدين    طموحنا عنان السماء    أمير تبوك ينوه بالخدمات الراقية لضيوف الرحمن    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    حمام الحرم.. تذكار المعتمرين والحجاج    ..أنيس منصور الذي عاش في حياتنا 2-1    ( قلبي ) تشارك الهلال الأحمر الاحتفاء باليوم العالمي    الكلام أثناء النوم ليس ضاراً    تأثير العنف المنزلي على الأطفال    مواد كيميائية تسبب السرطان داخل السيارات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم الوطني مناسبة تذكرنا بسيرة الأبطال ومسيرة الوطن
وكيل المراسم الملكية ومؤلف كتاب الدبلوماسية السعودية د. عبد الرحمن الحمودي في حديث ل(الجزيرة ):
نشر في الجزيرة يوم 30 - 09 - 2006

سيرة أبطال ومسيرة وطن يعرضهما لنا اليوم عبر (الجزيرة) مؤلف كتاب (الدبلوماسية والمراسم السعودية) الدكتور عبد الرحمن الحمودي وكيل المراسم الملكية الذي يتحدث عن ذكرياته من واقع عمله في المراسم الملكية منذ عهد الملك فيصل رحمه الله.. فتعالوا معنا إلى تفاصيل هذا اللقاء:
يقول الحمودي: عندما تحل علينا مناسبة كاليوم الوطني فإننا نتذكر إنجازات عظيمة ومواقف لرجال وهبوا أنفسهم وأرواحهم فداءً لخدمة الدين ثم المليك والوطن، ولعلها فرصة من خلال هذه النافذة جريدة الجزيرة وبحكم عملي بالمراسم الملكية ولقربي من الأسرة المالكة، وهذا شرف عظيم احمله وساماً على صدري أن أسلط الضوء على شيء من صفات الملوك، ابتداء من الموحد الملك عبد العزيز إلى الملك عبد الله.
كانت صفات الملك عبد العزيز وكما ذكرها معاصروه، اشتهر في بلاد العرب بكرم الخلق وبسط اليد، وكان مجلسه لا يخلو من خطبة صغيرة يراعي فيها نفسية السامعين، وكان لا يضيق صدره إلا عندما يجد خزائنه تقصر عن الطلبات والعطايا، فهو يتكدر خوفاً ان يظهر العجز أمام السائلين الذين تعودوا رفده، وكان يسخر كثيراً عندما ينصحه أحد بالادخار فيقول ان كنز المال لا ينفع وهل أفادت عبد الحميد خزائنه وما ادخره من المال وهل أفادت خزائن ابن رشيد؟
كان الملك عبد العزيز وفياً لأصدقائه محافظاً على ودهم ولا يحب ان يبدأ أحدا بالعداء، وكذلك تجده يميل إلى استرضاء الناس واكتساب ودهم مهما كلفه ذلك، كما انه دائماً طيب القلب لا يكاد يضمر حقداً لأحد وهو إذا غضب - وغضبه قليل - فإنك ترى أسداً يزأر وهو لا يغضب إلا لما يستحق الغضب، وهو متواضع طيب المعشر له جاذبية لمن يعرفه تشبه السحر، واني لا اذكر ان واحداً من كبار الإنجليز مثلاً عرفة وعامله إلا احبه، واستمر له أصدقاء من الإنجليز الذين كان له معهم اتصال سياسي، وهو كثير الشبه بالخليفة معاوية بن أبي سفيان في حلمه وبعد نظره وحسن تدبيره في تصريف الأمور. والملك عبد العزيز كان احلم أمراء العرب وأبعدهم عن الانتقام من الموظفين الذين يعرف لهم سوابق خدمة أو إخلاص، فإن هؤلاء أقصى عقوبة لهم العزل من المنصب.
* وما أبرز المواقف عن هذا الملك العظيم؟
- دعني هنا أذكر لك من كتاب صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز (صور من حياة عبد العزيز) يقول: إن تشرشل الذي لم يفارق فمه (سيجاره) المشهور يمتنع عن التدخين طوال الاجتماع بالوالد، مما يدل دلاله واضحة على عظم المنزلة التي يحتلها في نفس تشرشل وعلى سعة إدراك تشرشل القائد الإنجليزي. وقال الجنرال ادي رافقت الملك إلى جناح الرئيس لتناول طعام الغداء ووجد الوقت الكافي لغسل يده وللاستراحة بضع دقائق قبل ان يصل الرئيس على كرسيه المتحرك، واخبرني الأميرال ليهي بأن الرئيس أوقف المصعد في منتصف الطريق ليدخن سيجارتين إذ ضغط على نفسه ولم يدخن في حضور الملك عبد العزيز احتراماً للملك ومجاملة للقيم الإسلامية. وعن العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية نتذكر المحادثة التي كانت بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حيث تطرق في المحادثات لما يهم الدولتين، فطلب الرئيس الأمريكي صداقة ومعاونة الملك عبد العزيز وقد رد عليه الملك ان بلاده لم تخضع لاحتلال أجنبي أو حماية أجنبية كغيرها من الدول العربية وإنه لولا هذا الاستقلال ما قدر ان يسعى إلى صداقة شريفة نزيهة، لأن الصداقة لا تقوم إلا بين طرفين على قدم المساواة في الكرامة والعزة ورد عليه الرئيس الأمريكي مؤكداً صداقته المزدوجة التي رددها في خطاب بعث به إلى العاهل السعودي بتاريخ 21 - ربيع الآخر - 1364ه قبل وفاته بأسبوع ونتيجة لهذه المحادثات التي