حينما يكون الصنم شاهقاً ومهيمناً لابد أن تجري دماء القرابين بين يديه مدرارا لكي ترضي طبيعته المتوحشة وشوقه الدائم للدماء.. ويحاول أتباع هذا الصنم أن يلقوا على القرابين جميع شرورهم وآثامهم الخفية التي ينحرونها بين يدي الوثن.. لتحدث عملية التطهير.. وما يحدث الآن من ردود أفعال حول رواية (بنات الرياض) ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالنقد الأدبي، أو خصائص العمل الفني وعلاقته بالواقع، أو دور الآداب في حياة الشعوب، إلا على نطاق محدود للغاية ومن بعض الاقلام الجادة الواعية لطبيعة الآداب والميكانيكية التي تتجلى بها وتعكس من خلالها الواقع. لكن ما يحدث الآن تحول إلى ساحة مختلفة تماماً، وبات صراعاً بين تيارين تماماً كالصراع على قيادة المرأة للسيارة، فهو لا يتعلق بالقيادة بحد ذاتها بقدر ما ترمز لصراع التيارات في المجتمع.. ومجال سيطرة المرأة على إرادتها وقرارها. وفي ما يتعلق برواية (بنات الرياض)، اتخذ الحديث عنها طابعاً متوشحاً بدائياً وكأن الرواية أو كاتبتها أصبحت القربان الذي لابد أن يقدم لصنم الرقابة الاجتماعية ذي الأعين الحمراء الملتهبة والمحمل بكل رموز الرجعية والتعصب الفكري، لكي يرضى ويشبع نهمه من دماء أعدائه. وباتت الردود على الرواية لاسيما تلك المكتوبة من بعض النساء ضد الرواية، كأنها إعلان براءة لابد أن يرفعنه للمجتمع للتخلص من كل التهم التي من الممكن أن يكيلها لهن المجتمع كونهن كاتبات وكونهن مختلفات وكونهن يثرثرن خارج تاريخ الصمت النسوي الأزلي. لم يعد نقد الرواية له علاقة بالأدب على الإطلاق بل اندرج في مسارات وصراعات مختلفة وحتى بتنا نرى على بعض مواقع الإنترنت صور القبور كنوع من الوعظ والتحذير لكاتبة الرواية. وعندما كتب الكاتب الفرنسي (فلوبير) رواية (مدام بوفاري) تعرض لمحاكمة قضائية حادة وشرسة ومنعت الرواية من التوزيع، كونه تحدى في طرحه الكثير من مسلمات المجتمع الفرنسي آنذاك. وهذا أمر ليس جديداً وطارئاً على الكاتب فقد مر الكثير من الكُتاب في القديم والحاضر بهذا الأمر وصراع التيارات الفكرية المتباينة فوق أوراق الكتاب أو جثة الكاتب، وابن المقفع ضرب على يديه حتى تورمتا ويقال بأنهم قطعوا لسانه، وطرفة بن العبد لقي حتفه جراء قصيدة. إنه أمر ليس بغريب نقرأ عنه عبر التاريخ عن أتباع ومريدي وثن الرقابة الطاغية، ومع رواية (بنات الرياض) كلما ازداد النقد توحشاً كلما أحس أصحابه أنهم أراقوا المزيد من الدماء التي تهدف لرضاء الوثن المتسلط والمهيمن على الحياة الفكرية برقابة طاغية بشكل عاجز عن الفصل بين الرواية كأحد الأشكال الأدبية التي هي ليس الواقع ولكن أحد انعكاساته وبين الواقع وجميع محاذيره وأسلاكه الحمراء المكهربة. الرواية انفلتت من مجالها الأدبي.. واتجهت نحو المذبح.. لكن المفارقة هنا أن هذه الضوضاء والصخب، أسهمت بشكل وافر في توزيع الرواية على جميع المستويات وبشكل لم تشهده رواية سعودية من قبل.