اتسمت بالصراحة فقد أكد الرئيس الأمريكي للملك انه بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لن يفعل شيئاً من شأنه أن يكون عدائياً للعرب، وأن حكومة الولايات المتحدة لن تغير من سياستها الأساسية حيال فلسطين دون مشاورات مسبقة وكاملة مع كل من العرب واليهود وقد اعتبر الملك عبد العزيز هذه التأكيدات الشفوية بمثابة اتفاق مكتوب بينه وبين الرئيس ولم يخطر في باله ان الموت سيخطف الرئيس قبل ان يبرّ بوعده. يقول الرئيس الأمريكي روزفلت عن عبد العزيز: (لقد وعيت عن مسألة الجزيرة العربية تلك المشكلة بحذافيرها مشكلة المسلمين ومشكلة اليهود وعيت عنها في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود أكثر مما كنت أستطيع معرفته بتبادل ثلاثين أو أربعين رسالة)، ومن المواقف التي يتذكرها التاريخ عن هذا البطل الذي كان صادقاً مع نيته ومراقبة الله سبحانه وتعالى في حماية الإسلام والمسلمين في أنجاء العالم العربي، ففي الاجتماع الثاني الذي عقد بين الملك عبد العزيز وبين الرئيس الأمريكي بعد الغداء وقد حضره هذه المرة يوسف ياسين وكيل وزارة الخارجية والسكرتير الخاص للمك بناء على رغبة الملك، حيث رحب الرئيس بالملك وبدأت المحادثات التي استمرت نحو أربع ساعات تناول المجتمعون طعام الغداء بين الاجتماع الأول والثاني الذي انتهى عند الساعة 3.30 ظهراً فلم يكتم الرئيس الأمريكي سر إعجابه بالملك حين تلاقيا كما لم يكتم الملك سروره لسنوح هذه الفرصة التي يبث فيها صديقه ما في نفسه. وقد تطرق الملك عبد العزيز لما تعانيه سورية ولبنان من وطأة الانتداب الفرنسي وما يعتقده من أحقيتهما في الاستقلال والتحرر فأجابه الرئيس بأن لديه كتاباً من الجنرال ديجول باستقلال سورية ولبنان، وقال الرئيس انه مستعد لبذل كل مجهود في سبيل استقلالهما كما شرح الملك عبد العزيز حق العرب في فلسطين بإيجاز وحماسة، فأجابه الرئيس أنه اقتنع بوجهة نظرة وأنه موافق على كل ما ذكره.
في مذكرات المترجم الخاص في اجتماع الملك مع الرئيس الأمريكي الكولونيل وليم إدي يقول: (يهمني أن أسجل أن ابن سعود لم يلمح طيلة المقابلة مجرد تلميح إلى رغبته في الحصول على معونة مالية لبلاده في وقت لم يكن هناك ما يدل على أن البترول السعودي سيستخرج بكميات هائلة)، وقد وصف الريحاني الملك عبد العزيز في أول لقاء له في خيمته بالصحراء يقول ها قد قابلت أمراء العرب كلهم فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، لست مجازفاً أو مبالغاً فيما أقول فهو حقاً كبير، كبير في مصافحته وفي ابتسامته وفي كلامه وفي نظراته وفي ضربه الأرض بعصاه يفصح في أول جلسة عن فكره ولا يخشى أحداً من الناس بل يفشي سره وما أشرف السر سر رجل يعرف نفسه ويثق بعد الله بنفسه (حنا العرب)، ان الرجل فيه اكبر من السلطان وقد ساد قومه ولاشك بالمكارم لا بالألقاب جئت ابن سعود والقلب فارغ من البغض ومن الحب كما قلت له فلا رأي الإنجليز ولا رأي الحجاز ولا الثناء ولا المطاعن أثرت في وها قد ملأ القلب حباً في أول جلسة جلسناها، على ان الحب قد لا يكون مقرونا دائماً بالإعجاب سنرى قد عاهدته على ان أكلمه بصراحة وحرية وسأكون فيما أكتب كذلك حراً صريحاً ومن كتابات الريحاتي جاء فيها: (كانت هذه البلاد شذر مذر في واقعها السياسي والاجتماعي والعلمي وفي كل مجال من مجالاتها المتعددة، فأراد الله ان يحولها إلى واقع تعتز به وتعتد. كانت الأمة في هذه البلاد مشتتة تحت زعامات وحكام، فهناك الأشراف في الحجاز وهناك آل عائض في عسير وهناك الأدارسة في جيزان وتهامة وهناك آل رشيد في حائل والأتراك في شرق الجزيرة وهناك البادية تلعب دورا سياسيا في أرجاء الجزيرة، فأراد الله ان يحول هذا المجتمع البائس إلى وحدة متكاملة تحت راية واحدة وتحت مجتمع واحد هو ما قام به الملك عبد العزيز - رحمة الله - في بداية يوم توحيد المملكة العربية السعودية جمع شملها ووحد كلمتها وأنار سبيلها وأظل تقدمها تحت راية واحدة تحت مجتمع واحد، فإذا نظرنا إليها من الناحية الأمنية وجدناها تعيش أمنا ضارباً بجرانه من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها تعيش في هذا الأمن لا تخشى إلا الله ويسير السائر فيها على مستوى من الأمن والاطمئنان، قضي على الفتنة والسلب والنهب والخوف والاذى، قضي عليه قضاء مبرماً بما لا نكاد نصدق بهذا الواقع الذي لا يوجد له مثيل حتى في الدول المتقدمة الراقية).
* وهل تذكرون لنا بعضاً من خطب الملك عبد العزيز رحمة الله عليه؟
- كان هذا الرجل حليماً عظيماً حتى ان المستمع إلى كلماته يجد فيها التواضع والحرص على التوحيد بالله والتمسك بسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فمن خطبه حيث ارتجل خطبه ألقاها في مكة المكرمة يقول: (ما كنا عرباً إلا بعد ما كنا مسلمين كنا عبيداً للعجم ولكن الإسلام جعلنا سادة، ليس لنا فضيلة إلا بالله وطاعته واتباع سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويجب ان نعرف حقيقة ديننا وعروبتنا ولا ننساهما. كل حرية باطلة إلا حرية الإسلام والإنسان لا ينفع إلا بالدين ونحن لا نبغى محاربة أوروبا وانما نطلب حقوقنا باتحادنا فنعتصم بالله والإسلام اكبر وسيلة واكبر حصن وهو اكبر من مزايا الحسب والنسب، فيجب على المسلم محبة دينه وشعبه ووطنه).. كما جاء في كلمة أيضاً ألقاها في مكة المكرمة يقول فيها: (يسموننا بالوهابيين ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه السلف الصالح، نحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين الأئمة الأربعة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا) وفي وصيته لابنه سعود عندما ولاه ولياً للعهد بتاريخ 16 - محرم - 1352ه حيث بعث له الملك عبد العزيز برقية من الحجاز ترتكز على ثلاثة أمور مهمة وجاء نصها كالآتي: الابن سعود لقد أحطت علماً بما ذكرت أما من قبل ولاية العهد فأرجو من الله ان يوفقك للخير، تفهم إننا نحن الناس جميعاً ما نعز أحداً ولا نذل أحداً وإنما المذل هو الله سبحانه وتعالى ومن التجأ إليه نجا ومن اعتز بغيره عياذ بالله وقع في الهلاك، فموقفك اليوم غير موقفك بالأمس ينبغي ان تعقد نيتك على ثلاثة أمور وهي:
اولاً - نية صالحة وعزم على ان تكون حياتك ودينك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله.
ثانياً - عليك ان تجد وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية والعدل في المحب والمبغض وتحكيم هذه الشريعة في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها باطلاً وظاهراً وينبغي ألا تأخذك في الله لومه لائم.
ثالثاً - عليك ان تنظر في أمر المسلمين عامة وفي أمر أسرتك خاصة اجعل كبيرهم والداً ومتوسطهم أخاً وصغيرهم ولداً وهن نفسك لرضائهم وامح زلتهم وأقل عثرتهم وانصح لهم واقض لوازمهم بقدر إمكانك، فإذا فهمت وصيتي هذه ولازمت الصدق والإخلاص فالعمل فأبشر بالخير، أوصيك بعلماء المسلمين خيراً احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصيحتهم واحرص على تعليم العلم لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة احفظ الله يحفظ.
* لقد كان يوم وفاته حدث جلل وما بين مصدق ومكذب. كيف كان يوم وفاته؟
عند الساعة 9.40 صباحاً يوم الاثنين 2 من ربيع الأول 1373ه انتقل الملك عبد العزيز إلى رحمة الله إثر نوبة صدرية في قصره بالطائف وأصيبت رعيته بالذهول عندما سمعوا بأن القلب الأشد قوة في شبه الجزيرة العربية قد كف عن الخفقان. وشيعت صحف العالم الملك الراحل بعبارات تفيض إعجاباً بشخصية الراحل، واحتراماً لمزاياه فكتبت جريدة الديلي إكسبريس للندنية تقول: (لقد مات ابن سعود لقد كان أشد صلابة وأكثر مرونة وأسعد حظاً من جميع زعماء العرب في هذا العصر لقد أسس مملكة على مضض من السياسة البريطانية واستثمر حقوله البترولية بالتعاون مع الأمريكيين وكلاهما كان يحترم خصائصه الفذة).
وكتب جان بول بونيه في مجلة باري ماتش يقول (لقد خلف ابن سعود مملكة شاسعة تعدل مساحتها نصف مساحة أوروبا وبلداً يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي ونصف قرن من الجولات الخيالية. ملحمة مدوية لم تخطر أعاجيبها أبداً في بال كتاب قصص الفروسية، لقد استطاع ابن سعود في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة) وسار أبناء عبد العزيز على سياسة والدهم الحكيمة وكانوا خير خلف لخير سلف فأعلن الملك سعود ومن بعده الملك فيصل والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله - عن الأسس التي وضعها لهم والدهم وجاء من بعدهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أمد الله في عمره - وهي سياسة موحدة بنيت على أساس قوي ومتين.
* لقد التحقتم بالمراسم في أواخر عهد الملك سعود ومعاصرتكم الملك فيصل والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله - واليوم تعيشون في عصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أمده الله في عمره وسدد خطاه - ودنا بمحاكاة عن كل هذه الشخصيات العظيمة؟
- لكل ملك صفات جليلة وحميدة ومحنكة ولاسيما وهم تخرجوا من مدرسة والدهم الملك عبد العزيز، وهذه المدرسة لها كيان عظيم واسع فالملك سعود - رحمه الله - عندما توفي والده تولى مقاليد الحكم، كما نودي بأخيه فيصل ولياً للعهد تنفيذاً لوصية والدهما فعندما كان الملك سعود ولي العهد اسندت إليه قيادة القوات المسلحة، وعندما أصاب والده المرض أصبح الملك غير المتوج وكانت تعرض عليه صغائر الأمور وعظائمها ولا ينفذ أمرا دون موافقته ، فعندما تولى زمام الملك بدأت الانطلاقة السريعة فصدرت أنظمة الدولة وأهمها نظام مجلس الوزراء الذي صدق عليه بالمرسوم الملكي رقم 38 وتاريخ 22 من شوال 1377ه فلم يكن هناك مجلس للوزراء بالمعنى المعروف حالياً وإنما كان هناك وزراء يشغلون ست وزارات (وزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة الدفاع والطيران ووزارة المواصلات ووزارة المالية) وأضاف إليها ثلاث وزارات وهي وزارة التجارة ووزارة المعارف ووزارة الزراعة.
وفي عهده افتتح أول جامعة بالمملكة وهي جامعة الملك سعود، وقد حضرت حفل الافتتاح وكنت حينها ادرس في الصف الخامس حيث ذهبنا مع بعض الزملاء إلى مكان الحفل سيراً على الإقدام، وقد شاءت إرادة الله ان احصل على البكالوريوس من أول كلية افتتحت وهي كلية الآداب في الفترة ما بين 1395ه 1399ه
كما افتتح أول كلية عسكرية ونسبها لوالده الملك حيث سميت بكلية الملك عبد العزيز الحربية
* كيف وصفوا الملك سعود؟
- في وصف الملك سعود - رحمه الله - يقول بنو ميشان في وصف الملك سعود (إنه أيضاً رجل عملاق طوله متران و 4 سم يتمتع كأبيه بقوة جسدية غير عادية وأنه يحب أن ينفق طاقته في جولات طويلة على الحصان ونشاطه المحبب هو الصيد البازي، إنه إنسان قريب محبب إلى القلب حافل بالحيوية والقوة.
* لعل هناك مواقف عديدة وعظيمة لعبت دورا في حياة هذا الملك الإنسان فما أبرز هذه المواقف التي تتذكرونها؟
- للملك سعود دور كبير في مساندة والده قبل توليه ولاية العهد بتوحيد معظم شبه الجزيرة العربية وكان أبرز المواقف حادثة إنقاذ والده من اغتيال اليمنيين بالمطاف بالحرم المكي وتعريض حياته للخطر وإصابته في ظهره بطعنة مفتدياً والده بنفسه من أنبل الأمثلة في المحبة والإخلاص والفداء.
ومن أقواله النبيلة التي كان يقولها: (إن الله لم يفرط في كتابة الكريم من شيء ولو اتبع الناس ما جاء به القرآن الكريم من الهدى لما تفرقوا ولسعدوا في دينهم ودنياهم )
* لعلكم في آخر حياة الملك سعود كانت بداية حياتكم في المراسم كيف استقبل المجتمع وفاة الملك سعود؟
- بعد ان بايع الملك فيصل في خطابه المؤرخ 29 - شعبان - 1384ه سافر الملك إلى اليونان وبقي فيها حتى توفي إلى رحمة الله في 6 - 12 - 1388ه وأذكر في حفل العشاء الذي إقامة الملك فيصل لكبار وفود الحج في مساء يوم الأحد السادس من ذي الحجة لعام 1388 وبعد ان توجه الملك والوفود إلى صالة الطعام كلفني معالي السيد أحمد عبد الوهاب رئيس المراسم الملكية السابق بالتوجه إلى إحدى السيارات لسماع أخبار لندن عند الساعة التاسعة مساء، وعند خروجي إلى ساحة قصر البطحاء بمكة المكرمة إذا بالأخ سعود الدهلوي مندوب وكالة الأنباء السعودية بالديوان الملكي في ذلك الوقت يبلغني أن إذاعة لندن أذاعت خبر وفاة الملك سعود في اليونان، توجهت بعدها إلى مكتب معالي رئيس المراسم الملكية السابق وأخبرته عن النبأ وكان بالمكتب كل من سمو الأمير مساعد بن عبد الرحمن وزير المالية والاقتصاد الوطني - رحمه الله - وسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران وقدمت لهما العزاء في وفاة الملك سعود، وبعد انتهاء الحفل أبلغوا الخبر للملك فيصل فأمر - رحمه الله - بإرسال طائرة خاصة وعليها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز لنقل جثمان الملك سعود من اليونان إلى جدة ووصلت الطائرة المقلة للجثمان إلى جدة ثم نقل الجثمان إلى مكة المكرمة، حيث تم تجهيزه وصلي عليه في الحرم الشريف كان وقتها يوم غسل الكعبة الشريفة ثم حملوا جنازته إلى جدة لنقلها إلى الرياض ليدفن في مقبرة العود بالرياض.
وبعد ان تسلم الملك فيصل مقاليد الحكم إثر مبايعته بقصر الحكم كنت حاضراً في هذه المناسبة فقد وجه الملك فيصل أول خطاب بيّن فيه سياسته الداخلية والخارجية، ومن ضمن ما جاء في خطابه (أما موظفو الدولة وكل أجهزة الحكومة فيقع عليهم عبء خاص في هذه المعركة قوامه مخافة الله والأمانة المطلقة والشعور بالمسؤولية، ونؤكد لكم أننا سنضاعف الجهد نحو تحقيق أهدافنا الإصلاحية في جميع مجالاتها السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية وسنبذل جهدنا في تدعيم الأساس الديني الذي تقوم عليه هذه الدولة التي شرفها الله فجعل فيها بيته ومسجد نبيه - صلى الله عليه وسلم - ووضعها بذلك في مركز قيادي خاص.
* وماذا عن إضافته في السياسة الداخلية؟
- لقد أسس الملك فيصل بل سنّ القوانين بما يتوافق مع نصوص القرآن الكريم وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قام بتنظيم الإدارة المحلية في مختلف مناطق المملكة كي تسهم في التقدم الإداري والسياسي والاجتماعي للوطن كما أسس وزارة للعدل ومجلسا أعلى للقضاء وسلطة قضائية مستقلة ثم أعلن عن مجلس للفتوى من العلماء للنظر في شؤون المسلمين وإصدار الفتاوى الشرعية عند الحاجة وقام يرحمه الله بتحسين الحياة المعيشية بتقديم الخدمات الطبية المجانية والتعليم كذلك تأسيس ضمان اجتماعي يكفل للمتقدمين في السن والعمال العناية اللائقة. كما أسس الرئاسة العامة لرعاية الشباب، والعمل الذي اشتهر به عندما الغى الرق كاملاً وإعطاء الحرية للجميع وقد بذل - رحمه الله - قصارى جهده في تطبيق هذه المبادئ وفوق كل ذلك وللمرة الأولى في تاريخ المملكة فتح أبواباً جديدة أمام المرأة السعودية بحيث شرع لها أبواب المعرفة لتلقي التعليم على قدم المساواة مع الرجل من روضه الأطفال إلى المستوى الجامعي.
* نحن نعلم أن الملك فيصل صاحب سياسة محنكة ونفوذ واسع هل تذكر لنا بعضا من سياسته؟
- يعتبر الملك فيصل المؤسس الحقيقي للدبلوماسية السعودية بشهادة والده الملك عبد العزيز، فأذكر عندما كنت مرافقاً لسمو الشيخ عبد الله الجابر الصباح عندما أدى مناسك الحج عام 1388ه وقال الشيخ في مجلسه بقصر منى بمكة المكرمة (كان لي في الماضي جلسة خاصة مع الملك عبد العزيز عند زيارتي إلى الرياض يسألني عن أسرة آل الصباح وأحوالهم وذات مرة قال لي وهو ممسك بيدي يا أبو جابر الرجال صقار عياله وانا عندي من العيال ثلاثة أذكرهم لك سعود وفيصل ومحمد كل له صفة، أما فيصل إذا ضاع علينا الرأي دورناه ولو آخر الليل).
واذكر أيضاً عندما كنت أحد أعضاء المراسم الملكية في زيارته لأمريكا فقد القى الرئيس نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كلمة قال فيها (إنني سعيد جداً بوجودكم بيننا في هذا اليوم لنتعلم من حكمتكم ومن خبرتكم السياسية الطويلة) ولعلي أتذكر زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض حينما وقف الرئيس يجيب عن كلمة الملك فيصل الترحيبية فقال كلمة لا أنساها وقد صرخ بها على مسامع كبار المدعوين فقال (كل الناس يا جلالة الملك من شرق وغرب أصبحوا يقصدونك وأنا منهم غير أنني قصدتك لأقتبس منك الحكمة في الدرجة الأولى).
* وكيف كان برنامجه اليومي؟
- يبدأ برنامجه - رحمه الله - مع الهزيع الأخير من الليل فيتلو القرآن وبعد أداء صلاة الفجر يخلد للراحة قليلاً، وكان يصل إلى الديوان الملكي يومياً عند الساعة العاشرة والنصف صباح كل يوم عدا الأيام التي تكون فيها مواعيد لاستقبال الضيوف فإنه يتوجه إلى الصالون الكبير لاستقبال المواطنين من الحاضرة والبادية عند الساعة 11 صباحاً، وبعد صلاة الظهر يتوجه إلى تناول الغداء مع الضيوف ثم يتوجه إلى قصره لأخذ قسط من الراحة، وبعد صلاة العصر يعود لمتابعة شؤون الدولة حتى قبل المغرب ينتقل في الغالب إلى خارج المدينة لتأدية صلاة المغرب والعودة مباشرة إلى الديوان الملكي لاستقبال المواطنين والتحدث إليهم ودراسة ما قد يعرض عليه من شكاوى يستعرضها ويذيلها شارحاً عليها بخط يده موجهها لجهات الاختصاص، وغالباً ما يكون طلبه الإفادة عمّا لديهم من معلومات تتعلق بشكاية شخص ما. يعود للمرة الرابعة إلى الديوان الملكي بعد صلاة العشاء لينهي بذلك عمله اليومي وحتى منتصف الليل وبعد سماعه أخبار لندن وصوت أمريكا وفي طريقه من مكتبه إلى قصره اعتاد في كل ليلة أن يمر على أختيه الأميرة سارة والأميرة العنود بنت عبد العزيز ثم يصل إلى قصره ويجلس مع أسرته بعض الوقت، وكان يتناول حبه تفاح قبل أن ينام. وذات مرة بالديوان الملكي بالحمراء بجدة وكنت حريصاً على الاستماع والإنصات إلى حديثه كان يتحدث على العشاء عن روتين العمل وأن بعض الموظفين يؤخرون أعمال المراجعين وكثير منهم ينتهي يوم عمله وهو لم ينجز العمل الموكل إليه، وبعد أن خرج من صالة الطعام في أثناء تناوله فنجان القهوة استدعاني وسلمني مظروفاً داخله خطاب مقدم له وقال ضعه على مكتبي وعندما فتح لي الأخ عبد الله ناصر الغامدي مكتب الملك الخاص ووضعت المظروف على مكتبه لاحظت ملفاً مليئاً بالأوراق، فسألت الأخ عبد الله هل هذه الأوراق من أوراق الصباح؟ فقال إن أوراق الصباح والعصر انتهت وهذه أوراق المساء!! حقاً لا أجد تعبيراً أصف به دقة مواعيد وانضباط الملك فيصل ومن دقته - رحمه الله - أن ألوان المشلح لها تميز خاص فمثلاً اللون السود كان يلبسه يومي الأحد والأربعاء وعند الزيارات أو الحفلات الرسمية داخل أو خارج المملكة، أما لون المشلح السعودي (البني الداكن) فكان يلبسه أيام السبت والثلاثاء والخميس، أما اللون الأصفر الفاتح فيلبسه يوم الاثنين واللون الأبيض يلبسه يوم الجمعة وفي العيدين الفطر والاضحى.
أما الزيارات التي قام بها التي بدأت بعد حوالي عام من توليه مهام الملك فكانت أطول سلسلة رحلات قام بها رئيس دولة في العالم خلال فترة قصيرة من الزمن، ففي الفترة الواقعة بين 1385ه إلى الفترة 1395ه قام - رحمه الله - بست وخمسين رحلة شملت اثنتين وثلاثين دولة في معظم بلاد آسيا وإفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الزيارات شملت زيارات رسمية وحضور مؤتمرات إسلامية وعربية كان الهدف الأساسي منها دعم مسيرة التضامن الإسلامي والدعوة إلى توحيد المواقف لمجابهة أعداء الإسلام والبشرية جمعاء وتدارس مختلف وجهات النظر حول القضايا الإسلامية والعربية والدولية، وعلى رأسها قضية فلسطين والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لتلك القضايا عامة وفي سبيل تحقيق ذلك قطع الملك آلافا من الأميال متنقلاً بين دول العالم ليشرح للجميع الأهداف السامية التي ينادي بها لإظهار النهج الذي تسير عليه دولته، وكان من أهم إنجازات هذه الزيارات الاستجابة الكبيرة من رؤساء دول العالم الإسلامي لنداء التضامن الإسلامي لتوحيد صفوف الأمة الإسلامية فيما بينهم لما فيه من خير لشعوبها ومواجهة أعداء الإنسانية.
* وفاة القائد الشهيد صعقت العالم من هول هذا النبأ. كيف تلقيتم هذا الخبر وانتم داخل القصر الملكي أثناء الدوام؟ - ان موته كان مصيبة لكل مسلم ومصيبة للإسلام في الصميم في ساعة الاضطراب والقلق النفسي لا أستطيع استيعاب جانب واحد من جوانب حياته الإسلامية، ففي عهده اختفت الأنساب وانطمست النعرات ولم يبق إلا لا اله إلا الله محمد رسول الله، مات ويخلف الله علينا جميعا بصلاح في أمور ديننا ودنيانا، مات وليس له عدو على وجه البسيطة إلا عدوان اثنان وخصمان ألدان هما الصهيونية العالمية والشيوعية الملحدة.
لقد كنت بمكتبي ومعي مندوب التشريفات الجزائرية لإنهاء ترتيبات زيارة الرئيس هواري بومدين الذي كان مقرراً أن يصل يوم الخميس 15-3-1395ه في زيارة رسمية للمملكة، فكانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء من ربيع الأول 1395ه اغتيل الملك فيصل وهو في مكتبه بالديوان الملكي بالرياض أثناء استقباله وزير البترول الكويتي عبد اللطيف الكاظمي، نقل الملك على أثر ذلك للمستشفى المركزي وتوفي متأثرا بإصابته،
* بعد وفاة الملك فيصل - رحمة الله عليه - جاء الملك خالد ليتولى مقاليد الحكم، دعنا نحلق معكم في سيرة الملك خالد كيف كان حكمه؟
- بعد استشهاد البطل الملك فيصل تولى الملك خالد - رحمهما الله - مقاليد الحكم فكان حكمة سبع سنوات كلها خير على وطنه وشعبه وأمته الإسلامية، فقد سار على خطى من سبقه مؤسس هذا الصرح والده الملك عبد العزيز وأخويه الملك سعود والملك فيصل - رحمهم الله - وأكمل ما بدأوه من مشاريع جبارة في الحرمين الشريفين وشبكة الطرق السريعة التي تربط مدن وقرى المملكة، وكانت له سياسة داخلية وخارجية تتسم بالحنكة فقد شجع الصناعات الوطنية وعمل كل ما في وسعة لإسعاد كل مواطن وتهيئة كل أسباب الرقي والرفاهية وإقامة الحدود الشرعية، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم في الوقوف أمام حدود الله.. أما سياسته الخارجية فقد أسندها إلى ولي عهده الأمير فهد بن عبد العزيز وعرفت بالسياسة الهادئة الحكيمة، واذكر في لقاء صحافي أجرته معه جريدة السياسة الكويتية جاء في رده على أحد الأسئلة حول إعطاء صلاحيات سياسية وإدارية واسعة لولي العهد الأمير فهد حيث أجاب بقوله: إن الأجهزة العاملة في المملكة العربية السعودية تحكمها نظم ولوائح تنفيذية تعمل بموجبها وهذه النظم يقرها مجلس الوزراء للتصديق عليها، وقد عهدنا لولي العهد الأمير فهد بالإشراف على تطبيق ما تقضي به هذه النظم التي حددت صلاحيات ومهام كل جهاز من أجهزة الدولة، لأنه لا يعقل أن يقوم رئيس الدولة بهذه الأمور ولديه من المهام الكبرى من سياسية واقتصادية ومالية ما تضطره إلى النظر فيها وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تعود بالخير على هذه البلاد.
وقد وصفت جريدة (البابيس) الإسبانية الملك خالد بأنه ملك مدبّر رشيد وهو يقف موقفاً معتدلا ميالاً إلى الوئام بين الأقطار الغنية والفقيرة وبين الشمال والجنوب، وعلى الرغم من أنه يعمل في الجناح الغربي في الدفاع عن الشخصية الإسلامية الأصيلة فأنه لم يكن قط من أنصار الانحياز لأي معسكر من المعسكرات بالنسبة لسياسة بلاده الداخلية والخارجية.
* وما هو برنامجه اليومي؟
- يكون حضوره إلى مكتبه في الصباح الساعة العاشرة وعند الساعة الواحدة والنصف يؤدي صلاة الظهر جماعة مع الحاضرين، ثم يتوجه إلى قصره ويتناول الغداء ثم يستريح ويعود إلى الديوان بعد العصر وحتى غروب الشمس حيث يخرج لأداء صلاة المغرب ثم يتوجه إلى قصره لتناول طعام العشاء مع المواطنين يومياً، أما في آخر حكمه فبدأ يجلس للعشاء مع المواطنين مرتين في الأسبوع، أما يوم الخميس صباحاً فكان يسير على ما كان عليه سلفه يتوجه إلى قصر الحكم لمقابلة العلماء والمواطنين، غير انه مع التنظيم الإداري الجديد الذي تم في عام 1397 وهو أن يكون الدوام خمسة أيام في الأسبوع ويكون يوم الخميس والجمعة عطلة أسبوعية فقد أصبح يوم الاثنين للعلماء والمواطنين بدلاً من يوم الخميس ثم تعدل ليكون يوم الثلاثاء للعلماء والمواطنين ويوم الاثنين لانعقاد مجلس الوزراء. وكان الملك خالد يقضي صيام رمضان في الطائف كل عام من الفترة 1395ه إلى 1401ه ويبقى في الطائف فترة الصيف ثم يعود للرياض بعد ان يصلي العيد بمسجد العيد بالطائف، ثم يتوجه إلى قصره بالخالدية ويستقبل المهنئين من الأمراء والعلماء والوزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين وأعيان البلاد يتناول الجميع طعام العيد على مائدة الملك.
في 20 من رمضان 1401ه وصل الملك خالد إلى قصره الجديد الذي بني على جبل أبي قبيس جنوب الحرم المكي ويطل على الحرم وخصص فيه مسجدا مربوط به مكبرات صوت من الحرم وكان يؤدي صلاة العشاء والتراويح وبعض الفروض مع الحرم. وفي آخر ليلة من رمضان وعند مغادرته قصره بمكة المكرمة متوجها إلى الطائف وعند ركوبه السيارة قال لمودعيه وكنت واقفاً معهم (إن أحياني الله العام القادم فسوف أكون بمكة من أول شهر رمضان) ولكنه توفي قبل رمضان في 21 شعبان عام 1402ه .
* تولى مقاليد الحكم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - لأكثر من 24 سنة شاهدنا الكثير من الإنجازات العظيمة والتطورات الجليلة. نود إعطاء إيجاز عن هذا الملك الراحل؟
- تولى الملك فهد الحكم بعد وفاة الملك خالد يوم الأحد 21 شعبان 1402ه ويتمتع الفهد بمواهب قيادية عظيمة وفكر ثاقب وخبرة إدارية فائقة، وتتضافر هذه جميعها في إصدار قراراته التي تتسم بالحكمة وبعد النظر والفراسة المميزة في استبيان المستقبل، وقد كان لقدرته الفذة على اتخاذ المبادرة والقرار الحكيم المناسب في الوقت المناسب للغرض المناسب اليد الطولى في تحقيق معجزة التطور الحضاري للمملكة مما لم يعرف له التاريخ البشري نظير فقد أصبح الفهد ملكاً وكانت قد توافرت له خبرات نادرة في إدارة شئون الدولة نتيجة للثقة الأصلية التي وضعها فيه زملاؤه وأسلافه بدءاً من والده الملك عبدالعزيز ومن بعده الملك سعود وفيصل وخالد ولاسيما وقد تولى أول وزير للمعارف فأصبح بحق رائد التطوير التربوي الأول في المملكة العربية السعودية وقد حرص على طباعة المصحف الشريف الذي يوزع منه كل سنة كميات هائلة وأيضاً قام بتوسعة الحرم المكي والحرم النبوي بتوسعات عظيمة وجبارة كما قام بتطوير النظام فقد أصدر نظام المناطق وطور في نظام مجلس الوزراء بتحديد مدة الوزير والمرتبة الممتازة بألا تزيد على أربع سنوات وتنتهي خدمته بنهاية هذه المدة ما لم يصدر أمر ملكي بتجديدها أما خدمة من يشغل مرتبة وزير أو المرتبة الممتازة وقت صدور هذا الأمر فتنتهي بعض مضي سنتين من تاريخ صدوره ما لم يصدر أمر ملكي بتمديد خدمته لمدة لا تزيد على سنتين أو يصدر أمر ملكي بتحديدها.
كما قام بافتتاح تشغيل مشروع الخدمة الطبية والتعليمية الحديثة عبر برنامج ربط مستشفيات المملكة بالمراكز الطبية الجامعية المتخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية عبر الأقمار الصناعية وعلى مدار الساعة وكانت البداية مع مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض.
وعن برنامج الملك فهد رحمه الله يقول الدكتور الحمودي: إن الملك يصل إلى المكتب بالديوان ظهراً وإذا كان هناك مواطنون توجه للصالون الرئيسي وإلا توجه إلى مكتبه ويبقى إلى وقت متأخر حسب ما تقتضيه ظروف العمل والمواعيد المسبقة لكبار الضيوف أو السفراء واذكر يوماً من الأيام استقبل عدداً من السفراء تجاوز عددهم ستة عشر سفيراً قاموا جميعهم بتقديم أوراق اعتمادهم وهذا دليل على صبره وحبه للعمل وكان يواصل العمل أحياناً إلى منتصف الليل وقد اعتاد أن يقضي النصف الأخير من شهر رمضان في مكة المكرمة وبعد صلاة العيد يتوجه إلى جدة ثم إلى الرياض وفي الحج فقد اعتاد على إقامة حفل كبير لوفود الحج في جدة بدلاً من مكة ويكون في الثالث أو الخامس من شهر ذي الحجة بدلاً من اليوم السادس من ذي الحجة من كل عام وفي حج عام 1414ه رأى رحمه الله إلغاء هذا الحفل والاكتفاء بحفل ثاني أيام العيد في منى لإعطاء الوفود فرصة أكبر للتفرغ للعبادة وعدم اشغالهم بحفلين متقاربين في وقت ضيق.
وكذلك اعتاد أن يتوجه إلى منى يوم عرفة اليوم التاسع من ذي الحجة للاشراف بنفسه على شئون الحجاج وفي يوم العيد يتوافد الأمراء والوزراء وكبار الموظفين كما يدعو كبار الضيوف الذين قدموا لأداء فريضة الحج من دول الخليج للتهنئة بالعيد وتناول طعام الغذاء وفي المساء يحضر كبار العسكريين المشاركين في الحج للسلام والتهنئة بالعيد..
في 26-6-1426ه توفي الملك فهد بن عبدالعزيز
الملك عبدالله بن عبدالعزيز
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تولى الحكم خلفاً للراحل الملك فهد في 26-6-1426ه وقد عين الأمير سلطان ولياً للعهد فالملك عبدالله يتمتع بشخصية محنكة وبتواضع جليل وكانت سياسته الداخلية يغمرها التسامح والعفو والتلامح ما بين الراعي ورعيته وقد لاحظنا عندما عفا عن هؤلاء الذين أرادوا أذاه كما أعفى عن كل من يسلم نفسه من ذوي الفكر الضال وما نشاهده اليوم من عفو للسجناء في أنحاء مناطق المملكة وهو دائماً يسعى إلى راحة هذا المواطن السعودي وتلبية احتياجاته المعيشية حيث خفض أسعار الوقود وقام بزيادة رواتب موظفين الدولة وهو يتفاؤل بالخير والنعم على هذه البلاد ويبشرهم بحياة معيشة راقية واقتصاد مثمر ينعم به كل مواطن.
ولقد قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بزيارات رسمية عندما كان ولياً للعهد إلى دول عربية إسلامية وصديقة وترأس وفوداً للمؤتمرات كان أهمها ترؤسه وفد المملكة لحضور مؤتمر القمة الإسلامية الذي انعقد بعاصمة السنغال داكار في عام 1412ه والذي أعلن فيه في كلمته أمام المؤتمر قرار المملكة الحكيم بإسقاط ديون المملكة التي لها عن الدول الإسلامية الفقيرة مساعدة من المملكة لهذه الدول. كما ان الملك عبدالله قد ترأس لجنة المصالحة العربية واستطاع من خلال مواهبه القيادية أن يزيل رتلاً من الجفاء بين الملك حسين والرئيس حافظ الأسد وأن يعيد بتوفيق الله ثم بدبلوماسيته العلاقات الأخوية بين الشقيقتين الأردن وسوريا.
وفي كلمة قالها بهذه المناسبة: (نحن في الجزيرة العربية جزء لا يتجزأ من جسد أمة إذا تألمت تألمنا هذه أيها الإخوة في عالمنا العربي والإسلامي هي عقيدتنا وهذا هو إيماننا نؤمن به واجباً لا نتحول عنه مهما كانت الظروف والإحداث) كما جاء في كلمته عندما قام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1408ه حيث جاء في كلمته الترحيبية بنائب الرئيس الأمريكي جورج بوش بواشنطن (ان عالمنا يمر اليوم في مرحلة انتقال وان مثل هذه المرحلة تكون عادة محكومة بشيء من التخبط والاضطراب ولكن هذا الواقع ينبغي ألا يبعث على التشاؤم والقلق فهو ناجم عن محاولة زج الجديد داخل الإطار القديم وهو في العالم النامي ناشئ عن يقظة الذات على ضجيج الآلة لذلك فإن ما ترونه في العالم الثالث ليس بأحقاد تغلي في مرجل بل نبض حياة تتأكد ماهية ووجود.
وأضاف في كلمته: وفي هذه الحقبة المصيرية حقبة الصواريخ والأسلحة النووية تعيش كافة أمم الأرض في عالم من كوابيس رهيبة ولقد ذهب البعض إلى القول ان الخوف المتبادل هو الحلقة الأساسية في سلسلة التعايش السلمي لكن التاريخ برهن على أن العمل بهذه المقولة كان ينتهي دائماً بالخائف والمخيف إلى الانتحار فالخوف يشل العاطفة ويخنق العقل ويترك للغريزة أن تكون الناظم والمعيار لذلك فلا سبيل أمامنا للحفاظ على الحياة على ظهر هذا الكوكب إلا أن نقهر الشر بالخير والظلم بالعدل والجشع بالسخاء والإساءة بالغفران).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.